علي حيدر علي حيدر

معارضة ثورية وديمقراطية.. لكنها تزدري المواطن!!

-1-
نظريا، كان يفترض لوعاء الانتفاضة السلمية السياسي، أن ينضح بروح العداء لكل طغيان في الكون.
بداية عبرت عن ذلك لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية ببيانات واضحة لم تخضع لفلتر التكتيك السياسي، وأدانت كل دعوة أو داعية(سمتهم) لتدخل خارجي، أو لحقن مذهبي.
وكان من المفترض أن تحمل المعارضة الوطنية التقليدية ذلك العبء، وأن تردع انحرافا يسعى لعسكرة الحراك، أو لتحويله إلى رافعة محلية لاستبداد القوة الكوني ومشاريعه الإقليمية(كمحاربة إيران بالوكالة كما قال الدكتور مناع).. لكن بطاركتها جبنوا واحتفظوا بعادتهم المزمنة: إعطاء الأفضلية لحماية بالونات أهميتهم المنتفخة بما هو افتراضي وليس واقعياً، ولصيانة شرعية حضور تاريخي من دبوس مفاجئ فتبعثرت الروح.

-2-
مُطَالبَة المعارضة الوطنية بعرض معاييرها للرؤية و للتحالف.. ذلك يحميها من الانزلاق نحو ما أسفرت عنه المعايير المكتومة التي حكمت إعلان دمشق، وحولته لناد لمن يحلمون بالسلطة والضوء والفنادق الفخمة.
من حق المواطن أن يعرف كيف تنتج سياستها، متى تقول لا ومتى نعم.. حائر هو. هيئة التنسيق التي سرت لاءاتها القلوب، وتضم في صفوفها كوكبة تحوز على موثوقية وطنية وسير ذاتية رصينة. بدا له بعض جهدها مخالفا للفطرة.
مع الاحترام للدكتور مناع، كان بين يديه ما يكفي ليتوقع أن دعوة لحضور مؤتمر للمعارضة السورية ستأتيه (وقبل أشهر من توجيهها الفعلي له) من وزير خارجية تركيا أو قطر. حسن -وغير مفاجئ- أنه عبر عن سخطه، لكن المواطن السوري تذوق مرارة ذلك السخط قبل الدكتور مناع بأشهر..وتألم.
سبق للدكتور مناع أن انتقد مجلس اسطنبول (بعد جولات مديدة من المفاوضات)، وسماه ب «مجلس الشحاذين». المواطن كان يعرف أنهم كذلك وقبل شهور.
استخدم أحد قادة هيئة التنسيق مصطلح»حواشي السلطة» لتبرير رفض التنسيق مع الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير. ويطرح سؤال نفسه: هل تصدر تلك الحواشي إذ تعزف على وتر الديمقراطية نشازا أشد من نشاز عزف المطالبين بتدخل خارجي عسكري وعلى الوتر نفسه؟.
وقال آخر بأن القوات العربية ليست أجنبية!! ولم يتكرم بتبيان معاييره، أو بتوصيف تلك القوات. هل القبول بقوات حمد مستساغ أكثر من القبول بحزبي قدري وحيدر؟ أو بشريحة واسعة من السوريين تعارض بنية السلطة، وتقف قلقة من فوضى ينتجها بطاركة المعارضات التقليدية والهجينة، مطالبة بتبلور متجانس وواضح لمعارضة وطنية يعبر برنامجها عن تطلعات جامعة وموحدة للسوريين، ويلحظ ما يحفظ مصداقية التوجه والقول وتصويب الانحرافات التي ينتجها العمل؟.
ربما على قادتها أن يعتذروا للمواطن عن غموض يتلبسهم. نقتبس قولا للدكتورة مية الرحبي: «بات أعضاء الهيئة يجهلون ما يجري في دهاليزها، إلاّ ما يرشح منه إلى وسائل الإعلام، في غياب للديمقراطية والشفافية».
ربما على المعارضة الوطنية عموما؛ أن تعيد النظر في النوافذ التي تطل منها، وفي تلك التي لا تطل منها، أن تراجع الروابط بين الهدف والأدوات والسلوك، أن تتمعن في خطوط إنتاج التغيير المطلوب وما يلزمها من مواد أولية وزمن وعمل نوعي، وأن تدرك وقبل كل شيء أن الثقل الموجب يرتبط بمدى الالتصاق الفعلي بالمواطن (كل مواطن سوري) وليس بعزله عن السياسة كما فعلت السلطة ولعقود، أو بالسعي لحيازة وثيقة، تشرعن الوصاية علية كما فعل قادة مجلس اسطنبول تيمنا بأسلاف نصبتهم اتفاقية سايكس بيكو حكاما.

-3-
يفترض أن يكون المواطن أهم من أي سفير أو وزير في عين معارضة وطنية. ويفترض أن من حقه أن يعرف ماذا قيل، وأن يستشف رأيه ويستشار.
وهو يتساءل: لماذا لا يخاطبه قادة المعارضة، ويحكون له الحكاية من طقطق إلى السلام عليكم وبشكل دوري؟ لماذا لا يقال له ما دار في بروكسل والقاهرة والدوحة وطهران وموسكو وباريس وواشنطن، وما حصل في اسطنبول وأنطاليا..الخ؟.
ما هي السيناريوهات المطروحة، ما الصفقات!! وما هي المخاطر والإيجابيات المحتملة على المستوى الوطني لكل منها؟ ما الكذب وما السم الذي ينفث ويستهدف عقله وضميره؟. أليس ذلك ما يُنتَظَر من قادة ثورة؟
وتساءل بمرارة: لماذا لا يعاملونه كشريك؟.
هلكت روحه من ازدراء السلطة لأهميته، وازدراه المندوب السامي(رئيس مجلس اسطنبول)، ومؤلم أن تزدريه المعارضة الوطنية.
ترى..هل تُنسيهم متعة الحوار مع السفراء والوزراء، أن المواطن هو حجر أساس الديمقراطية المنشودة.. فيغدو مغفلا بحضورهم؟
لماذا يتصرف من هو قائد « لانتفاضة أو لثورة»، وكأنه في تنظيم سياسي سري.. وسري فقط على المواطن؟.
نقتبس من مقال بعنوان هامش النخب وبيض سورية نشر في أيلول الماضي: « بكل أسف نقول للسيد غندور: إن المعارضات السياسية لا تستطيع أن ترتقي إلى ما طالبها به، ونرجح لن تفعل ذلك لاحقا، فالديمقراطية ليست هدفاً يجمعها، وهناك أهداف تفرقها، وسينضج البوح.

-4-
هل إنقاذ سورية من البلقنة، من مسؤوليات المعارضة الوطنية؟.
 بعد أول مشاركة للدكتور عصام العطار في اجتماع للمعارضة في تركيا، تحدث من إحدى الفضائيات مدينا السياسة الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي. وقال ثلاث مرات: هذا رأيي الشخصي.
هل كان مرد ذلك الإصرار كون رأيه يمثل نقيضا لمحصلة رأي المؤتمرين؟ ما تلا من زمن بين أن ثمة توسل لأمريكا ولغيرها أطلقه بعض قادة تلك المجالس من أجل مفتاح سلطة باليد
تلا ذلك انتقادات حادة وجهها أعضاء في مجلس اسطنبول لقيادة مجلسهم، قالوا فيها إن الديمقراطية والشفافية هما ما تفتقدهما إدارة المجلس.
■■