الافتتاحية الاشتراكية.. مجرد تفاؤل تاريخي؟!
بعد الانهيارات التي حصلت في نهاية القرن الماضي للبلدان الاشتراكية، والتقدم العام الذي حققته الرأسمالية على مستوى الكرة الأرضية من حيث تكوين ميزان القوى، كانت ردود الفعل مختلفة، فصيحات الانتصار التي أطلقها الغرب، رافقها من الجانب الآخر طيف واسع من المواقف بدأت بالتخلي عن الاشتراكية كفكرة، واعتبارها غلطةً تاريخيةً، إلى اعتبارها أنها جاءت قبل أوانها والبشرية ليست جاهزةً لها، وصولاً إلى اعتبارها مجرد تفاؤل تاريخي وحلم إنساني مشروع لن يطرق باب البشرية قريباً،
لأن الرأسمالية أثبتت أنها قادرةٌ على تجديد نفسها وإصلاح ذاتها.. وقلائل هم الذين بقوا قابضين على الجمر قائلين: إن الرأسمالية لا تجدد نفسها إلاّ على حساب الطبيعة والبشر، وإنها غير قادرة على حل أي من مشكلات البشرية بل ستزيدها تفاقماً وتعقيداً.. وإن طريقها مسدود حتماً في الأفق التاريخي المنظور..
وبعد حوالي العقدين من الزمن استباحت فيها الإمبريالية- أعلى مراحل الرأسمالية- الكرة الأرضية، انفجرت أزمتها الكامنة بشكل مدوٍّ لم يسبق له مثيل في التاريخ، وتأكد أن الخط العام لسير البشرية هو الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وأن سمة العصر ما زالت كما هي لم تتغير رغم التعرجات والصعود والهبوط الذي يرافق هذه العملية..
وصدقت نبوءة ماركس الذي قال: إن الاشتراكية في تجاربها الأولى إذا سقطت، فإنها ستستمد القوة من الأرض التي ستسقط عليها للنهوض مجدداً..
والأكيد اليوم، أن الاشتراكية القادمة- اشتراكية القرن الواحد والعشرين- ستكون أفضل وأرقى وأقوى من أخواتها السابقات في القرن العشرين، لأنها ستستفيد من مادتها الخام لكي لا تقع في الأخطاء نفسها.. وللإنصاف يجب أن يقال إن التجارب الأولى إذا لم تقدم شيئاً إلاّ المادة الخام التي ستسير على هديها- بإيجابياتها وسلبياتها- التجارب اللاحقة، مع أنها قدمت أكثر من ذلك بكثير، فإنها ستكون قد قدمت للبشرية وتقدمها خدمةً كبيرةً لا تقدر بثمن..
والأمر كذلك، يمكن أن يسأل سائل: وهل سقوط الرأسمالية محتم اليوم؟.. نعم إنه محتم، وفي المدى المنظور بالنسبة للبشرية جمعاء..
فلنعد إلى التاريخ قليلاً.. فإذا وضعنا أنفسنا بشكل افتراضي في عام 1900، من كان سيتوقع خريطة البشرية والعالم في عام 1920؟.. وإذا وضعنا أنفسنا في عام 1920، فمن كان سيتوقع حال البشرية والكرة الأرضية في عام 1945؟.. وإذا وضعنا أنفسنا في عام 1945 فمن كان سيتوقع وضع العالم في عام 1991؟.. وإذا وضعنا أنفسنا في عام 1991 فمن كان سيتوقع وضع العالم في عام 2009؟...
لذلك، ومن ارتفاع 2009، يجب أن ننظر إلى العقد القادم، وأن نتوقع غير المتوقع، لأن التاريخ كما تثبت التجربة يسير عادةً باتجاه غير المتوقع بالنسبة للوعي الاجتماعي..
قلائل جداً من المفكرين الذين توقعوا خط سير البشرية منذ أواسط القرن التاسع عشر وعلى رأسهم يأتي حتماً ماركس، أنجلس ولينين.. وإذا أردنا أن نكون أمينين لمنهجهم في التفكير والممارسة يجب أن نرى ونقرأ اليوم المشهد العالمي بشكل صحيح بكل تداعياته الممكنة خلال المستقبل المنظور..
وإذا خرجنا من التاريخ لنعود إلى الواقع، فالوقائع تقول:
إن كل النظريات المعادية للماركسية قد سقطت اليوم سقوطاً مدوياً، والواقع حسم النقاش معها..
إن الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية لا مخرج منها، لأن المخارج السابقة التي اعتمدتها قد انسدت نهائياً..
إن العالم كله تحول إلى ساحة معركة ضد الرأسمالية التي ستنقل تناقضاتها الحادة إلى مراكزها الرئيسية، مع كل ما يمكن أن يرافق ذلك من تغيرات جيو- استراتيجية- عالمية..
إن الاشتراكية اليوم، ليست مجرد تفاؤل تاريخي وحلم مشروع، بل إنها المشروع الوحيد القادر على إخراج البشرية من مآزقها التي أدخلتها الرأسمالية فيها.. إنها تدق الباب بقوة، وهي اليوم على جدول أعمال البشرية جمعاء.. لأنها الشرط الضروري الوحيد لاستقرارها وتطورها وحلها للمشكلات المنتصبة أمامها..
وبلادنا في حال وعي هذه الحقيقة، أمام فرصة تاريخية لانتزاع المبادرة والتأثير الجاد على محيطها الإقليمي، وبالتالي على التطور العالمي، والمطلوب فقط رمي السياسات الليبرالية الاقتصادية- الاجتماعية في سلة المهملات والانتقال إلى سياسات اقتصادية- اجتماعية تلبي مصالح الجماهير الشعبية الواسعة بالقول والفعل، وفي ذلك ضمانة لتحقيق كرامة الوطن والمواطن...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 405