من يريد للقامشلي أن تكون قميص عثمان؟       هل بدأت الحرب الأمريكية ضد سورية؟!

في يوم الجمعة الموافق للثاني عشر من شهر آذار الجاري، انفجرت في محافظة الحسكة مجموعة من الأحداث، أطلق عليها طيف واسع من التسميات المختلفة، تبعاً للجهة التي أعلنت عن الخبر،  وبالرغم من أن حدة هذه الأحداث تناقصت بالتدريج خلال الأيام التي تلتها، وتم إيقافها، إلاّ أن الأزمة بحد ذاتها لم تنته بل فتحت على الكثير من الأسئلة، وعلى الكثير من المخاوف في الإطار الواسع التي وضعت هذه التحركات فيها. في حين أصبح صورة وطننا السوري في خطر.. لا ينحصر في الشكل الأولي الذي تمثلت فيه الأزمة.. بل يفتح على الكثير من المخاوف التي ستتلاشى تحت عنوان كبير هو الوحدة الوطنية.

حقيقة ما جرى.. من يملك الحقيقة كاملة؟!

بدأ الأمر مع التجمع الاعتيادي لجماهير الفرق والتي أخذت بالحضور إلى المدينة في وقت مبكر، كما جرت العادة، مع ساعات الصباح الأولى، ويصل جمهور نادي الفتوة إلى المدينة ويبدأ باستفزاز أهالي المنطقة، مما حدا بالقيمين على إدارة نادي الجهاد للتوجه إلى السلطات المعنية بضرورة تعزيز الشرطة المكلفة بمراقبة أعمال الشغب، لكن الجهات المختصة لم تعر أذنا للنداءات المتكررة.

وقبيل بدء المباراة قام مراسل إذاعة دمشق في الحسكة بإذاعة نبأ وفاة ثلاثة أطفال في الملعب من أبناء الحسكة، نتيجة التدافع الناتج عن أعمال الشغب -تبين لاحقاً عدم صحة النبأ ساعة بثه- لتزداد الأحداث حدة وتسارعاً، وتتدخل الشرطة بشكل عنيف، الأمر الذي أدى إلى تصعيد الموقف إلى حد كبير، وبدأ إطلاق النار من أحد الجالسين في مقاعد مشجعي نادي الفتوة بلباس مدني كما أكدت روايات العديد ممن تواجدوا في المكان. ومع ازدياد حدة التوتر حضر محافظ مدينة الحسكة ليعطي الأمر باستئصال المشكلة فأمر بإطلاق الرصاص الحي.

في اليوم التالي قامت مسيرات لتشييع ضحايا اليوم الأول، وتزيد من سوء الوضع، وتصعيد الموقف، ولم يخلُ الأمر من قيام عدد من الشباب المهمش بمجموعة من التصرفات الاستفزازية، أدت إلى سقوط عدد جديد وأكبر من الضحايا برصاص قوى الأمن، لتخرج الأمور عن نطاق السيطرة ويبدأ هجوم على مراكز ومؤسسات الدولة في مختلف مدن المحافظة، ليُحرق ويدمر بعضها بالكامل. تزامن ذلك بشكل سريع مع إعلان سريع للخبر في العديد من الأقنية الفضائية، مع إضافات ومبالغات، وكانت أكثر وضوحاً في ما بثته قناة ROJ التي لم يمض على افتتاحها أكثر من 15 يوماً، هذه القناة التي حاولت تصوير الصراع على أنه صراع عربي كردي، بالدرجة الأولى، مطلقة اسم الانتفاضة على الأحداث الجارية.

وبدأت وكالات الأنباء تتناقل إشاعات بسرعة كبيرة لكن أهم هذه الإشاعات المضخمة كان نبأً أذيع عبر بعض الوكالات عن تشكيل اللجنة التحضيرية لحكومة «كردستان الجنوبية الغربية»، نقلاً عن الجهة التي أصدرت الخبر، من قبل حزب تشكل قبل ما يقارب السنة في الخارج، وهو من الأحزاب التي تربطها الكثير من الروابط المشبوهة ظهرت بشكل واضح بعد مشاركتها في مؤتمرات المعارضة وكانت صلاتها بجهات خارجية واضحة للعيان.

امتدت خلال كل ذلك رقعة الأحداث، إلى الكثير من مناطق الجزيرة السورية من القامشلي مروراً بديريك وعامودا والدرباسية ورأس العين وقبور البيض - تربه سبى - والحسكة وغيرها من المناطق، مروراً بحلب فدمشق وخاصة في منطقة «وادي المشاريع» والتي تبعد عن وســـط دمشق 5 كيلومترات فقط، لتتوســـع دائرة الأحداث إلى أبعد حدودها في تظاهرات منظمة ومدروسة مع جهات خارجية معادية، قامت بها بعض مجموعات مقيمة في الخارج، استهدفت بعض بعثات التمثيل الدبلوماسية السورية في الخارج. حصدت الأحداث بمجملها عدداً من القتلى والجرحى وخسائر مادية اختلفت تقديراتها بين الجهات الرسمية ووسائل الإعلام الأخرى، وانتهت الحركة بعد أن تعاملت معها السلطات «بحزم وفطنة» بحسب التعبير الأكثر تداولاً من خلال وسائل الإعلام العربية والمحلية. لتوضع سورية تحت مجهر كبير، وتتسارع حدة وتواتر الكتابات التي رافقت الأحداث وتبعتها، بين البيانات الحزبية وصولاً إلى التحليلات الإخبارية والسياسية.

تحليلات مختلفة.. والنتيجة واحدة:

(ضرورة الوحدة الوطنية)

انقسمت التحليلات حول الأحداث إلى مجموعتين: 

المجموعة الأولى من التحليلات تقول بأن ما جرى كان وليد اللحظة... ولم يجر الحديث قبلاً عن أي توتر سابق بين عرب وأكراد في سورية، بل على العكس من ذلك تماماً فإن الصورة الملازمة للمناطق الشمالية الغنية بتنوع عرقي وديني وقومي، هي التعايش والتلاحم تحت إطار وطني شامل، ولا يحمّل أصحاب هذه النظرية أي بعد سياسي.

بينما يذهب أصحاب التحليلات الأخرى بأنه لا يمكن أن يتم تفسير التواصل الفوري بين ما جرى بين محافظات مختلفة وفي دول غربية من مهاجمة للسفارات السورية اعتماداً على تصرفات مشاغبين بل يبدو أن هناك ما يربط هذه المجموعات مع بعضها، وأن هناك قضية في المنطقة، غائبة أو مغيبة، تدخل تحت إطار المسكوت عنه وأن هذا الوضع تفاقم وأدى إلى هذه النتيجة.

إلاّ أن أصحاب التحليلات بمجملها لم يستطيعوا إلاّ أن يربطوا بين هذه الأحداث وبين التوتر الذي تشهده سورية على الصعيد الخارجي. فلم يخف على جميع المحللين على اختلاف مشاربهم، في السيناريوهات والتحليلات التي تم الحديث عنها دقة الوضع السوري في المرحلة الراهنة، والذي يتمظهر أولاً في الربط الذي تحاول قوات الاحتلال الأمريكية القيام به بين المقاومة العراقية وسورية، يضاف إلى ذلك تظاهرة جماعات حقوق الإنسان أمام مجلس الشعب السوري، والتي حضرها أحد أعضاء السلك الدبلوماسي الأميركي، بالإضافة إلى التوقيت القريب لموعد إعلان العقوبات الاقتصادية على سورية، ويضاف إلى ذلك كله، التظاهرات الطلابية والتحركات التي ظهرت في لبنان عشية أحداث الشمال السوري.

وبالتالي لم يستطع أي من المتابعين والمراقبين للوضع والأحداث المتراكمة أن يتناول الحدث، ببساطة والتعامل معه كحادث مستقل خارج سياقه الجغرافي والزمني... مما أدى إلى قراءة الوضع بشكل أكثر تفصيلاً. فقبيل شهر من الأحداث بدأت حدة تصريحات المسؤولين الأمريكيين بالتصاعد... ليضاف إلى ذلك أخبار تمت تغطيتها تتحدث عن مجموعة من الاختراقات العسكرية لقوات الاحتلال الأمريكية من جهة العراق.

جميع القراءات للأحداث صبت في جهة واحدة سواء أولئك الذين يرون بضرورة ربط الأحداث مع بعضها لنصل إلى نتيجة تضع سورية ضمن أولويات المخططات الأمريكية القادمة، ومن يرى أن هذا الحادث مستقل ولا رابط بينه وبين الخارج، جميع القراءات أكدت أن الوضع السوري دقيق للغاية وأكدت على ضرورة الوحدة الوطنية، وأن على كافة التيارات والتوجهات في المنطقة أن تحذر حتى لا تتحول، دون أن تدري إلى أداة توجه ضد سورية.

في الخفاء وفي العلن أسئلة تفرض نفسها

بعيداً عن الشكل المعلن للقصة المروية، تظهر مجموعة من الأسئلة التي يجب أن تطرح بوضوح على القيمين والمسؤولين في ثنائية ما هو مخفي وما هو معلن. ففي خضم الأحداث ووهجها سقط من ذهن الكثيرين أسئلة من نوع: لا يغيب عن ذهن المواطن السوري الدور القوي الذي تلعبه الأجهزة المختصة في استتباب الأوضاع، فأين كانت هذه الأجهزة أثناء تحضير مشجعي فريق الفتوة؟ الم ترد أية معلومات عن هتافات يتم تحضيرها أو لافتات تكتب أو صور تلصق على لوحات خشبية ؟.. إن كان بإمكان هذه الأجهزة أن تقتنص أصغر تحرك خارج عن أطرها وإن كان يصب في النهاية تحت شكل الخطاب السوري الخارجي المعلن، وما هو سبب الفراغ في غياب القيادات على الساحة قبل وقوع الأحداث وخلالها؟... هل استطاع ممثلوا السلطة على الأرض أن يفعلوا شيئاً؟....هل يحظى هذا التمثيل بالاحترام هناك من قبل جميع الأطراف بحيث يستطيع أن يقول كلمته، أم أنه سيلجأ في وقت من الأوقات إلى رؤساء العشائر العربية والكردية وعلماء الدين؟.

من يقف وراء السماح للعديد من جمهور الطرفين بإدخال عدد من الأسلحة المختلفة إلى داخل الملعب، وهي أسلحة لا يسهل إخفاؤها تحت الثياب، بالإضافة إلى اللافتات والصور والأعلام آنفة الذكر.. من سمح بتقسيم أماكن جلوس متفرجي الفريقين إلى جانب بعض، وإبعاد قوات حفظ النظام بشكل لافت للعيان؟. من أعطى الأمر الأول بإطلاق النار الحي، قبل استخدام أي وسيلة من الوسائل المتعارف عليها في مثل هذه الحالات، كاستخدام خراطيم الإطفاء أو الغازات، أو الهراوات، وصولاً إلى أخف أنواع العيارات التي تستخدم في مثل هذه الحالات. أم أن الأمور ستبقى دون تحديد.. أو بعبارة أصح من خلق الظروف المثلى لحدوث كل ذلك.. 

والأهم من ذلك كله، وفي ظل قراءة الأوضاع في سورية في ذلك الوقت، ألم تكن الجهات المختصة تدرك، خطورة قيام مباراة بهذا الحجم بين هذين الناديين؟ فمن سمح بقيام هذه المباراة وفي هذا الوقت بالذات في الحسكة.. ولم يتم نقلها إلى أي من المحافظات، كما يحدث عادة عندما تكون هناك إشارات واضحة على توتر بين الفريقين المعنيين.

ليس الحل في كل ما قيل العمل على زيادة دور القوى الأمنية كما سيتمنى البعض،  هذه القوى التي ربما كانت تعمل أصلاً بأقصى طاقاتها، لكن الحل بالسؤال: من سمح بحدوث كل ذلك، من جعل كل هذه الظروف تتراكب،  وهو ليس بالطبع مجنداً صغيراًُ في قوات حفظ النظام ولا موظفاً صغيراً في إدارة اتحاد الكرة، ولا موظفاً في المحافظة.

الفقر يقول كلمته:

«الغوغاء والشغب والمهمشون»

لا يعني البحث في الاتجاهات التي ذكرت إلى الآن والسيناريوهات والمخططات التي تم الحديث عنها غياب وجود مشكلة حقيقية في الشمال السوري هي جزء من مشكلة في البلد كله، فبعيداً عن كل النظريات التي من الممكن أن تظهر حول هذه الأحداث والأسباب التي أدت إلى نشوئها، سواء كانت منظمة أو عفوية،  ومدى خطورتها فإن ذلك يجب ألا يبعدنا عن حقيقة وجود مشكلة، هذه المشكلة تأتي من حالة احتقان له أسبابه وأبعاده الكثيرة، وقد أتيحت له الفرصة الأولى، فخرج وعبر بطريقة وجدها كل المتابعين مؤذية ومسيئة للجميع. 

تناقلت أجهزة الإعلام العربية والعالمية تصريحات رسمية عقب الأحداث مفادها، أن هذه الأحداث «هي فوضى يقوم بها غوغاء»، لكن السؤال الذي لم يطرح هو: من أين جاء هؤلاء الغوغاء؟ -حسب تعبير الجهات المعنية-. لقد جاؤوا من أحزمة الفقر في واحدة من أفقر المدن السورية والتي تعاني الكثير من المشاكل والإهمال على أكثر من صعيد، حزام فقر في مدينة تعاني من مشاكل اقتصادية بالرغم من وقوعها في منطقة غنية إلى حد ما، مجموعة بشرية تريد أن تشعر بالانتماء، وتعاني الكثير من المشاكل على الصعيد الاجتماعي.. 

 لكن إن نحن قمنا بتغيير بعض الأحداث جغرافياً،  وربطناها بأي من المناطق الجغرافية الأخرى التي تعاني أوضاعاً مشابهة، فإن نتيجة الأحداث ستكون متشابهة إلى حد كبير، إن من تابع الموقف سيلاحظ أن غالبية من قام بأعمال التخريب والتحطيم ضد مؤسسات الدولة، هم من أبناء حزام الفقر وأغلبهم من العاطلين عن العمل، والمحرومين من الجنسية، واليائسين والمحبطين، بالإضافة إلى عامل مهم جداً يرتبط بنسبة الأمية الكبيرة بين صفوفهم ومردها ثقافي /اجتماعي/ سياسي، وليس بالجانب الاجتماعي فقط.. بسهولة أطلق ناطق اسم الغوغاء دون أن يكلف نفسه عناء السؤال من أين جاء هؤلاء الغوغاء. 

اتضح خلال سير الأحداث أن هناك بعض القوى الصغيرة المشبوهة التي عملت على استغلال الحركة العفوية للشارع في وقت وقفت فيه القوى السياسية الأساسية على الهامش مكتوفة الأيدي خلال الساعات الـ 24 الأولى. وقامت بتوجيه هذه الحركة في الاتجاهات التي تبين الغرض منها لاحقاً.

بناء على ذلك فإنه من الخطأ القول أن ما جرى عفوي فقط، أو أنه منظم فقط.

لقد شكلت «الغوغاء» الشرط الضروري للقوى المشبوهة الصغيرة التي عملت على استغلال اللحظة مؤقتاً؛ والمطلوب الآن من القوى السياسية الجدية على مختلف مشاربها أن تعود لتلعب الدور المطلوب منها.  

المواطنة.. الحقوق.. والواجبات

كثر الحديث خلال وقوع الأحداث وبعدها في جملة من المعطيات ومجموعة من الاصطلاحات كان أبرزها الحقوق والواجبات، والمواطنة، وغيرها من المصطلحات، ومجموعة من العبارات التي تمجد علاقات الأخوة العربية الكردية، وأخرى تؤكد أن الأكراد هم جزء من النسيج الاجتماعي للشعب السوري.

 إن هذا النوع من الحديث يجب أن يكون جزءاً من المسلمات في أدبيات المرحلة لكافة التوجهات مهما تنوعت مشاربها، حتى نستطيع العبور خلال هذه المرحلة، ولا يجب التطرق إلى هذا الموضوع على أنه قضية منفصلة، إن النظر إلى تركيبة المجتمع السوري والتأكيد على وحدته يجب أن يشمل الجميع، ولا يجب أن يتم ربط على أساس قومي أو طائفي أو غيره من التقسيمات. كما أن قضية الإخاء العربي الكردي في سورية، ليست موضوع سؤال وليست مانشيتاً عريضاً في الصحف، بل باتت حقيقة تاريخية، وليس التسلسل الزمني لوقائع هذا التاريخ إلا إثباتاً لهذه الحقائق والتي تبدأ مع البطل صلاح الدين الأيوبي، وتعبر لسنين طويلة، وتمر عبر التضحيات المشتركة لأهل المنطقة، في الكثير من المراحل التاريخية الدقيقة، والمفاصل الزمنية الهامة، حتى نصل إلى التضحيات المشتركة التي لا تحصى من شعب سورية في وجه الاحتلال العثماني والاحتلال الفرنسي.

أما الجانب الذي يجب التوقف عنده طويلاً من هذه العبارات فهي الحقوق والواجبات، فبعد أن نسلم أن جميع مواطني سورية متساوون في الحقوق والواجبات، وهي عبارة تم ترديدها كثيراً، فعلينا أن نرى هذا الأمر على أرض الواقع. فعندما تقوم الدولة بإعطاء كل مواطن حقه، كامل الحقوق، تأتي بعدها الواجبات، سيكون بإمكانها في المرحلة القادمة أن تحاسب، وسيغلق الباب على كل من يريد التستر وراء أي عذر أو أي مطلب ليقوم بأي تحرك يهز الاستقرار أو يسيء إلى هيبة البلد. لكن عندما تنتقص الكثير من الحقوق، ولا يقف الجميع بتساوٍ أمام البلد، وتصبح الواجبات في المرتبة الأولى، عندها فإن الأمور ستنحو باتجاه آخر.. 

وفي هذا الوقت يجب وضع أسئلة هامة عمن هو المسؤول في المماطلة لحل قضية الأشخاص الذين أسقطت الجنسية عنهم وهي قضية طال الحديث عنها، والتي تشكل قنبلة موقوتة تم وضعها منذ زمن الانفصال الرجعي. في الإحصاء الاستثنائي الذي جرى  عام 1962، ولا يجب التستـــر وراء غـــطـــاء القادمين من الخارج، فذلك أمر منفصل تماماً، والواقع يثبت الفرق الواسع بين الأشخاص الذين أسقطت جنسياتهم، وأولئك القادمين من الخارج، والسلطات المختصة على علم بذلك.. فليس من المعقول أن يكون هناك أخوان الأول سوري والآخر بلا جنسية ويعامل معاملة الأجنبي أو أزواج لم يستطيعوا الحصول على الجنسية فبقيت الزوجة سورية والزوج بلا هوية.

وبالرغم من الوعود الكثيرة بأن تحل القضية فإن الأمور بقيت في إطار المماطلة والأخذ والرد، وكان هناك دائماً من يحاول إيقاف حل هذه المشكلة عندما كان هناك من يحاول إيجاد الحلول المناسبة لها، من هو المسؤول عن استمرار هذه القنبلة الموقوتة، ومن المستفيد؟.

استراتيجيات قابلة للتطبيق

وفي ظل هذه المعلومات، توضع أمام المراقبين للوضع السوري، مجموعة من المخططات التي سبق تطبيقها في بقاع أخرى من الأرض، ويبقى أمر تطبيقها وإمكانية حدوثه على أرض أخرى موضع سؤال، وتعتمد هذه السيناريوهات أو المخططات على ثنائية المعلن والمخفي، ما تصدره وكالات الأنباء والأجهزة المرتبطة بها من جهة وما يجري حقيقة، فعقب سقوط العديد من الأنظمة في تسعينيات القرن الماضي، بعيد انهيار المعسكر الاشتراكي.. ظهرت إلى العلن مجموعة من الأحداث في الشارع، تمثلت في تظاهرات وتحركات في الشارع على أكثر من صعيد، وغيرها من أشكال التعبير عن رفض الوضع القائم.. إلاّ أن ذلك لم يعكس ضعف الأجهزة التي تقوم الدولة عليها، بل عكست كما تبين لاحقاً مجموعة من التناقضات داخل بنى المؤسسات نفسها، والتي سمح قسم منها بكل الحراك في الشارع ذلك الوقت.. فما راقبه العالم أجمع على شاشات التلفزة في التسعينيات من حركات تمرد واضطرابات جيرت لها كافة القوى من الكنيسة وصولاً إلى مختلف أحزاب المعارضة في الكثير من دول أوربا الشرقية، لم يكن إلاّ تمظهراً أو تمثلاً لحالة من الصراع نتيجة الاختراق الجاري داخل بنى مؤسسات السلطة وتفرعاتها، والذي يستخدم حركة الشارع المصطنعة غطاء له.

وهذا يطرح  سؤالين هامين إن نحن ربطنا مجريات الأحداث مع هذه الاستراتيجيات، السؤال الأول يدور حول الدور الذي يجب أن تقوم به الأجهزة المختصة في هذا الوقت، وهل هو استمرار فقط لدورها في المرحلة السابقة؟ وهذا يفضي إلى سؤال آخر: هل فقدت هذه الأجهزة قدرتها في ظل الإحداثيات الجديدة والتغيرات السريعة.

والسؤال الثاني والأهم، يدور حول من أين يكتسب النظام أو الدولة شرعيته، وهيبته، هل من هيبة الأجهزة كما يمكن للبعض القول أم من خلال التمسك والدفاع عن حقوق الوطن والمواطن.

التحقيق

تم فتح تحقيق في كل الأحداث وكيف بدأت وكيف تطورت، وسيقع على كاهل الجهة التي ستقوم بالتحقيق عبء كبير سيكون للجانب السياسي صلة كبيرة بالنتائج.. وهذا أمر ليس مستغرباً، لم يعلن الكثير عن هذه الجهة التي ستقوم بالتحقيق، ولم ترشح أي معلومات عن الآليات التي سيتم فيها تحديد المسؤوليات في كل الذي جرى، إلاّ أن الأهم أنه  ليست من مهام هذه اللجنة التحقيق في الأسباب العميقة التي تقف وراء الأحداث. هذه الأسباب لا تحتاج إلى تعريف ولا لجان تحقيق، ولا بحث أو تمحيص، بل الأسباب باتت معروفة، للجميع، والحل المناسب للقضاء على كل ما يمس بالبلد، يمر عبر كرامة الوطن والمواطن، وتحصين البلد بهذا الشعار. فلا يمكن معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية بالطرق الأمنية الاعتيادية. إنّ هيبة البلد تأتي من مدى تلبيته لمصالح المواطن، ومن خلال معالجة همومه وقضاياه، ورفع كل أنواع الظلم والغبن عنه. وعندها يمكننا الوقوف بصلابة أمام مرحلة صعبة ودقيقة لمواجهة كل استحقاقاتها.   

 

■ المحرر السياسي