الافتتاحية بعض دروس الانتخابات الإيرانية
لم تكن نتائج الانتخابات الإيرانية مفاجئة، بقدر سياقها الذي أفضى إلى هذه النتائج..
يقول المثل: «قل لي من يربت على كتفك، أقول لك من أنت»، لذلك فإن هيجان الغرب الإمبريالي على نتائج الانتخابات بمراكزه الفرنسية والإنكليزية والألمانية، يحمل معاني ودلالات بعيدة المدى.. والسؤال لماذا؟! هنالك بعض المؤشرات التي يسمح تجميعها بإلقاء بعض الضوء على هذا الأمر:
ـ تصريحات بعض المرشحين الذين لم ينجحوا حول السياسة الخارجية الإيرانية، التي طالبوا أن تكون أكثر مرونةً تجاه الغرب، وصولاً إلى تلميحات حول ضرورة عدم المبالغة في دعم حماس وحزب الله.
ـ الصراع الذي انفجر في الحملة حول ملفات الفساد والإثراء غير المشروع بالاستفادة من مواقع السلطة، والذي قام به بعض المرشحين أو مؤيديهم الكبار خلال العقود الماضية.
ـ طبيعة التصويت الذي أظهر أن قاع المجتمع الإيراني الفقير قد صوّت لمصلحة المرشح الفائز، استناداً إلى تصريحاته وسلوكه خلال الحملة الانتخابية وقبلها ضد الإثراء غير المشروع، وأن القوى المستفيدة من المسار الاقتصادي - الاجتماعي خلال الفترة الماضية، وخاصةً في المدن الكبرى قد صوّتت للمرشح الأساسي المهزوم.
وهكذا يتبين أن الفرز الاجتماعي العميق الذي جرى في المجتمع الإيراني على أرضية التطور الاقتصادي - الاجتماعي السابق، قد أحدث اصطفافات عميقة تجلّت بشكل واضح في هذه الانتخابات، وانعكست في تأييد هذا المرشح أو ذاك.
والأهم أن هذه القوى المفروزة اجتماعياً، قد تبلورت حول خطين مختلفي الرؤية حول السياسة الخارجية الإيرانية، وبالأخص حول العلاقة مع الغرب الإمبريالي وما ينتح عنهما من ملفات مختلفة في السياسة الإقليمية لإيران، وفي قضية الملف النووي.
فالقوى الليبرالية المستفيدة من اتجاه التطور الاقتصادي - الاجتماعي تاريخياً، وبحكم موقعها الطبقي، تميل إلى الصفقات والمساومات في السياسة الخارجية، بينما القوى المتضررة من ازدياد الأغنياء غنىً تميل إلى مواقف أكثر جذرية وصلابة في المواجهة الخارجية الحاصلة.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الأعباء الدفاعية التي تتحملها إيران نتيجة المواجهة العالمية والإقليمية معها يزداد عبؤها على الاقتصاد الإيراني، يصبح واضحاً أن حل هذه المعضلة لم يعد من الممكن أن يتم دون إعادة توزيع للثروة يخفف الضغط على الجماهير معيشياً، ويحرر موارد هامة يمكن أن تتجه لمصلحة الأمن الوطني الإيراني في لحظات خطيرة وانعطافية يشهدها..
والمحصلة أن فرزاً اجتماعياً عميقاً قد تبلور في المجتمع الإيراني، وهو يبحث الآن عن معادلاته السياسية التي يمكن أن تعبر عنه، وبقدر ما تستطيع القوى الجذرية في إيران أن تصوغ خطها بشكل صحيح في القضايا الوطنية والاقتصادية - الاجتماعية والديمقراطية، وبشكل أكثر تقدماً، بقدر ما تستطيع أن تحصّن قواها، وتواصل تقدمها..
وهكذا تتأكد نبوءة لينين في أوائل القرن الماضي: «إن الشعوب بنضالها ضد الاستعمار، ستندار ضد الرأسمالية»، وهي اليوم تندار فعلاً..
والأكيد اليوم، أن القوى المعادية للمخططات الإمبريالية في إيران لم تكن لتفتح معركتها ضد قوى الفساد والنهب في بلادها لولا استشعارها بخطرها الأكيد على القضية الوطنية، مما يتطلب ضربةً استباقية تشلها وتضعها في وضع المتخبط، ولولا ذلك لكان يمكن أن نشهد شيئاً مشابهاً «للثورات المخملية» السيئة الذكر، والتي كان مصيرها في إيران مسخاً وكاريكاتورياً..
إن الانتخابات الإيرانية وما سبقها من انتخابات لبنانية، تؤكدان أن الغرب الإمبريالي لن يكف عن محاولات الأخذ من الخارج أو من الداخل، وحين يفشل في مجال، فإنه ينتقل بسرعة للهجوم في مجال آخر..
والأمر هكذا، يجب دائماً أخذ الحيطة والحذر من التغيير السريع الذي يمكن أن يجريه العدو الخارجي في تكتيكه للوصول إلى هدفه الاستراتيجي الثابت، وصولاً إلى السيطرة على المنطقة بكاملها..
فوقائع الحياة تثبت اليوم أن تخفيف الضغط الخارجي، على الأقل من حيث الشكل، هو تمهيد للهجوم من الداخل بالاستناد إلى القوى الاجتماعية التي لها مصلحة بذلك، مع ما تمثله سياسياً..
إن المعركة الانتخابية في إيران أثبتت من جديد أن مراكز الفساد والنهب الكبرى هي نقاط الاختراق الأساسية للعدو الخارجي.. إن وعي ذلك والقيام بخطوات استباقية لإجهاض المشاريع الإمبريالية هو ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 409