نحو نموذج اقتصادي بديل
تأتي الانتخابات السورية حالياً في الوقت الذي تبدو فيه العملية السياسية لا تزال في مراحل استعصائها العميقة، على الرغم من انفتاح الأفق على الحلول السياسية فقط، إلا أنها لاتزال لا تتمتع بقاعدة شعبية، نتيجة التطرف المتبادل، وتتخذ القوى السياسية المتراخية أو القديمة موقفاً انتهازياً من هذه الحالة، لتتبنى إما منطق الحل الأمني، حيث لا حاجة لطرح حلول وبرامج قبل أن يعم الأمن والأمان، بينما تأخذ القوى الأخرى موقفاً يقول، سنبني سورية بعد أن يسقط النظام وليس في واقع التوتر والعنف الحالي، بينما نحن نقول، منذ البداية وحتى الآن أن الحل السياسي العميق والجذري هو الحل الوحيد ليس للأزمة الحالية، وإنما لبناء سورية اليوم والمستقبل.
ونتصدى وبكل المجالات لكل المشاكل المطروحة، ونحمل في جعبتنا حلولنا القديمة الجديدة، والجذرية..
وفي مقدمة برامجنا نضع رؤيتنا السياسية الاقتصادية العميقة في خلفية خطابنا وممارساتنا، ونرى كما نتوقع اصطفافا يتبلور معنا من كل الوطنيين وجميع المضطهدين والمتفائلين والحالمين بسورية كدولة نموذج كما كتب لها التاريخ دائماً، ونرى أيضاً اصطفافا مقابلا ضدنا وضد رؤيتنا العميقة يضم جميع الناهبين وأسيادهم و«زلمهم»، ويضم أيضا ضعيفي البصيرة والمكسورين والمتطرفين وأصحاب العقليات القديمة..
ويكمن السر الجامع معنا وضدنا، في إصابتنا جوهر الأزمة السورية وكل أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية وهو توزيع الثروة.. الذي يكمن في جوهر احتقان الناس وغضبهم، واندفاعهم نحو الموت في سبيل التغيير، وهو بالمقابل الجوهر المحرك لكل حماة النهب بداية: الأميركان ومن لف لفهم، أصحاب الأموال، الفاسدين، أصحاب المصلحة بالتحريض نحو السلاح والتطرف، أصحاب المصلحة في عزل الناس وقوقعتهم بعيداً عن مصالحهم والتعبير عنها، أصحاب الخطابات والبرامج المفرغة من المضمون ، أصحاب الشعارات الخلبية، ومشعلي الأزمة السورية ليس الآن فقط وإنما منذ عقود..
أعلى نمو وأعمق عدالة اجتماعية:
ما الذي يجعل توزيع الثروة الذي نقوله هو المقولة الجذرية ولماذا يختلف عن مقولات«توزيع الثروة والعدالة الإجتماعية والتنمية» التي لا تغيب عن خطاب أي أحد من المتكلمين على منابر الأزمة، من رؤوس النظام السوري وحتى برهان غليون، وحتى الإخوان المسلمين، وحتى نواتات الأحزاب المتقدمة للترخيص.. ؟!!
يطرح برنامجنا الاقتصادي قبل توزيع الثروة إنتاجها.. طريقة إنتاج الثروة أي النمو الاقتصادي.
حيث أن طريقة إنتاج الثروة محدد أساسي في طريقة توزيعها، فإذا ما اعتبرنا أن الدخل الوطني يمثل الثروة الاجتماعية في سورية، فإن هذه الثروة تتوزع بنسبة %75 لأصحاب الأرباح، مقابل %25 لأصحاب الأجور.
وهو ما يعني أن الثروة لا توزع في سورية على السوريين وإنما تنهب بأغلبيتها، وهنا نقول يجب تغيير هذه المعادلة سياسياً واقتصادياً.
بداية كيف ينتج النمو؟
إذا كان النمو الاقتصادي هو المعبر عن عملية الإنتاج الاجتماعي، فإن محدد نجاحه يكون ليس فقط في الرقم الكمي للنمو، وإنما في نوعية هذه النمو،ماهو النمو؟ كيف ينتج، أين ينتج، ولمن تعطى ثماره.
ماهو النمو؟ بتبسيط أولي وعميق، العملية الإنتاجية هي تفاعل العمل البشري مع عناصر الطبيعة أو المادة الخام، في هذا الموضع تزاد الثروة، فتنتج المحاصيل الزراعية، وتنتج المواد الصناعية، وتنتج ضروريات الحياة المتنوعة.. في عملية محركها الموضوعي هو العمل البشري وحاجات البشر، إلا أننا نعلم أن هذه العملية البسيطة في مضمونها الذي لم يختلف، تخضع لشروط المجتمع السائدة، أي تتم في ظل علاقة رأس المال، الجامع ما بين العمل والمادة الطبيعية، والذي يطبع هذه العملية بطابعه، مضللاً عمقها ومضمونها، بتحويل هذه العملية الطبيعية إلى عملية إنتاج الربح القائمة على استغلال العمل البشري، وإذا كانت الرأسمالية كشرط وضرورة تاريخية للتطور في مرحلة ما، فنحن من بين الذين لديهم المنصة المعرفية التي تستنتج أن هذا الشرط التاريخي قد زال، لا بل أن هذه العلاقة «الرأس مال» قد أصبحت معيقة للنمو وللتنمية.. هدف العملية الإنتاجية هو دعم واستمرار التطور النوعي للبشر، إذاً بحث النمو يكون في ارتباطه مع التنمية أي مع الازدهار البشري والتطور، بكل مؤشراته، مستوى التعليم، معدل العمر، وقت الفراغ، مستوى المعيشة، الترفيه..
النمو الاقتصادي الحقيقي هو من يخدم هذه العملية، أي يخطط ويوضع العنصر البشري في مقدمتها وليس الربح..
كيف ينتج النمو؟ يحتاج النمو الاقتصادي وفق هذه الغاية إلى عملية تخطيط عميقة تزيل كل العوائق.
بداية من أين تأتي الموارد؟
يطرح في سورية وغيرها الاحتمالات التالية:
• الاستعانة بالرأسمال الأجنبي: الرأسمال الأجنبي هو ملكية أصحاب الربح العالمي، أي من لديهم المصلحة في تعميق معادلة الشرخ في معادلة الأرباح والأجور، موظفين سماسرتهم الداخليين لإعاقة وعينا وفعلنا باتجاه الانعزال عنه، ومن كان لديهم مشكلة مع النموذج السوري السابق نظراً لاحتكار فاسديه أرباح جهاز الدولة، مبعدين الناهبين الكبار، والذي عمل ونجح بعملية موضوعية، في الارتباط مع أموال الفساد، المهربة أو المبيضةفي سورية، أو أبقى على علاقات مع رأسماليات سورية قديمة، منتظراً لحظة مناسبة للاختراق، والتي كانت عملية معقدة نسبياً، إلا أنها تمت في تبني النموذج الليبرالي، وولدت حالات نترك لكم تقييم إنتاجيتها مثل مشروع حلم حمص على سبيل المثال، الذي كان بتحالف الفساد مع الرأسمال القطري «شركة الديار» كنموذج، حالة كان استمرارها سيؤدي إلى استملاك أراضي، هدم عشوائيات تهجير، مقابل فورة مالية استهلاكية، لم تتم.. أي الرأسمال الأجنبي يأتي مع أجنداته ومشاريعه التي تسعى لمنع وليس إعاقة فقط النمو الاقتصادي الذي غايته العنصر البشري السوري.
• الموارد الداخلية: أين تكمن الثروة السورية، التي يفترض أن تكون مورد التراكم، ومحرك النمو الأول، إنها في جيوب الناهبين.. أي لدى أصحاب الربح وفق ما توضحه المعادلة السابقة، وبالتالي التراكم هو عملية سياسية اقتصادية تحتاج دعم أصحاب الأجور، وتحتاج فعلهم، لأخذ مستحقاتهم التاريخية من سارقيها، وتحتاج لحماية ما تبقى من مولدات النمو الوطني، التي يمثل جهاز الدولة الإنتاجي إحدى أدواتها الرئيسية..
• لماذا جهاز الدولة: ينتج قطاع الدولة مع مشاكله ونهبه الممنهج، أكثر من %50 من الدخل الوطني، أو من الثروة الحقيقية الوطنية، وبهذا المفهوم هو رابح، أما إذا كان مقياس الخسارة والربح هو فعاليته فهو يعاني من ضعف كبير، أموال كبيرة توظف أرباح قليلة تنتج، والفرق الضائع هو النهب والفساد والتدمير الممنهج..
فالنمو بحاجة إلى هذه الأموال المستثمرة فيه بكامل قيمتها أي بحاجة إلى حماية سياسية من المنتجين، وإلى بتر يد الفساد التي تمد إلى موضع الضمان الوطني.. فهذا الجهاز، المحمي بالمنتجين، هو المستثمر الكبير الوحيد القادر على ربط النمو بالتنمية والقادر على العمل خارج إطار الربح القائم على الاستغلال، والذي من الممكن تخطيط إنتاجه وفق أولوية ضرورية وهي رفاهية أصحاب الأجور..
• الفعالية الاقتصادية: إذا كان التراكم هو المحرك أو الدافع فإن الفعالية هي شرط مكمل وضروري، أي جدوى المورد الموظف، وهذه العملية ترتبط بمحددات متنوعة وعميقة، تختصر بالإنتاجية، وتتضمن كافة الأبعاد الاجتماعية والسياسية، من مستوى التعليم، إلى مستوى التخصص والتقسيم، إلى التطوير والتكنولوجيا، وكيفية توظيف هذه العوامل أي أن يوضع المورد الاقتصادي وكيف يتم العمل به..
ميزاتنا المطلقة: العودة إلى جذر النمو بالعلاقة ما بين الطبيعة والعمل، يؤكد إمكانية توليد النمو الداخلي، البحث في المميزات السورية البشرية والطبيعية، يتيح توليد هذه العملية، قد يتيح إعطاءنا ميزات مطلقة، أي عناصر طبيعية تتميز بها البيئة السورية، وتكميلها بنوعية العمل وخبرات إدارته وتنظيمه، وهو ما أتاحت دراسات متعددة إمكانية تحقيقه وتوليد قيم مضافة منه، كما في حالة غنم العواس، أو الوردة الشامية..
عملية توليد النمو النوعي، هي عملية في عمق العمل السياسي ولا تترك للتقنيين، لأنه وكما اتضح تحتاج محدداتها «التراكم والفعالية» إلى مواجهة مصالح أصحاب الربح، والفاسدين، وحماية مؤسسات الدولة السورية، والتي هي ملك الشعب السوري، وجهده المتراكم، ولا تكفي شعارات محاربة الفساد أو توزيع الثروة وإنما المطلوب كيفية إنتاج الثروة كمحدد لآلية توزيعها، لمصلحة السوريين.