نجوان عيسى نجوان عيسى

مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد.. والوحدة الوطنية

تنص المادة 307 من قانون العقوبات السوري العام على أن «كل عمل، وكل كتابة، وكل خطاب يقصد منها، أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية، أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة؛ يعاقب عليه بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين....».

وتأتي هذه المادة من قانون العقوبات في سياق عمل المشرع على صيانة الدستور عبر ضمان التطبيق الأمثل للمادة (42) منه، والتي تنص على أن الحفاظ على الوحدة الوطنية واجب على كل مواطن، وفي هذا الإطار كانت الدعوات دائمة لإدخال تعديلات جذرية على قانون الأحوال الشخصية السوري، وذلك من خلال تخفيف الطابع المذهبي والطائفي الذي يسوده، والاتجاه شيئاً فشيئاً بوساطة عملية معقدة وطويلة الأمد إلى ردم الهوة بين أطياف الشعب السوري، وصولاً في نهاية المطاف إلى قانون مدني حقيقي تنتفي فيه كل الفوارق في الوضع القانوني بين المواطنين السوريين.
ولكن الحكومة الحالية فاجأت المجتمع السوري في تاريخ 5/4/2009 بإعلان مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية في سورية، يمثل «قفزة نوعية إلى الوراء»، ذلك أن واضعيه عادوا بنا إلى عشرات المصطلحات التي طواها الزمن وتجاوزها مفهوم الدولة الوطنية، على أن أخطر ما فيها هو إطلاق لفظ «الذميين» على المواطنين السوريين غير المسلمين. ولإيضاح مدى خطورة المصطلح، نقول بأن كلمة «ذميين» أو «أهل الذمة» في كتب الفقه الإسلامي، تعني غير المسلمين الذي يؤدون الجزية ويعيشون في بلاد إسلامية بموجب عقد ذمة لهم فيه الأمان وممارسة شعائرهم الدينية طالما التزموا بدفع الجزية، والتزموا بالخضوع لحكم الإسلام.
إذاً هو مفهوم يعود لأكثر من ألف وأربعمائة سنة، ويخص دولة إسلامية الحكم والمنهج كانت في طور النشوء، وفي زمن لم تكن قد تبلورت فيه بعد مفاهيم الوطنية والمواطنة. أما السوريون من غير المسلمين اليوم، فهم مواطنون في هذا البلد، خاضعون لقوانينه كغيرهم، ويعيشون فيه بكامل الحقوق والواجبات، ولا يدفعون الجزية لبيت مال المسلمين، بل يدفعون الضرائب كغيرهم من المواطنين لخزينة دولة تعج أدبياتها السياسية بمصطلحات عصرية من قبيل «ديمقراطي وجمهوري وشعبي واشتراكي وتقدمي...».
وربما يقول البعض إن التسمية في حد ذاتها ليست مشكلة طالما أنه ليس لها مفاعيل على أرض الواقع، وخاصة أنه ليس هناك فروق كثيرة في الأحكام بين القانون القديم والجديد. وإذا كان صحيحاً أن الفروق ليست كبيرة في المضمون بين القانونين، فإن الواضح أن من يستعمل مصطلحاً كهذا هو جاهز لنقل كل مفاعيله إلى حيز التطبيق عند أول فرصة سانحة. وأولى بشائر الترجمة العملية لمصطلح أهل الذمة موجودة في المشروع نفسه، فهو يعطي الحق «للذميين» بأن يكونوا شهود عقد الزواج إذا كانت الزوجة «كتابية»*، ولكنه يرتب على شهادتهم تلك أثراً كارثياً، حيث أن الفقرة (3) من المادة (38) من هذا المشروع تقول حرفياً «تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية حين الضرورة، ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الزوجة الكتابية». إن نصاً كهذا يصيب الإنسان بالذهول، فعقد الزواج بين مسلم و«كتابية» إذا كان شهوده مسلمين هو ملزم للزوج والزوجة، أما إذا كان شهوده من غير المسلمين، فإنه يكون ملزماً للزوجة دون الزوج.
وهكذا فإن من يتجرأ على تسمية مواطنين سوريين باسم أهل الذمة، ومن يتجرأ على اعتبار عقد من العقود ملزماً إذا كان شهوده من المسلمين، وغير ملزم إذا كان شهوده من غير المسلمين، هو بالمحصلة شخص خارج على القانون والدستور، وهو عدو للوحدة الوطنية والتماسك الداخلي، لأنه يدق أسافين الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. وإن أي نص يحتوي على مفهوم كهذا، يعتبر كتابة ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية والعنصرية بامتياز، وبالتالي فهو يشكل خرقاً فاضحاً لقانون العقوبات العام المعتمد والمطبق في سورية.
ويبقى السؤال القديم الجديد دون إجابة، ترى من هو صاحب المصلحة في إضعاف المجتمع السوري من الداخل والعمل على تدمير مفاهيم العدالة والمواطنة والدستورية في سورية، فيما تتعرض المنطقة العربية – وسورية في قلبها - لأشرس هجمة عسكرية واقتصادية وثقافية في التاريخ؟!

 * (الكتابي): هو شخص من دين سماوي آخر غير الإسلام، سواء كان خاضعاً لحكم إسلامي أو لا.. أما الذمي فهو الكتابي الخاضع لحكم إسلامي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
410