محاكاة «هيئة التنسيق الوطنية» للأزمة السورية

عقد المجلس المركزي لهيئة التنسيق الوطنية اجتماعه بتاريخ 31/3/2012 وأصدر بياناً ختامياً تضمّن مجموعة من العناوين الهامة التي تطرّقت إلى الواقع التنظيمي والسياسي للهيئة ورؤيتها للمخارج المطروحة للأزمة السورية. واللافت للانتباه بعض الفقرات من البيان المذكور والتي – حسب رأيي – افتقرت للموضوعية وابتعدت عن وضع النقاط على الحروف في توصيفها للأزمة السورية. قاصدةً بذلك مسك العصا أحياناً من وسطها كموقفٍ انتهازي واضح الدلالة. فهي من جهة تدرك عدم قدرتها على تحقيق السقف العالي من مطالبها، ومن جهة أخرى لا ترغب بأن (تزعّل) الأطراف المتشددة من المعارضة في صفوفها سواء منها الداخلية أو الخارجية. فماذا جاء في بيانها الختامي؟ 

الموقف من الجيش السوري الحرّ: اعتبر البيان أن ((الجيش الحر ظاهرة من ظواهر الثورة السورية، ونتاج ردّ فعل على الحل العسكري الأمني الذي انتهجه النظام في مواجهة الحراك الشعبي السلمي)).
والواقع أن ظاهرة الجيش الحر كانت ومنذ ولادتها (29 تموز 2011)، تقليداً منسوخاً عن التجربة الليبية التي اعتمدت الأسلوب المسلّح في الإطاحة بالنظام. متذرعةً بالأسباب نفسها من أن النظام الاستبدادي القمعي، لا يمكن التعامل معه إلا بالعنف كردّ فعل طبيعي على وحشيته. حتى أن رفع العَلَم السوري بنجماته الثلاث (علم ما قبل الاستقلال) من المتظاهرين، كان تقليداً لرفع العلم الليبي (إبّان حكم الملك إدريس السنوسي)، من الكتائب الليبية المسلحة منذ الأيام الأولى لثورتهم.. ومن المعروف أن عسكرة الثورة يعني مقتلها كما يجمع أغلب المحللين على ذلك. وقد ذكر «تروتسكي» مرةً حول هذا الموضوع بقوله: (لا ثورة ضدّ الجيش) بمعنى، إما أن يكون الجيش إلى جانب الثورة، أو على الحياد في أقلّ تقدير. وإلا فإن مصير الثورة هو الفشل الذريع، لعدم التكافؤ بين القوتين واختلالها لمصلحة الجيش.
والحقيقة أن البيان لم يكن موفقاً لجهة ذكر الأسباب التي أدّت إلى نشوء الجيش الحر. فالقمع وحده غير كافٍ أبداً لولادتهّ. وأعتقد أنه لولا التدخل الإقليمي والدولي السافر في الشأن السوري، من احتضان تركيا للقيادات والعناصر الفارّة من القطعات العسكرية السورية، إلى التمويل بالمال والسلاح من قطر والسعودية. إلى الدعم الأمريكي الأوروبي للحراك الشعبي – وبالتأكيد ليس حباً وهُياماً بالشعب السوري -  لما ظهرت عبارة الجيش الحر في وسائل الإعلام أصلاً.
إن خلوّ البيان من أيّ انتقاد لممارسات وانتهاكات الجيش الحر إلا بعبارة خجولة ((يأخذ المجلس المركزي بعين الاعتبار مواجهة المظاهر السلبية للجيش الحر)) يجعلنا نتساءل: هل العمليات التي يقوم بها الجيش الحر من تفجير واستهداف الجيش السوري ومقرّاته وحواجزه الأمنية مدعاة فخرٍ واعتزاز؟ مَنْ منا ليس له قريب أو صديق أو جار.. في صفوف قواتنا العسكرية؟ مَن منا سيبتهج إذا قُتِلَ أو جُرِحَ أو اختُطِفَ أحدٌ منهم؟ ثم كيف يمكن التوفيق بين موقف الهيئة القائل: بـ((الحفاظ على سلمية الثورة ورفض أي محاولة لعسكرتها)) وفي الوقت نفسه تبدي إعجابها المبطّن بالجيش الحرّ. ولا تنبس ببنت شفة إدانة أو حتى انتقاد للجهات التي تسعى إلى تسليح المعارضة بالقول والفعل؟ ثم علامَ تدلّ أسماء كتائب وسرايا الجيش الحر: كتيبة خالد بن الوليد - كتيبة الله أكبر -  كتيبة الأبابيل - كتيبة معاوية بن أبي سفيان -  كتيبة أبو عبيدة بن الجراح - كتيبة الرشيد - كتيبة الفاروق.. إلخ؟
ألا تفوح منها الرائحة السلفية والطائفية؟ أين هي لاءاتكم الثلاث والتي منها (لا للطائفية)؟
للأسف، لم أقرأ أو أسمع خبراً واحداً صادراً عنكم تندّدون به بأحد رموز التجييش الطائفي البغيض كالعرعور مثلاً..
إن ارتباطات الجيش الحر باتت معروفة للقاصي والداني. وعدم اتخاذكم موقفاً واضحاً وصريحاً من عمالته لن يغفر لكم التاريخ هذه السقطة أبداً.
حول المخارج المطروحة للأزمة السورية: يؤكد المجلس مجدداً ما سبق وأعلنه مراراً في أغلب بياناته دون كللٍ أو ملل، لأزمته المعروفة: ((العمل على إسقاط النظام الراهن بكل مرتكزاته ورموزه)) ودائماً كأول بند.
كنا نتفهّم موقفكم هذا عندما لم يكن ثمة مبادرات لحلّ الأزمة في سورية. أما وأن المبعوث الأممي (كوفي أنان) قد تقدّم بمبادرته المؤلفة من ست نقاط كما بات معروفاً، وموافقة هيئة التنسيق عليها ودعمها.. فإننا لم نفهم إصرار الهيئة بعد ذلك على هدفها المتمثل بـ((إسقاط النظام)) غير الواردة أصلاً في مبادرة (أنان)؟! والسؤال: ألا تتناقض فكرة التمسك بإسقاط النظام والمبادرة الدولية الأخيرة؟
أما وقف العنف الذي تطالب به (الهيئة): ((ضرورة خلق مناخ ملائم يمهد للحل السياسي يرتكز على إيقاف العنف وسحب الجيش إلى خارج المدن)) و((محاسبة كل من ارتكب جرائم بحق المدنيين))
نعم، إن النظام ارتكب فظاعات لا إنسانية دون شك، وهو المسؤول الأول عن وقف العنف. ولكن ألا تستحق الجماعات المسلحة عبارة واحدة من البيان تقول مثلاً: محاسبة كل من ارتكب جرائم بحق الشعب من مدنيين وعسكريين، وعلى المعارضة التعهد بوقف كل العمليات المسلحة في حال أوقف النظام العنف من طرفه؟
تُرى، هل التجاهل وغضّ الطرف عن أعمال عنف الجيش الحرّ وباقي المجموعات المسلحة، هو مراعاةٌ لمزاج الثائرين على النظام والخوف من ردّة فعلهم؟ لا سيما وأنّ جمعة (هيئة التنسيق لا تمثلنا) مازالت تطنُّ في آذان هيئة التنسيق؟ ويُخشى من تكرارها مستقبلاً في إحدى الجُمع بعنوان ربما يكون أقسى وأمرّ؟
وهل سنبقى أسرى مزاج الثوار وتنقاد خلفهم القوى السياسية، أم يجب العمل على العكس من ذلك تماماً؟
أخيراً كنت أتمنى على مجلسكم الكريم أن يتضمّن في بيانه الختامي والذي هو عبارة عن خارطة طريق سورية المستقبل، التأكيد على علمانية الدولة السورية – هذا الشعار الغائب للأسف عن أغلب أطياف المعارضة - لا سيما وأن معظم المنتمين إلى هيئة التنسيق الوطنية من أحزاب وشخصيات سياسية.. ذات أصول يسارية عريقة بنضالاتها ومواقفها الوطنية المشرّفة. أم أن ذلك لا ينسجم ومشروع فرد البساط الإسلاموي العتيد والممتدّ من المغرب إلى بحر قزوين، كما يخطط القطب الآفل وحلفاؤه؟