قراءة سريعة في الموضوعات المقدمة إلى المؤتمر السادس ح.ش.س (م.س) 2 من 2  البرنامج والآليات والحزب

بالرغم من أن هذه الفقرات تتناول الجوانب الأكثر حساسية أي الجوانب الميدانية والتي يفترض الانتقال إليها وضوحاً تاماً في مخطط العمل النظري.

بالرغم من ذلك فإن التشويش والغموض يبلغ مداه الأقصى. لذلك نجد:

■ عدم الوضوح والاستقرار على وصف واحد في التعريف بالطابع السياسي للنظام فمرة نجده: شمولياً وأخرى ديكتاتورياً ثم فئوياً، إلخ… بالرغم من تأكيد الموضوعات على استخدام آليات واحدة لتفكيكه، بالرغم من أن الأمر يختلف وتختلف الآليات تبعاً للطبيعة السياسية لكل نظام.

■ الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، أي قفزة في المجهول، دون أن يترافق ذلك مع تحديد التصورات المستقبلية للنموذج المجتمعي المراد بناؤه.

■ ليس هناك أي اهتمام جدي بتناول حدود «التغيير» المفترضة، بما يتوافق مع حمولة البنية المجتمعية السورية، ومع حقيقة جاهزية القوى العالمية الأكثر فعالية، لتوظيف «تغيير» كهذا.

■ لا توجد أية مقاربة ميدانية لنماذج واقعية تعتبر مشابهة لظروف «التغيير» التي ستتم في سورية. إن التجربة الديمقراطية وكما ترجمت تاريخياً والتي يتغنى الكثير بها من أثينا إلى التجارب الديمقراطية المعاصرة، لم تكن يوماً صيغة مفتوحة على المجهول.. على المطلق بل كانت وعلى الدوام تكتسب قيمتها وغناها من تحديداتها الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية.

من النقاط التي يجب الوقوف عندها مفهوم الحزب كما جاء في الموضوعات، والتي ترى ضرورة تجديده في «تكوينه وجوهره» والانتقال به من حزب شيوعي يعتمد المركزية الديمقراطية إلى حزب ليبرالي، تطلق عليه اسم الحزب الديمقراطي، ولتحقيق ذلك تعقد مقارنة بين نموذجي الحزبين، ولا تترك أثراً للشك لدى أي قارئ، متلق، كسول، في أن هذين النموذجين متعارضين في كل تفاصيل حياتهما الداخلية.

إن الموضوعات، وفي حال تبني المؤتمر القادم لأفكارها، تكون قد أسست لمغادرة الحزب الشيوعي م.س. للماركسية فكراً وتنظيماً. دون أن يترافق ذلك مع أية مساهمة تذكر في مراجعة أو… تقديم نقدي لتجربة هذا الفصيل الفكرية ـ السياسية ـ التنظيمية.

ويحق للقارئ المحايد التساؤل: هل كانت تلك السلبيات الملازمة لعمل حزب المركزية الديمقراطية أي الحزب الشيوعي من وحي التجربة الذاتية لهذا الفصيل، وهل يمثل إبراز هذه السلبيات نوعاً من القراءة النقدية للتجربة التنظيمية له.

ومع ذلك نقول: إن المقارنة المذكورة لم توفق في تقديم التمايز المعرفي المقنع بين هذين النموذجين، بل بقيت أسيرة الفهم الأيديولوجي الذي تنتقده. لأن المشكلة في الممارسة اللاديمقراطية عند هذا الحزب أو ذاك، ليست في وجود هيئات تراتبية بحيث تحل المركزية محل الحزب والأمين العام والأمين العام مكان اللجنة المركزية، المشكلة بجوهرها استحالة الفصل بين الديمقراطية بمعناها السياسي والديمقراطية بمعناها الاجتماعي العام. أي في غياب أو وجود قيم ومبادئ السلوك الديمقراطي العامة. أي تلك الشروط التي تعد الفرد إعداداً ديمقراطياً وتؤهله للممارسة أو السلوك الديمقراطي.

فالمركزية الديمقراطية وفي أبسط تعريفاتها. الكثير من الحوار قبل اتخاذ القرار. والكثير من الالتزام بعد اتخاذه. وللتذكير فقط فإن آلية اتخاذ القرار تتم بالتصويت وبأغلبية الموافقين سواء كانت أغلبية نسبية أم مطلقة.

فهل الحزب الذي تدعو إليه الموضوعات. حزباً بدون هيئات، وهل هناك آلية أخرى لاتخاذ القرارات الحزبية. أم أن الحزب الديمقراطي المقصود لا يتخذ مثل هذه القرارات؟ وما هي العبرة ما هو المقصود بتلك المقارنة الخاطئة قلباً وقالباً. بين الاتحاد الكفاحي والاتحاد الطوعي. وهل هناك تناقض في أن يكون حزباً كفاحياً وطوعياً في آن معاً. إن الاتحاد الكفاحي الطوعي، كما مارسته الأحزاب الشيوعية الثورية بدءاً من ماركس في الأمميتين الأولى والثانية وكما كان الأمر عند البلاشفة على الأقل.

هذه الممارسة كانت تسمح بدخول الفرد إلى الحزب وهو بكامل إرادته وبكامل … شخصيته وله أن يخرج متى أراد. وأغلب الأنظمة الداخلية لهذه الأحزاب تضمن للأقلية حق التحول إلى أكثرية عن طريق كل مستلزمات التعبير عن رأيها. ولم تكن المسألة مختزلة بهذا الشكل المسطح الذي تبرزه الموضوعات إلى مجرد تسديد للاشتراكات وحضور الاجتماعات.

لقد قدمت الموضوعات وبهذا النزوع «الديمقراطي» صورة هلامية هي أقرب إلى الفوضوية أو «الديماغوجية» كما كان أفلاطون يسميها، عن الحزب الديمقراطي الذي تسعى إليه. إن الديمقراطية الحزبية سواء كان الحزب يعتمد المركزية ـ الديمقراطية أم لا يعتمد هذا المبدأ هي الطريقة التي يستطيع من خلالها كل فرد في الحزب أن يتمتع بتكافؤ الفرص، عندما يشارك في الحياة الحزبية، وهي الآلية التي يؤمنها الحزب لأفراده في اتخاذ القرارات في كل مناحي الحياة الحزبية. إنها ممارسة للحرية. وهي خاضعة لكل المؤسسات الاجتماعية التي تقوم بتنشئة الفرد والتي يتكون فيها وعيه وشخصيته.

الديمقراطية لم تكن يوماً بوجود هيئات عليا ودنيا، أو عدم وجودها، بل باقتناع كل فرد في أن الآخر يختلف عنه ولكنه ليس أدنى منه، أو أقل منه.

إنها قيم واتجاهات تفكير وسلوك.

 

■ كمال إبراهيم