«حلب» والعملية السياسية..!
تفيد التطورات الجارية في مدينة حلب اليوم، وتحديداً في جزئها الشرقي، بأن الاتفاقات الدولية هي ضرورة موضوعية ومستحقة وقابلة للتنفيذ، بوجود واشنطن أو غيابها..!
المقصود هنا، هو ذاك الجزء المتعلق بحلب من الاتفاق الروسي- الأمريكي حول سورية، الذي كان معلقاً من الجانب الأمريكي، وأصبح مطبقاً من الجانب الروسي. اليوم، ثمة خروج لأعداد مضطردة من المسلحين، وثمة خروج للمدنيين إلى مناطق آمنة، وثمة محاولات جادة لفتح طرق تقديم المساعدات الإنسانية. وهو ما يدفع عملياً على سبيل المثال بـ«جبهة النصرة»، وأربابها من خلفها، إلى تغيير اسمها، مجدداً..!
ما الذي يعنيه هذا كله عموماً، علاوة على أهمية إخراج أعداد جديدة من السوريين في حلب من مأساتهم؟ إنه يعني أن الأمريكيين ومعسكرهم الذين عرقلوا في حينه، تنفيذ اتفاق الهدنة، يخسرون مواقعهم تباعاً، وهم بإدراكهم الآن لهذه الحقيقة، باتوا يستعجلون استئناف التفاهمات مع الروس، للبقاء في دائرة التأثير والتحكم الميدانيين إلى أبعد مدى ممكن، ولاسيما مع الآثار المحتملة لانسحاب الدانمارك من التحالف الأمريكي الجوي فوق سورية، غير المشروع. وهذا الاستعجال سيشمل أنقرة والاتحاد الأوربي. فمن خلال خروج الأحياء الشرقية في حلب وأبنائها من تحت سطوة الإرهابيين، تفقد الحكومة التركية ورقة ابتزاز رئيسية لعموم السوريين ومستقبلهم، ولا يبقى أمام ساستها سوى «درع الفرات» والتخبط في التصريحات والمواقف المتشنجة وغير العملية، والاضطرار لتغييرها بما يشبه حالة «الزهايمر السياسي»، في حين لا يبقى أمام الاتحاد الأوربي سوى العويل في مجلس الأمن تحت يافطة الانتصار الكاذب للمدنيين.
في الأحوال كلها، عندما يُسقَط في يد واشنطن، وأنقرة، والرياض، وأي مسؤول دولي معني بالشأن السوري، فإن هؤلاء المتراجعين جميعهم سيضطرون للتوجه مجدداً إلى طاولة مفاوضات الحل السياسي للأزمة السورية، على القاعدة التي يكابرون في تعلمها وحفظها، على الرغم من التحولات الكبرى التي أحدثها الدخول العسكري الروسي إلى سورية: «ما يمكن تحصيله اليوم لن يجري تحصيله غداً»..!
قد يسال سائل على نحو محق، بغض النظر عن نواياه: هل سيعاد تفصيل الحل السياسي على مقاس المستجدات الميدانية؟
في مستويات الإجابة عن هذا السؤال ينبغي تثبيت ما يلي:
- الانتصار على الإرهابيين الوافدين، ومن في حكمهم من السوريين، بالتوازي مع حماية المدنيين، هو انتصار للشعب السوري أولاً وأخيراً، وليس لهذا الطرف أو ذاك، على قاعدة أن الوطنيين السوريين كلهم هم الغالبون، عملياً.
- وبهذا المعنى، فإن أي تقدم للجيش السوري، مدعوماً من موسكو، سيصب في خانة العودة إلى المفاوضات، وإن كان بوضع أفضل نسبياً. وهذا يعني أن التقدم العسكري الذي يعزل المتطرفين، من كل شاكلة ولون، ومن الطرفين، سيدفع إلى جنيف، تنفيذاً للقرار 2254.
- وبالمقابل، لن يعود بمقدور أية قوة سياسية سورية، أن تتخذ من الأوضاع الميدانية ذرائع لتعطيل التفاوض، كما حاولت «هيئة الرياض» في جولتي جنيف، في شباط وآذار الماضيين، لأن هذه الذرائع ذاتها تتعطل، وقد تذهب بتلك القوى بذهابها.
- إن الطابع الداخلي والخارجي، المتداخل والمتراكب، للأزمة السورية، ووسط تحولات الموازين الدولية، يثبت موضوعياً صيغة «أن السوريين الوطنيين جميعهم غالبون» لأن المنتصر هي سورية. وإن هذا الطابع ذاته هو ما يكرس الحل السياسي للأزمة، بالأفق التغييري، على أساس بنود البيانات والقرارات الدولية المتعلقة به، من جنيف1، وحتى 2254، ولا شيء آخر.
إن فهم ذلك من الأطراف السورية المختلفة، هو الكفيل باستفادتهم الحقة من نقلات التراجع الجديدة الجارية في معسكر خصوم الشعب السوري، وبمساهمتهم الجدية في حقن دمائه والحفاظ على وحدته ووحدة بلاده.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 787