من برنامجنا: القضية الاقتصادية – الاجتماعية
لقد نبّهت قاسيون ومنذ سنوات الى خطورة السياسات الاقتصادية الليبرالية، على الأمن الوطني والأمن الاجتماعي، ومن هنا كان دائماً الحديث عن ضرورة صياغة البرنامج الاقتصادي البديل، ننشر فيما يلي جزءاً من الوثيقة البرنامجية المقرة في الاجتماع الوطني التاسع لوحدة الشيوعيين السوريين(حزب الإرادة الشعبية حالياً) المنعقد في 26112010
....من هنا أهمية السياسات الاقتصادية المتبعة، التي يجب أن تتابع، ويجري حولها نقاش كبير وصراع شديد في البلاد.
-20 إن التيار الليبرالي- الاقتصادي قد استند في صعوده خلال العقد الحالي إلى موجة الليبرالية العالمية التي كانت في أوجها قبل الأزمة، وكذلك استند إلى ظاهرة استنفاد النموذج الاقتصادي السابق في سورية، بإحداثياته الملموسة لإمكانيات التطور اللاحق وحل المشاكل القائمة.
-فالنموذج السابق منذ السبعينيات وبسبب الأوضاع العالمية والإقليمية استفاد من العلاقات الخارجية بسبب وضع سورية المتميز في دعم النمو الذي جرى وفي تحقيق مكتسبات اجتماعية هامة لا يمكن لأحد اليوم أن ينكرها رغم كل الملاحظات التي كانت توضع في حينه على جوانب مختلفة من هذا النموذج.. وبعد تغير الوضع العالمي بانهيار الاتحاد السوفييتي وانتقال العديد من الدول العربية إلى صف المهادنة وما يسمى بالاعتدال، تقلصت التدفقات الخارجية التي كانت تلعب دوراً هاماً في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي- الاقتصادي، فانكشفت العيوب الداخلية للنموذج السابق وخاصةً من حيث وتائر التراكم المنخفضة وعوائد الاستثمار غير المرتفعة ما خفض وتائر النمو بشكل حاد.. فانفتح الطريق لتجريب نموذج جديد كان هو الدارج في ذلك الحين وخاصةً منذ أوائل الألفية الثالثة، ألا وهو النموذج الليبرالي، وقد ظن البعض أنه الخيار الوحيد الممكن آنذاك وأنه يمكن أن يحل الإشكالات المستجدة في الاقتصاد السوري عبر تأمين استثمارات خارجية عن طريق تكييف الداخل اقتصادياً واجتماعياً معها..
21 - ولكن بعد مضي سنوات عديدة تأكد أن هذا النموذج الجديد عاقر من حيث المبدأ ولا قبل له بحل الإشكالات التي يعاني منها بحق الاقتصاد السوري.
- فوتائر النمو لم ترتفع عملياً وانخفض مستوى معيشة السكان ولم تتدفق الاستثمارات بالشكل الموعود.. ما وضع المسألة تحت المجهر من جديد. ولا تفيد هنا المكابرة والديماغوجية التي يقوم بها الليبراليون الاقتصاديون في الترويج لمحاسن نموذجهم الموعودة.. والتي على الناس الصبر لجني ثمارها، فهذه المعزوفة قد استخدمت سابقاً حين تم تنفيذ هذه النماذج بآلامها الفورية التي حملتها للمجتمع ولم يتم الخروج منها عملياً..
22 ـ كما أن هذا النموذج يعاني من استعصاء شديد سببه ان النظام السياسي في البلاد غير مرسوم منذ البدء لكي يتوافق مع سياسات اقتصادية ليبيرالية كهذه في التطبيق.
- مما سيضع الأمر في نهاية المطاف أمام مفترق طرق: إما استبدال النظام السياسي، وإما تغيير جذري للسياسات الاقتصادية يضمن استقرار النظام السياسي في وجه قوى الرأسمال الكبرى الجديد منها والقديم، التي ستطالب وتسعى إلى حصتها من القرار السياسي العام.
23 - إن استمرار تجريب هذا النموذج سيكون كارثياً على الاقتصاد السوري والمجتمع السوري وهو بذلك قد أصبح مناقضاً لمفهوم الأمن الوطني بالمعنى الواسع للكلمة..
- إن المنطق والحكمة ومصلحة البلاد تقول بضرورة البحث عن نموذج بديل للتطور الاقتصادي يؤمن أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية..
- فالنموذج الحالي يضع هذين الحدين على طرفي نقيض، بينما تطلب الحياة ربطهما ببعضهما بعيداً عن النموذج القديم في القرن الماضي، وبعيداً جداً عن النموذج الحالي الذي أدخل البلاد في مأزق حقيقي.. إن تأمين نمو عال للاقتصاد الوطني هو ضرورة وطنية واجتماعية.. وطنية كي تستطيع سورية الاستمرار في لعب دورها المطلوب منها تاريخياً في المنطقة.. واجتماعية من أجل التصدي لحل مشكلات مستوى المعيشة والبطالة..
- إن عدم الأخذ بعين الاعتبار الضرورات الوطنية والاجتماعية سيهدد الاستقرار الاجتماعي، ما سيضعف الوحدة الوطنية، وبالتالي يضعف سورية في لعب دورها المطلوب منها في المنطقة..
24 - كما أن اقتصاداً عالي النمو وعميق العدالة سيتحول إلى نموذج ورافعة ونقطة جذب في النضال العام ضد مخططات الإمبريالية والصهيونية بالنسبة لشعوب المنطقة والشعوب العربية قاطبة..
25 - إن حل هاتين المهمتين يتطلب صياغة نموذج اقتصادي جديد يتوافق مع احتياجات العصر ومع ضرورات المجتمع السوري، والصياغة النهائية له لا يمكن أن يقوم بها شخص وحده، أو مجموعة أو حزب.. بل هي مهمة وطنية عامة تتطلب فتح أوسع حوار حولها تشارك فيه أوسع الأوساط في المجتمع والدولة..
26 - الملامح العامة للنموذج الاقتصادي المطلوب:
- إعادة النظر جذرياً بالسياسة الأجرية باتجاه رفع الحد الأدنى للأجور ليطابق الحد الأدنى لمستوى المعيشة، وزيادة الأجور دورياً (شهرياً أو فصلياً كحد أقصى) على أساس ارتفاعات الأسعار الحقيقية، وأخيراً تمويل الزيادات من مصادر حقيقية وتحديداً على حساب الأرباح التي تتضخم بارتفاعات الأسعار المستمرة عن طريق سياسة ضريبية فعالة وغير منحازة لمصلحة أصحاب الأرباح.
- إعادة النظر بسلة الاستهلاك التي يحتسب التضخم عبرها لتصبح معبرة عن الواقع الحقيقي، واعتماد عدة جهات مستقلة غير حكومية إلى جانب الحكومية في صياغتها ومتابعتها.. إن أحادية سلة الاستهلاك الحكومية أضرت بالتطور الاقتصادي- الاجتماعي.
- الاستفادة من القدرات البشرية العلمية الكبيرة الهامة التي وفرها التعليم المجاني على مختلف المستويات خلال عقود، وتوظيفها في التحديث والتطوير عبر إعادة تأهيلها بشكل دائم ومخطط.
- وضع الخطط للوصول إلى مضاعفة الدخل الوطني كل 5 - 7 سنوات، وهذا أمر ممكن في حال صياغة النموذج الصحيح القادر على ذلك.
- إن إزالة الخلل جذرياً بين الأجور والأرباح سيحل مشكلة مستوى المعيشة خلال خمس سنوات إلى سبع، إذا ما ارتفعت وتائر النمو الحقيقي للاقتصاد الحقيقي إلى معدلات عالية جداً يجب ألا تقل عن %10 حتماً..
- كما أن ارتفاع معدلات النمو سيحل مشكلة البطالة جذرياً خلال فترة زمنية من خمس إلى سبع سنوات عبر استيعاب اليد العاملة في المشاريع الجديدة المدعوة إلى رفع مستوى نمو الاقتصاد الوطني.
- الأمر الذي يتطلب رفع مستوى التراكم (التوظيفات الاستثمارية الجديدة) في القطاعات الإنتاجية الحقيقية إلى %30 من الدخل الوطني.
- كما يتطلب رفع مستوى عائدية التوظيفات على مستوى الاقتصاد الوطني إلى %33 كحد أدنى، بينما لا تتجاوز نسبتها اليوم %15. (العائدية = مجموع التوظيفات /القيمة المضافة الحقيقية).
إن تحقيق عائدية عالية يتطلب:
1 - العمل على تصنيع جميع المواد الأولية من باطن الأرض وفوقها محلياً باتجاه تخفيض تصدير المواد الخام والاتجاه نحو تصديرها نصف مصنعة أو مصنعة ما يزيد القيمة المضافة المحصلة بنسب عالية جداً.
2 - القيام بمشاريع عملاقة تستنهض الشعب السوري وتغير وجه سورية ما يتطلب توظيفات عملاقة لا قبل لأحد بها إلا الدولة، ولنا في سد الفرات مثال تاريخي.
3 - العمل على تحديد الميزات المطلقة التي تتمتع بها سورية ما يتطلب عملاً مركزياً شاملاً ذا طابع علمي وبحثي وعملي. الأمر الذي سيسمح برفع عائدية الاقتصاد السوري بنسب عالية جداً.
4 - خلق بؤر تحفيز للنمو الاقتصادي في البادية السورية من خلال الاستفادة من ميزاتها ما سيستوعب قوى عمل كبيرة فيها.
5 - تنظيم مجمعات زراعية- صناعية في كل مناطق البلاد بحيث تتشابك مدخلاتها ومخرجاتها.
6 - دعم القطاع الزراعي من حيث القروض والتسهيلات في مجال الوقود والأسمدة والمبيدات والبذار ووسائل الإنتاج.
7 - استناداً لكل ذلك وضع خريطة استثمارية وتقديم التسهيلات للقطاع الخاص المنتج للمشاركة فيها.
27 - إعادة النظر بكل القرارات والإجراءات التي تمثل تراجعاً عن المكاسب المتحققة للطبقة العاملة و الفلاحين وسائر الكادحين.. وخاصة:
1 - نصوص قانون العمل بنسخته الأخيرة، ودعم حق الطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها وصولاً إلى حقها في الإضراب..
2 - إعادة حجم دعم الإنتاج الزراعي في مستلزماته وأسعاره بالشكل الذي يؤمن أسعاراً مجزية للفلاحين ويسمح بزيادة الإنتاج الزراعي.
3 - دعم الإنتاج الصناعي الوطني في القطاعات التي تحفز النمو ضمن الخريطة الاستثمارية المبنية على أساس استهدافات النمو المطلوبة..
28 - إن نموذجاً اقتصادياً عادل التوزيع وعالي النمو سيسمح بحل كل المهمات الاجتماعية المتفاقمة في البلاد:
1 - نحو تأمين التعليم بكل مراحله لكل أفراد المجتمع بشكل مجاني.
2 - نحو تأمين الضمان الصحي المجاني.
3 - نحو حل جذري لمسألة السكن عبر تأمين سكن شعبي كريم ورخيص لكل عائلة جديدة، مما يتطلب جهوداً من الدولة في هذا الاتجاه عبر تسهيلات مصرفية جدية تسمح لذوي الدخل المحدود بالحصول على السكن السريع و الجيد.
4 - إن كسر احتكار تجار البناء والأراضي والمضاربين بها يتطلب منع الاتجار بالأراضي التي تبني عليها الدولة وعدم احتساب سعرها في كلفة البناء، وكذلك منع المتاجرة بها وتأجيرها.
5 - ونحو إعادة النظر بتكاليف الكهرباء و المياه لأصحاب الدخل المحدود باتجاه جعل الشرائح الدنيا الضرورية من استهلاكها مجانية تماماً، وتحميل الفوارق السعرية لأصحاب الدخل غير المحدود من المستهلكين الكبار...