جهاد أبو غياضة جهاد أبو غياضة

مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد قفزة إلى الوراء.. أم قصور قانوني... ووطني؟!

جاء مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد المنبثق عن لجنة شُكلت لوضعه بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء السوري رقم (2437)، الصادر بتاريخ 7/6/2007، في إطار التوجهات الحكومية لإصلاح القوانين وتطويرها باعتبارها سند الشرعية ومنطلق الحماية وتحديد الصلاحيات؛ وقد انتهت اللجنة من إعداده في 5/4/2009..
فهل خرج مشروع القانون بالشكل والمضمون الذي يأمله ويحتاج إليه المجتمع السوري؟

بنظرة سريعة لقانون الأحوال الشخصية السوري السائد، نجد أن له حكاية طويلة مع الانتقادات والاعتراضات، إذ ووجه القانون الموضوع بعيد الاستقلال بقليل «رقم 59 لعام 1953» بسيل عظيم من الانتقادات التي استهدفت ما حوته مواده من أحكام متعلقة بالمرأة، وبالأحوال الشخصية للسوريين من غير المسلمين.. لذلك فالصدمة الكبرى اليوم، أن يأتي التطوير بطراز أقدم من القديم..
فبقراءة سريعة لمشروع القانون، يمكن تسطير الملاحظات حول الكثير مما حوته مواد القانون الجديد من تعابير ملتبسة ومهينة في بعض الأحيان، وكأن القصد منها إبراز الانتماء الديني في مخاطبة (الشخص) السوري، حيث يخلو القانون بجميع مواده من لفظ «مواطن» أو «مواطنة» أو «وطن» أو حتى دولة. بل والأخطر هو إيراد القانون للفظ «الذمي» و«الذمية» للإشارة إلى غير المسلم، ونحن في القرن الـ21، ونعيش عصر الدولة الوطنية العصرية الجامعة القائمة على الانتماء الوطني أساساً للمواطنة، وهذا يمثل خرقاً فاضحاً ومرفوضاً لمبادئ الدستور السوري والمواثيق الدولية ولميثاق العيش المشترك، حيث تنص الفقرة الثالثة من المادة /25/ من الدستور السوري: «المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات»، فالجميع مواطنون أصيلون لا يربطهم مع الدولة عقد ذمة، والخطير في موضوع الذمة هو المادة 38 التي تنص في الفقرة الثالثة منها على أنه: «تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية، حين الضرورة، ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية»، وفي هذا تمييز صارخ أساسه الدين، حيث لا يقيم القانون وزناً لشهادة غير المسلم في موضوع نكران وقوع الزواج، وهو ما يفتح الباب أمام التلاعب والتحايل.. فبإمكان أي كان- شرط إسلامه- أن يدعي زواجه من أية إنسانة من دين آخر، وهو يعلم أن القانون سيكون في صفه، ولا تملك المدعى عليها أن تفعل شيئاً.. إذ لا يقبل جحدها!!
ويتابع القانون في اللغة الطائفية بإيراده مواد هي السباقة في العالم من حيث نصها الصريح على حرمان الأم من حضانة ولدها لأسباب دينية، فالمادة 293 تقول: «الأم الحاضنة غير المسلمة أماً كانت، أو غيرها، تستحق حضانة ولد المسلم، حتى يعقل الولد معنى الأديان، أو يخشى أن يألف غير الإسلام وإن لم يعقل الأديان، لأنهن أحرص على حضانته على ألا يتجاوز عمره أربع سنوات». ويتابع الأمر في المادة 294 «تقتصر الحضانة على الأم المسلمة فقط إذا خشي على المحضون أن يألف غير دين الإسلام وعاداته، أو كانت الحاضنة تستغل ضعف الطفل لتنشئته على غير دين أبيه الإسلام».
ومما حافظ المشروع عليه من عيوب القانون القديم، لا بل واستنسخه بحرفيته، المادة 45 التي تقول الفقرة الأولى منها: «إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة، أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة، وطلبا الزواج، يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما».. أي بدل أن يعدل القانون سن الزواج بما يتوافق مع روح العصر ومتطلباته التي باتت تفرض على الشاب والفتاة التعلم حتى أعلى مراحله، والعمل من أجل بناء الذات، تعود اللجنة إلى نصوص قرون الجهل وقوانين الزواج الزراعية لزيادة عدد اليد العاملة عن طريق الإنجاب.
أما من حيث تناوله للموضوع الذي لطالما اعتبر إشكالية فيه، وهو المرأة وحقوقها، فبدايته وصف المرأة بـ«الموطوءة» وكأن اللغة العربية عاجزة عن إيجاد لفظ لا يجرح الكرامة. فالمادة 266 تقول في الفقرة الأولى: «الموطوءة إذا جاءت بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها يثبت نسبه من الواطئ»، ليزيد في الطنبور نغماً.. تعديل المشروع لعدد من الحقوق التي سبق وأقرها المشرع السوري في القانون القديم، حيث نصت المادة 117من القانون المعمل به على: «إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة، جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه، بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة، ومتعة الطلاق»، ولكنه في مشروع القانون الجديد أنقص التعويض بحيث لا يتجاوز نفقة سنة واحدة!
واليوم، وبدلاً من أن يسهم القانون الجديد بإفساح المجال لهامش أكبر من مشاركة المرأة في جوانب الحياة وتطويرها كما ينص الدستور، وخصوصاً بعد أن باتت للمرأة مشاركتها وتواجدها على أعلى المستويات، يتجه القانون الجديد إلى مزيد من التقييد والإخضاع للسلطة الذكورية وإن بتغير العبارات، كالمادة130التي نصها: «على الزوجة السفر مع زوجها، إلا إذا اشترط في العقد غير ذلك، أو وجد القاضي مانعاً من السفر»، ففي نص المادة بالقانون القديم، كانت العبارة يجب على الزوجة.. أما المضمون فواحد. ويكتمل معنى التبعية بالفقرة الأولى من  المادة 320: «ليس للأم أن تسافر بولدها في أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه».

أما قمة البدع وأعظمها، فهو إيراد المشروع أحكام تنظم الزواج عند الأديان والطوائف، يخالف بعضها ما هو وارد في شرائعهم، أو يحد من صلاحياتهم الدينية، أو تتعصب إلى المسلم في حال التصاهر. فقد نصت المادة 630 من الأحكام الخاصة بالطوائف المسيحية على أنه «1- لا يجوز إثبات الزوجية إلا بالوثيقة، أو بالإقرار القضائي؛ 2- إذا كان الزوج مسلماً جاز إثبات الزواج بشتى وسائل الإثبات الشرعية»، وفي هذا تعصب لا لبس فيه. ثم المادة 627 «لا يتم انعقاد الزواج إلا بوثيقة رسمية صادرة عن موثق يعينه وزير العدل بعد إبراز الوثائق المنصوص عليها من هذا القانون (76) والتحقق من أهلية الزوجين للزواج»، حيث تحد هذه المادة من صلاحيات الكنيسة، وتعتدي على حقوقها في إجراء الزواج، خصوصاً وأن الزواج عند المسيحيين هو زواج ديني بالمطلق، إذ يعتبرون الزواج  سراً وعهداً من عهود الله.
إن كل قانون يُستمد من خارج العصر الذي يحيا فيه الإنسان، هو قانون ضد الإنسان، ولاسيما في عصر المواطنة والدولة الحديثة القائمة على دستور أساسه أن المواطنين سواسية أمام القانون، دون أي تفريق لأي سبب كان، وقبل ذلك هم متساوون في الكرامة والاحترام الإنساني. أما الدين فهو شأن شخصي بين العبد وخالقه، وعليه فيجب على القوانين باعتبارها ناظم الحياة العصرية أن تدخل ضمن الفضاء العمومي لكافة المواطنين وهذا يقتضي تحييد ما هو خاص، وعدم فرضه على أحد، وتكريس ما هو عام لمصلحة الجميع. وبالتالي يفترض العيش المشترك، وجود قانون عام يعبر عن الكل الاجتماعي لا عن الجزء الطائفي الذي يعيدنا إلى عصر مضى وانقضى..

معلومات إضافية

العدد رقم:
410