ميثاق شرف * صياغة أولى *

سجَل الشيوعيون السوريون خلال تاريخهم ملاحم ومآثر وإنجازات لايمكن أن يمر التاريخ الوطني لبلادنا وتاريخ الحركة الشيوعية العالمية عليها مرور الكرام. وكان ماحققه الحزب خلال وجوده نتاج نضال أجيال عديدة من الشيوعيين وثمرة عمل عشرات الألوف منهم، تشهد عليها دماء شهدائه التي قدمها خلال النضال الوطني والطبقي. إن تاريخ سورية الحديث لايمكن أن يكتب اليوم دون ذكر دور الحزب الشيوعي السوري. ولكن الدور الذي يطمح إليه الشيوعيون السوريون أصابه خلل في العقود الأخيرة.

فهم يعيشون منذ أكثر من ثلاثين عاماً في حالة اقتتال داخلي أضعفهم مجتمعين ومنفردين، وإذا كان للخلافات التي نشبت فيما بينهم أساسها الموضوعي الذي قد ضاق حيزه اليوم، فإن العوامل الذاتية، وخاصة في القيادات، لعبت دوراً سلبياً في تعميق الهوة فيما بينهم، مما زاد في تعقيد الأمور أكثر فأكثر.

وقد أدى هذا الوضع بمجمله إلى إضعاف دور الشيوعيين في تنفيذ مهامهم الوطنية والاجتماعية والديمقراطية. وكان رد فعل جماهير الحزب على ذلك طبيعياً، إذ أصيبت بخيبة أمل أبعدتها بالتدريج عن دعمه الفعال مما أضعف بدوره الحركة السياسية الوطنية في البلاد.

لذلك فإن مهمة إعادة الحزب إلى الجماهير تنتصب أمامنا اليوم بكل جدية ليستعيد دوره الطبيعي، وستسِّرع وحدة الشيوعيين السوريين على أسس مبدئية، أسس الماركسية ـ اللينينية، هذه العملية الضرورية والمصيرية.

إن العمل على أساس الماركسية - اللينينية يعني النضال ضد الجمود والعدمية في الفكر، ويعني في الوقت نفسه تطبيقها الخلاق حسب الظروف الملموسة التي نعيشها.

يجتمع الشيوعيون اليوم حول قضايا كثيرة، وهي أكثر بكثير من القضايا التي تفرقهم والتي لاتمنع بحد ذاتها وجودهم في حزب واحد. لقد علمتنا التجربة السابقة أن نتمركز على القضايا الراهنة التي لا يمكن حلها أصلاً بقوى فصيل وطني وحده، فكيف وقوانا متفرقة؟، تاركين للحياة وللنقاش أن يحلا القضايا المختلف عليها سواء أكانت حول الماضي البعيد أو المستقبل البعيد. وإذا فعل الشيوعيون ذلك يكونون قد ارتفعوا إلى مستوى مسؤوليتهم التاريخية، مستعيدين هيبته ووزنه وفعاليته. وفي كل الأحوال، فقد  برهنت التجربة العملية في القرن العشرين أن وجود الشيوعيين كفصيل مناضل من أجل تحقيق الاشتراكية هو حاجة موضوعية، ولم تستطع كل موجات القمع والتزييف والتحريف أن تلغي دورهم، ولكن إذا ألغى البعض منهم دوره تحت ضغط الظروف الطارئة، فإن الجماهير الشعبية قادرة دائماً على إيجاد حزبها الشيوعي الحقيقي.

رسَخ الشيوعيون السوريون تقاليد عريقة في التعبير عن مصالح الجماهير الشعبية الواسعة والدفاع عنها، وهم بنضالهم اللاحق هذا سيستندون إلى تراثهم الغني في هذا المجال، مطورين إياه، متجاوزين النقاط السلبية التي عرقلت عملهم وجعلتهم في أحيان كثيرة يكتفون بالإعلان عن نواياهم دون دعمها بالممارسة اليومية، وإذا كانت بعض الأوساط القيادية، قد تميزت بالتخلف الفكري وبالانتهازية السياسية، فإنها بتهافتها على الامتيازات تتحمل المسؤولية الأساسية لما وصل إليه الوضع في هذا المجال، إلا أن جسم الحزب مطالب اليوم بأن يتجاوز حالة الترهل التي أوصلته إليها الإحباطات المتوالية التي عانى منها، وأن يستعيد دوره الطليعي من خلال الالتحام الدائم بالجماهير الشعبية والدفاع عن مصالحها الآنية والمستقبلية.

أثبتت الحياة أن أية مهمة يسعى الشيوعيون السوريون لحلها لن يكتب لها النجاح دون قيامهم بتعبئة الجماهير وعقد  التحالفات المبدئية المناسبة، وهم في سلوكهم قد أثبتوا أنهم حلفاء مخلصون لتحالفاتهم، وهم سيستمرون على هذا النهج، ولسان حالهم يقول: صديقك من صدقك وليس من صدّقك. ولكنهم لن يقبلوا بأن يكونوا عبئاً على أي تحالف أو قوة هامشية فيه، كما لن يقبلوا أية وصاية عليهم أو تدخل في شؤونهم الداخلية، محافظين في كل الأحوال على وجههم المستقل، وجه تمثيل مصالح الطبقة العاملة السورية، وسائر الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم.

عاش الحزب خلافات وانشقاقات في العقود الأخيرة لم تسمح بتطوير الديمقراطية الحزبية فيه، الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الوحدة في ظل التباين والاختلاف، وحل محلها أجواء رفض لأي رأي آخر، وساد جو من ضيق الصدر والقمع عوضاً عن الحوار والنقاش  مما سمح بإعادة إنتاج الأزمة لدى كل فصيل كان يدعي عند خروجه من الصراع أنه قد بدأ بالتعافي. إن كسر حلقة إعادة إنتاج الأزمة لا يمكن أن يتم دون إعادة النظر بآليات العمل التنظيمي والقيادية منها خصوصاً باعثين الحياة بالروح اللينينية في التنظيم التي تحتمل الرأي الآخر ولكن لا تقبل قط  التفريط بوحدة المناضلين من أجل الديمقراطية والتحرر والاشتراكية.

كان الشيوعيون دائماً بسلوكهم وأخلاقهم وممارستهم ورؤيتهم النافذة البعيدة النظر، مثالاً يحتذى وقوة جذب في المجتمع، وهم اليوم إذ يفتقدون الكثير في هذا المجال، فإنهم يعون، أن أي دور مستقبلي لهم لا يمكن له أن يتجسد على أرض الواقع دون إعادة الاعتبار لمنظومة العلاقات الرفاقية الإنسانية التي تصهر الشيوعيين في بوتقة واحدة قادرة على تهيئة المقدمات من أجل تحقيق أهدافهم الوطنية والطبقية.

إن مسلسل الانقسامات يجب أن ينتهي، وحتى نحدث الانعطاف المطلوب في حياة الحركة الشيوعية في سورية، فقد آن الأوان لإطلاق المبادرات متعددة الأشكال لتحقيق وحدة الشيوعيين السوريين. لقد طال انتظارنا عبثاً حتى الآن للوحدة الآتية من فوق، وهذه الوحدة المنتظرة يجب أن تبدأ عبر المبادرة لتشكيل لجان تنسيق على كل المستويات، هدفها توحيد الشيوعيين على أساس مبدأ سيادة المؤتمرات الذي يعني لا شروط على المؤتمرات قبل انعقادها، ولا وصاية عليها خلال انعقادها والتزام الجميع بنتائجها بعد انعقادها.

فلنسع جميعاً لتحقيق وحدة الشيوعيين السوريين، هذه الوحدة التي أصبحت واجباً وطنياً وطبقياً لا يعلو عليه أي واجب أخر.

إننا نتوجه لجميع الشيوعيين السوريين في مختلف مواقعهم التنظيمية، ولكل الذين ابتعدوا أو أُبعدوا، دون وجه حق، للعمل على بلورة وبناء وحدتهم بالاستناد إلى كل تراثنا الثوري الغني، ومتجاوزين كل العوائق والعراقيل التي تقف في وجه تحقيق هذه المهمة النبيلة.

انطلاقاً من ذلك كله فإننا نحن الشيوعيين السوريين الموقعين أدناه سنبذل كل جهودنا من أجل:

1 _ أن ننفذ مهامنا الوطنية والطبقية والديمقراطية بشكل منسجم، دون خلل أو تنازل عن مصالح الشعب والطبقة العاملة مدافعين بشجاعة عن مطالبها، وأن نكرس تقاليد العمل «من تحت» بين الجماهير، غير مكتفين بالعمل المريح والسهل «من فوق».

2 _ أن نكون مخلصين لأي تحالف يتم بيننا وبين أية قوى أخرى على أن لا يطمس هذا التحالف وجهنا المستقل، وأن نقاوم كل من يريد الهيمنة على حزبنا، وأن لا نسمح لأنفسنا بأن نتحول إلى عبء على أي حليف أو قوة هامشية في أي تحالف.

3 _ أن نعمل على أساس الماركسية - اللينينية ضد الجمود والعدمية في الفكر، وأن نطبقها بشكل خلاق انطلاقاً من التطورات التي يشهدها العالم والوطن، منطلقنا في ذلك المبدئية والجرأة في الفكر وفي الاجتهاد.

4 _ أن نعمل على تكريس الديمقراطية الحزبية وتوطيدها على أساس مبدأ سيادة المؤتمرات، على أن يحترم رأي الأقلية، وأن يمنع قمعها تحت أية حجة كانت، بعيداً عن عقلية التكتل والاستزلام وجمع الأنصار بشكل يتناقض جذرياً مع الروح اللينينية في التنظيم.

5 _ أن نحترم تاريخ حزبنا ونضالاته مخلصين لذكرى شهدائه وبٌناته وأن لا ندخل بعد اليوم في معارك جانبية تنهك الحزب وتبعده عن تنفيذ مهامه، وأن نوقف مسلسل الانقسامات منطلقين نحو جمع الشمل وتوحيد الشيوعيين على أسس مبدئية.

6 _ أن نجسد الأخلاق الشيوعية الثورية الأصيلة في السلوك والممارسة، وأن نطرح جانباً الأخلاق الغريبة الوافدة إلى حزبنا، أخلاق قوى السوق والسوء، وأن نعيد الاعتبار للروح الرفاقية في التعامل بين الشيوعيين، محاربين روح الركض وراء الامتيازات ومكرسين روح التضحية ونكران الذات.

 

7 _ أن نعمل على تطوير الكوادر الحزبية على أساس الكفاءات، وليس الولاءات، وأن يكون نشاطهم ونتاجهم في متناول مناضلي الحزب وتحت أعينهم بكل علانية ووضوح.

معلومات إضافية

العدد رقم:
171