ألا لا يجهلن أحد علينا..

ماذا تريد الإمبريالية الأمريكية من إعلان حربها على عدوها الوهمي؟.. هذا العدو الذي صنعته وغذته وضخمته منذ أوائل التسعينات وحان اليوم أوان قطافه.

ـ إنها تريد أن تحل مشكلتها، بل أزمتها الاقتصادية المستعصية. فقد تأكد اليوم أنه لولا إعلان الحرب لكان قد انهار الدولار حتى اليوم مع كل ما يجر ذلك من أثار اجتماعية عميقة داخل المجتمع الأمريكي ومن آثار سياسية وعسكرية كبيرة خارج الولايات المتحدة.
ـ إنها تريد أن تكرس قطبها الأوحد، حلمها المستحيل الذي سيسجل حسب رأي منظريها «نهاية التاريخ» وقيام إمبراطورية أبدية تدوم كحكم الرايخ الثالث ألف عام. ولكن هذا القطب الأوحد يتطلب تحقيق جملة من الأهداف التي لا يمكن بدونها تنفيذه وهي:
ـ التحكم بالنمو السكاني العالمي وتخفيضه عبر الآليات المالتوسية الجديدة، لأنها تعتبر أن هذا النمو الذي يتم في بلدان الجنوب الفقير هو قنبلة موقوتة قادرة على قلب موازين الثروة والسلطة في العالم لاحقاً.
ـ ولذلك لابد من صراع الحضارات والمرشح لإزالة شعوب بأكملها من الوجود، هذه النظرية التي أضحت التبرير النظري التلفيقي لسكب شلالات الدماء في شرايين المجمع الصناعي العسكري المدعو إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي المأزوم بمجمله.
ـ واستنادا ًلذلك يتم التعاطي مع دول العالم المستهدَف بنيران الحرب الجديدة، لإزالتها من الخارطة الجغرافية السياسية إذا تطلبت المصالح الأمريكية ذلك، أو على الأقل إلغاء سيادتها الوطنية والدوس على كرامتها الوطنية.
من هذه الزاوية فقط نفهم التصريحات الأمريكية الأخيرة ضد سورية ـ تصريحات بوش وأرميتاج ورايس ـ
إنهم يهددون ويرعبون ويتوعدون لقياس صلابة إرادتنا التي إن تزعزعت فسيصبح من السهل عليهم أن يدوسوا على كرامتنا وسيادتنا الوطنية.
في هذا السياق نذكِّرهم بما قاله ممثل الإمبريالية الفرنسية الجنرال ديغول: «واهم من يظن أن بالإمكان إركاع سورية» فهو بتجربة جيشه وبلاده وعى هذا جيداً، لذلك ننصح غيره بالاستفادة من تجربته.
إن بلادنا مستهدفة من قبل الإمبريالية الأمريكية بسبب دورها المفتاحي في المنطقة ووزنها الجغرافي ـ السياسي والعمق التاريخي لموقفها الوطني ونعتقد أنه ما زال لدينا ما يكفي من الوقت لترتيب الأوضاع الداخلية من أجل تأمين وتعميق وحدة وطنية شاملة تكون الصخرة التي تتحطم عليها أي مغامرة أمريكية، وهذا يتطلب اليوم الإسراع بتأمين إصلاح اقتصادي ينهي حالة النهب الذي يتعرض له الاقتصاد الوطني وتخفيف حدة التفاوت بين الأجور والأسعار وتحسين واقع قطاع الدولة ولكن التجربة تبين أن ذلك مستحيل أن يتم بدون ديمقراطية حقيقية تفضح الناهبين والفاسدين والمفسدين وتعاقبهم وتطلق سراح المعتقلين السياسيين، معتقلي الرأي.
إن هذه الأهداف قابلة للتنفيذ بسرعة والتباطؤ في تنفيذها سيؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية التي ستستفيد الإمبريالية الأمريكية منها ومن تأثيرها على الأوضاع الداخلية من أجل الانقضاض على مجمل السياسة الوطنية للبلاد.

وفي كل الأحوال فإن سورية التي سطرت بطولات ميسلون، وكيَّعت الاستعمار الفرنسي منذ لحظة دخوله حتى لحظة اندحاره، لا تؤخذ لا بالتهديد ولا بالوعيد وهي تقول:
 ... سنجهل فوق جهل الجاهلينا.