كيف سَتُحاسَب الحكومة على تنفيذ بيانها المنتظر؟

 ترك تشكيل الحكومة الجديدة انطباعا ًإيجابياً بشكل عام، ولكي يستمر هذا الانطباع ويتعزز يجب أن يكون بيانها المنتظر على مستوى سمعتها التي تكونت، وحتى يكون البيان على مستوى التوقعات يجب أن يحدد موقفه من مهام أساسية مع الالتزام بجدول زمني محدد لتنفيذها.
تحتوي البيانات الحكومية التقليدية على العشرات، إن لم نقل المئات، من الأهداف التي تعلن الحكومة عادة عن عزمها على تنفيذها دون الالتزام بجدول زمني محدد لها، مما يمنع موضوعياً مساءلتها عما قامت وعما لم تقم به.
والمعروف أن أي برنامج مهما كبر وتوسع، إن لم يشر صاحبه إلى حلقاته وأهدافه الرئيسية ويضعها على سلم الأولويات فيبقى عاماً وناقصاً.
لذلك ترتدي أهمية كبرى قضية تحديد هذه الأولويات، وتحديدها ليس قضية إدارية ـ تكنيكية بل قضية اجتماعية واقتصادية وسياسية هامة تعبر في فحواها عن هذا التوجه أو ذاك.

وقد بين التطور السابق كله أن تحديد نسب نمو الدخل الوطني  السنوية وكذلك النمو السنوي للقدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود هي مهام من الدرجة الأولى تؤثر على كل التطور الاقتصادي  ـ الاجتماعي للبلاد وبالتالي على وزنها ودورها السياسي في محيطها الإقليمي والعالمي.
ـ إن نسب نمو الدخل الوطني  في خلال السنين السابقة لم تكن مرضية،وهي لا تتناسب مع حجم المهام المطروحة أمام البلاد في ظل خطورة  الأوضاع في المنطقة، وإذا استمرت نسب النمو منخفضة نسبياً فإنها ستتحول إلى عائق وكابح لدور سورية السياسي الوطني. وتدل التقديرات الأقل تشاؤماً أن مضاعفة الدخل الوطني الحالي هو الحد الأدنى الضروري لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجهنا، ولكن هذه المهمة في ظل نسبة النمو الحالية لا يمكن حلها قبل عشرين عاماً مما يتطلب رفع نسب النمو إلى 10% سنوياً كحد أدنى كي يمكن حل هذه المهمة خلال السنوات السبع القادمة على أقل تقدير. ولكن المشكلة أن هذا الحجم من النمو يتطلب حسب تقديرات الاختصاصيين توظيف حوالي 25 ـ 30 % من حجم الدخل الوطني السنوي في مجال الاستثمارات، بينما لا يصار اليوم إلا توظيف 10 ـ 12 % منه.

لذلك فإن السؤال الكبير هو: من أين توفير هذا الحجم من التوظيف في الاستثمار؟
ـ هل القروض والديون حل مقبول؟ طبعاً لا، وتجربة بلدان كثيرة في أمريكا اللاتينية وآسيا تنهانا عن ذلك، ناهيك أن سوريةقد تجنبت حتى الآن الوقوع في فخ الديون الذي نصب لبدان عديدة من قبل المؤسسات المالية الدولية مما أدى إلى أزمات شديدة عصفت باقتصادياتها وبمستوى معيشة شعوبها.
ـ هل الانتظار اللاحق لاستثمارت خارجية حل مقبول؟ لقد طال الانتظار ولم تأت، ومشكوك بقدومها لاحقاً، وبناء الأمال عليها قبض للريح كما تبين تجربتنا الخاصة، وقدومها له شروطه التي لا يمكن توفيرها في ظل الظروف السياسية في المنطقة.
ـ هل الاستثمار الداخلي هو الحل؟ نعم إنه الحل الوحيد الممكن الذي لن يتم إلا بحال إيقاف النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيروقراطي الذي يقتطع أجزاء هامة  من الدخل الوطني ولا تقل عن 20% منه، ويمنعها من التوظيف في مجال الاستثمار وكذلك…. الاستهلاك العام والخاص.
لذلك فإن التزام الحكومة بتأمين نسبة نمو محددة وواقعية ومنسجمة مع الأهداف الوطنية الكبرى هو المؤشر الأول للحكم على أقوالها وأفعالها.
أما المؤشر الثاني الذي لابد منه  فهو رفع مستوى معيشة الناس الذي يتطلب رفع الحد الأدنى للأجور ليتناسب مع الحد الدنى لمستوى المعيشة الذي تقول التقديرات العلمية أنه يجب مضاعفته ثلاث مرات وهو ممكن التحقيق في خلال عامين بالتدريج إذا ماوضعت هذه المهمة على رأس جدول الأعمال وتم التوجه إليها بإصرار على حساب إعادة توزيع عادلة للدخل الوطني تعيد المعادلة بين الأجور والأرباح إلى توازنها.
إن مهام نسب النمو ومصادر الاستثمار وحجمه، ورفع الأجور هي قاطرات الاقتصاد الوطني اليوم ووضع حلول عاجلة وملموسة ومُجَدوَلة زمنياً، أمر أصبح لايقبل التأجيل. إن كل وطني يهمه مصير البلاد ومستقبلها ينتظر من الحكومة أن تقوم بواجبها في هذا المجال وستقاس الأعمال بالنتائج مع كل الأهمية التي يجب أن تعار للنوايا في البدء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
169