ماهو القاسم المشترك بين الخطر الخارجي.. وانتهازيي الداخل؟

أمام تفاقم الأوضاع وتعمق المتناقضات تتبلور في الخطاب السياسي وفي مختلف المنابر، مواقف مختلفة حول أسباب ما نحن فيه من فقر إلى حد الإملاق وبيروقراطية صماء وفساد عام  ونهب شامل  وإفساد منظم وعجز أمام عدو خارجي متجبر يريد ابتلاع الأخضر واليابس، ليس بسبب قوته العسكرية والاقتصادية فحسب، بل بسبب مانحن فيه من ضعف وما افرز كل ذلك من وعي مشوه لدى البعض، لم يعد يجد سبيلا للخروج من هذه الحالة المأساوية إلا عن طريق الخارج.

ويحتد الجدل في هذا السياق حول  مسؤولية الداخل والخارج  فالبعض يحاول تبرئة العدو الخارجي  مما نحن فيه بهدف تحميل جهاز الدولة وحده مسؤولية الواقع إما بسبب قصور معرفي أو  تأسيسا لموقف مضمر من ذلك  العدو والبعض الآخر يريد تحميل المسؤولية كلها للخارج ومؤامراته لتبرئة نفسه وهذا ما ينطوي على موقف سلبي من استحقاقات التغيير الداخلي المطلوب وإذا كان رمي المسؤولية كلها على الخارج مهزلة فان محاولة تبرئة ذلك الخارج يبدو كمسخرة ومن وجهة نظرنا إن الإجابة الدقيقة والعلمية على ذلك السؤال يقتضي قراءة ولو سريعة لمقدمات مانحن فيه باعتبار إن الواقع المعاش هو نتاج تطور سياسي واقتصادي واجتماعي لما جرى في ظرف تاريخي محدد سادت فيه مفاهيم معينة حول الوطنية - التقدم الاجتماعي - الاشتراكية والديمقراطية استنادا الى مستوى معرفي شكل نمطا معينا من الوعي بالمشكلات الماثلة أمام البلاد والعباد في تلك المرحلة                 

لقد شهدت العديد من البلدان  ومنها بلادنا تبدلا ت عديدة وأشكال متمايزة خلال تطورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي  فبعد صعود البرجوازية الصغيرة إلى سدة السلطة على سلم المشروع القومي، وبعد جملة من الاجراءا ت التقدمية (التأ ميمات، الإصلاح الزراعي، القطاع العام) ورغم أهمية تلك الإجراءات بالاستناد إلى المستوى المعرفي  الذي كان سائدا وكونها أتت معبرة عن مصالح فئات اجتماعية عريضة آنذاك الاان كل تلك المنجزات ظلتكسيحة وعرجاء بسبب غياب الحريات السياسية والتي يتبين الآن بأنها كانت شرطاً ضروريا لكي تتجه تلك الإجراءات إلى الوجهة المطلوب منها وبسبب ذلك الغياب نمت ومن صلب تلك البرجوازية و لاستعدادها  الفطري لتبديل مواقعها استنادا إلى مايعرف عنها من قلق وزئبقية  ورغبة جامحة بالانتقال إلى النسق الأعلى في تراتبية التسلسل الطبقي حيث الأرباح أكثر والسلطة أقوى، نمت  شريحة اجتماعية جديدة تسمى البرجوازية البيروقراطية ودخلت في صفقات كثيرة مع عناصر طفيلية متفقة معها على النهب ومختلفة على تقاسم الحصص لتنتج في الحقل الاقتصادي العديد من الأمراض البنيوية المتناقضة مع الإجراءات التقدمية آ نفة الذكر والتي كان من المفترض أن تفتح امام البلاد وضعا غير مانحن فيه الآن وعلى كل حال تلك العناصر الطفيلية وبسبب نهبها الفاحش اغتنت ومدت شبكات اتصال أخطبوطية على قاعدة وحدة المصالح مع الخارج لتلعب دور السمسار بين السوق الداخلية والخارجية من جهة وبين المستهلك، والسوق الداخلية من طرف آخر هذا الثراء الفاحش والنهب المستمر للدولة والشعب أدى إلى ازدياد فقر الفقراء وغنى الأغنياء                     مما قد يؤسس لهزات اجتماعية لاحقة ولكن العصا البيروقراطية شريكة النهب كان بالمرصاد دائما أي انه لعب دور الحارس لمصالح الكومبرادور في إطار عملية زواج متعة بين الاثنين بمعنى آ خر  إن الدور الوظيفي للبيروقراط في العملية الاقتصادية تجلى بحراسة مصالح الكومبرادور مقابل حصة من النهب أي إن  الاستبداد د ما هوفي جانب كبير منه إلا نتاج للنهب ووسيلة من وسائله فلماذا يتجاهل الإخوة الحداثويين هذه العلاقة العضوية بين صناع ماساتنا الاقتصادية والديمقراطية ؟؟ وعدا ذلك ألم يكن الكومبرادور وما زال امتدادا عضويا هو الآخر لمصالح الديمقراطيين القادمين  من وراء المحيط عبرمشاريع الإصلاح والحداثة وما بعد الحداثة وغيرها من المفاهيم والمصطلحات والتي تعتبر قالبا أيديولوجيا للاحتلال لا أ كثر ولا اقل  وتعبير خجول عن العبث بمصير البلاد والعباد على طاولة القمار الدولية  المسماة  بالعولمة ؟.

إذاً فإن الاستبداد  في المحصلة النهائية هو توأ م  النهب المركب الداخلي - الخارجي في عائلة علاقات الإنتاج الرأسمالية ذات الطابع الطفيلي والتي كانت قد بدأت بالتبلور في البلاد. 

أي انه ثمة علاقة تكاملية بين معادلة ثلاثية الحدود ( المراكز- قوى النهب - الاستبداد)  وتجاهل أي حد من هذه الحدود ليس الاعبارة عن قصور معرفي أ ونظر إلى الأمور بعين حولاء أو    محا ولة لي  عنق الحقيقة وبالتالي فان النضال ضد الاستبداد ما لم يتلازم مع النضال ضد النهب الداخلي والخارجي أي ضد الإمبريالية والبرجوازية الطفيلية , لا معنى له مهما كانت النيات سليمة وتبقى أشبه باتهام البندقية في جريمة قتل وتبرئة حاملها  فالكل شريك كامل المواصفات هنا في كل ما ارتكب في بلدان الأطراف من نهب و استبداد، والآن في ظروف الاستباحة الأمريكية يتحول شيئا فشيئا زواج المتعة الآ نف الذكر إلى زواج كاثوليكي بين الكومبرادور والبرجوازية البيروقراطية بسبب انتقال الأخيرة أو على الأقل بعض عناصرها وبعد تراكم رسا ميلها وبعد أن تشربت بأخلاقيات السو ق إلى حد التخمة  وبعد إن تبلورت كطبقة وانتقلت إلى مرحلة وعي الذات الطبقية لابد وان تعمل على استكمال مشروعها المتكامل والمشروع هنا سياسي واقتصادي وثقافي وله طابعه الاستراتيجي وبعده التاريخي المتعلق  بتحديد آفاق التطور اللاحق للبلاد بعد أن انعدمت الحد ود والتمايزات عملياً بينها وبين  الكومبرادور ولم يبق أمامهاالا مشكلة قاعدتها السياسية والإرث التاريخي من الشعارات القومية والتحررية... 

وأمامها لتجاوز مأزقها الراهن  خيارين:

إما التخلص من تلك القاعدة وتجاوز تلك الشعارات بحجة التكيف مع الو قائع الجديدة هذا يعني نزع ورقة التوت لتتبين كل عورات الواقع ا لذي أسسته.

أو العودة الى قاعدتها الأصلية وهذا ما يتناقض مع مصالحها الآنية بسبب وضعها الجديد الانف الذكر.

أما مجال المناورة والقدرة على اللعب على أكثر من حبل فلم يعد ممكنا في الظرف الراهن     بسبب نمط التعامل الجديد معها من قبل المراكز أي إن المراكز مرة أخرى تفرض خياراتها  لتنتج واقعا جديدا ينسجم مع مصالحها الاستراتيجية مدفوعة الى ذلك من أزمتها الخانقة.

وبناء على كل  ما سبق لم يعد صالحا أي حديث عن الداخل والخارج بالمعنى السياسي

للكلمة إذ ثمة مصالح طبقية - ( عذرا  من الحداثويين) - مصالح فقط تترابط وتتشابك  بين المراكز النهابة و الغر غرينا الطفيلية البيروقراطية التي تستبيح خيرات البلاد ومصالح العباد، وإذا كانت تسوق الآن لجد يد مزعوم فان هذا الجديد لا يتعدى إلا كونه محاولة  لإعادة تأهيل شرائح اجتماعية مستهلكة لم تعد صالحة للتجاوب مع المراكز في ظل أزمتهاالاقتصادية الراهنة إلا بعد إجراء عمليات ماكياج (ديمقراطي) أي تغيير الشكل دون تغيير المضمون  فالجديد المزعوم لا يتجاوز تغيير الخدم دون تغيير طبيعة الوظيفة أي خدم مؤهلين للقيام بالدور القديم المتجدد طالما إن الرأسمال موجود وهذا  يعني استمرار النهب الداخلي والخارجي لا بل ازد ياده وقو ننته الأمر الذي يعني بالضرورة استمرار الاستبداد فلم يبلغنا التاريخ عن ناهب منح المنهوب حرية وديمقراطية بل إن القمع هو الشرط الضروري لاستمرار النهب  فلا مجال هنا لتفاؤل مزعوم بالديمقراطية وحقوق الإنسان قادمة مع التغييرات المفروضة  أمريكيا والانكى من ذلك أن يصبح (زعماؤنا في الجاهلية زعماؤنا في الإسلام أيضاً) كما قال بلا ل عندما أسلم أبو سفيان.

فإذا نجح مشروع قوى النهب والمراكز والاستبداد لا غرابة أن تجد العديد من الزعران من مافيات المرحلة الراهنة من المهربين وحيتان السوق وحملة الكرباج رسلا للديمقراطية وأعضاء برلمان وقادة ا أحزاب في المرحلة المقبلة واعتقد لا داعي للتذكير بأكثر من (علييف وشيفاردنادزه، أو حتى الجلاد اياد علاوي). 

إن الرهان على ديمقراطية قادمة مع الاحتلال اوبضغط منه   لمشاكلنا مثل الرهان على سلامة الخراف في رعاية ذئب جائع وبالمقابل إن بقاء الأمر على ماهو عليه والرهان على القوى الشريفة وحدها في جهاز الدولة أشبه بالرهان على بغل عجوز في سباق ماراتوني. 

ويبقى السؤال الهام التي لابد من الإجابة عليه إلى أين ستتجه بلادنا إذا هل سيبقى الوضع على ماهو عليه الآن طالما إن الخيار الأمريكي مرفوض من ألفه إلى يائه؟

هذا السؤال يتذاكى البعض في طرحه هل من طريق آخر طالما إن قوى السوق والسوء متحكمة بمقاليد الأمور وأصبح با مكانها إجهاض أي مشروع إصلاحي ؟ وبغض النظر عن الخطأ المنهجي في السؤال  ومحاولة التفريق بين المشروع الأمريكي ومشروع قوى السوق، نقول نعم ثمة خيار آخر وربما وحيد قادر على انتشالنا من المستنقع الذي نحن فيه دون أن يضعنا في مستنقع آخر فنحن نريد الخروج من المستنقع لا تبديل واحد بآخر  والحل يكمن في الخيار الديمقراطي الوطني وهو الرد الواقعي الوحيد على مانحن فيه وهو الذي من الممكن أن يفتح أمام بلادنا وشعبنا الآفاق للخروج من النفق المظلم والمدخل إلى ذلك وشرطه الأساسي يتطلب المبادرة الفورية من قبل كل قوى التي تهمها مصير البلاد  لإقامة أوسع تحالف وطني ديمقراطي فالوطن لكل أبنائه فكما إن من حق الجميع العيش فيه بكرامة من واجب الجميع الدفاع عنه . 

ان نبدأ متأخرين خير من الا نبدأ.

 

■ عصام حوج