سادساً: استعادة الدور الوظيفي للحزب، ومهامنا

إن تحليل أزمة الحزب على أساس المعطيات المتوفرة اليوم والمستوى المعرفي الذي وصل إليه الشيوعيون نتيجة تراكم الخبرة و التجربة خلال عشرات السنين، يسمح لنا أن نؤكد اليوم أن ابتعاد الحزب التدريجي عن تأدية دوره التاريخي ـ الوظيفي، قد أفرز أزمة الحزب التي تم التعبير عنها بمسلسل الانقسامات المعروف.

لذلك فإن المخرج من الأزمة لا يمكن أن يكون بتاتاً بمجرد إجراءات تنظيمية أو بمفاوضات بين المتخاصمين. إن المخرج الحقيقي هو استعادة الحزب لدوره التاريخي ـ الوظيفي كمعبر ومجسد لمصالح الطبقة العاملة وأوسع الجماهير الشعبية.

إن الحزب الذي تهمش وتهشم خلال العقود الماضية، لن يستعيد دوره إلا إذا استطاع أن يلعب دوره المطلوب منه من جديد، وفي كل المجالات، الفكرية السياسية الجماهيرية والتنظيمية. لذلك فإن عملية استعادة الدور الوظيفي، هي عملية تاريخية، بقدر ما هي مضنية، بقدر ما هي مشرفة، ولا بديل أمامنا إلا ذلك.

واستعادة هـذا الدور، تتطلب فيما تتطلبه، تدقيق وتصحيح وتطوير رؤيتنا لمختلف معالم الفترة السابقة، معتبرين أنفسنا ورثة حقيقيين لها بكل ما فيها من نجاحات وإخفاقات، مثبتين النجاحات ومتجاوزين الإخفاقات، الأمر الذي يتطلب رؤية انتقادية من أجل التقدم إلى الأمام.

من هنا يمكن القول إننا لم نستطع رؤية السبب العميق للتراجع الجاري في حينه، بل على العكس كنا نعتقد في لحظة التراجع أننا في حالة تقدم، مما أنتج حلولاً خاطئة في الممارسة للمشاكل الفكرية والسياسية الناشئة، وبالتالي لم نستطع التعامل مع الواقع على أساسه الحقيقي، مما أدى بدوره إلى تباين متصاعد بين السياسة والممارسة بين الهدف المعلن والواقع الملموس بين القول والفعل.

واستناداً لذلك كانت كل الحلول للمشاكل الناشئة في المجتمع والبلاد تقترح ضمن رؤية مناقضة للمسار الفعلي لتطور الأحداث مما لم يسمح بتنفيذ البرامج المكتوبة، وهذا زاد من الخسائر وخاصة في مجمل التأثير على الجماهير الذي استمر بالتراجع بانتظام.

لقد كان المنطلق بالرؤية أن التراجع العام لحركة التحرر الوطني العربية تراجع مؤقت ومنفصل عن مجمل وضع الحركة الثورية العالمية، مما لم يسمح برؤية صحيحة للواقع وأنتج صياغة حلول غير حقيقية للوضع الناشئ.

من هنا لم تتحقق التوقعات حول مستقبل الجبهة الوطنية التقدمية التي كان يُنظر إليها في بادئ الأمر كنواة جنينية لتحالف العمال والفلاحين الذي سيتطور انطلاقاً من هذه النقطة باتجاه زيادة تدريجية لوزن الطبقة العاملة في هذا التحالف، بل سارت الأمور عكس ذلك في ظل تراجع الدور العام للجبهة المشتق من التراجع العام لحركة التحرر العربية.

ولذلك اعتبرنا التراجعات في المجال الاقتصادي ـ الاجتماعي، منذ أواسط السبعينات حالة مؤقتة طارئة لا ديمومة لها والذي حدث فعلاً هو العكس. إذ وصل الوضع إلى نقطة أصبح فيها إملاء قوى السوق لإرادتها على القرار الاقتصادي أمراً واقعاً يجب عدم تجاهله مع اختلاف وتيرة هذا التراجع بين مرحلة وأخرى.

وهكذا عندما تكون رؤية الحزب وآلياته مبنية بشكل مناقض لتطور الواقع نفسه فإن الأزمة تتعمق ويعاد إنتاجها عند جميع المشاركين فيها قيادات وقواعد وفصائل.

وهذا يبين أننا لم ننطلق في معالجة موضوع وحدة الشيوعيين السوريين من اعتبارات تكتيكية، كما ظن البعض، وكذلك لم تكن نوايانا في هذا الاتجاه مؤقتة وعابرة كما ظن في بادئ الأمر البعض الآخر. وبكلمة أخرى، لم يكن الخوض في هذا الموضوع، كما تهيأ للبعض الأخير، للهروب من أزمة صغيرة افتعلتها قيادة الحزب السابقة عشية المؤتمر التاسع وخلاله وبعده. بل كان التصدي لموضوع وحدة الشيوعيين السوريين مرادفاً بالنسبة لنا لاستعادة الدور الوظيفي ـ التاريخي للحزب. أي بكلام آخر، المخرج الحقيقي من الأزمة التي استغرقت فترة تاريخية طويلة.

وبعد كل الذي أنجزناه في هذا المجال، من إطلاق «ميثاق الشرف» إلى تشكيل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، إلى ظهور أوراق العمل للحوار من أجل هذه الوحدة، إلى الوصول إلى الورقة السياسية التي هي تلخيص للحوار في أحد جوانبه الهامة. نستطيع القول، أننا على الطريق الصحيح، ويتميز هذا الطريق بأنه لأول مرة تتطابق رغبة الشيوعيين الجامحة إلى التوحيد، والتي كانت متوفرة دائماً خلال طول فترة الأزمة، مع ضرورات وإمكانيات الواقع الموضوعي. فلأول مرة يتطابق اتجاه الرغبة مع اتجاه إمكانية تحقيق الوحدة، بسبب الظروف الموضوعية الناشئة في الوضع العالمي والإقليمي والمحلي ومستفيدين من كل التجارب السابقة في هذا المجال والتي لم تؤد الغرض المطلوب منها، اتجهنا لتحقيق الوحدة من تحت لفوق، أي عكس اتجاه كل المحاولات السابقة التي لم تصل فعلياً إلى النتيجة المطلوبة، وكان هذا الخيار واعياً ولم يكن المقصود منه إقصاء أحد، وخاصة في القيادات، عن هذه العملية، بل كان هدفه محاصرة أمراض الماضي والقضاء عليها بهذه الطريقة الوحيدة الممكنة. ولا نبالغ إذا قلنا إن المبادرين الأوائل لعملية التوحيد قد تفاجأوا من سعة وعمق تجاوب الشيوعيين، إن كانوا منظمين في مختلف الفصائل، وإن كانوا من فصيل التاركين. لقد تحول هذا الاتجاه شيئاً فشيئاً خلال السنتين الماضيتين إلى تيار جارف متصاعد يفرض وجوده، ويفرض طريقة جديدة في التعامل مع الأزمة. لذلك تنتصب أمامنا لاحقاً مهام كبرى للاستمرار في هذه العملية وصولاً إلى إنجازها.

1) فمن الجانب الفكري يبين النقاش الذي استمزج آراء الشيوعيين أن الموقف من الماركسية ـ اللينينية كمرجعية فكرية، هو موقف متفق عليه، لم يجر نقاش حوله، بقدر ما جرى نقاش حول كيفية التطبيق الإبداعي لهذا الفكر في ظروفنا الملموسة. وإن كنا قد استنتجنا في بادئ الأمر أن التيارين الأساسيين اللذين يمنعان الفكر الماركسي في بلادنا من ممارسة كامل الدور المطلوب منه، هما العدمية والجمود تجاهه، إلا أن ذلك يزيد من أعباء الماركسيين الحقيقيين الذين أصبح المطلوب منهم الانتقال بالتفسيرات والتطبيقات الماركسية في ظروف بلادنا من المجال السياسي البحت كأحد أشكال البنية الفوقية، والذي كان يُمارس بهذه الحدود فقط حتى الآن، إلى مجال البنى التحتية والفوقية بمجملها، أي تفسير ومعالجة مشاكل المجتمع بكل أبعادها.

إن عملاً من هذا النوع، ما كان ممكناً أن يجري إلا بعد فترة تاريخية معينة من تبني الماركسية واستيعابها، الآمر الذي يسمح بحدوث التراكم المعرفي المطلوب للانتقال إلى الإنتاج الإبداعي في كل المجالات. لذلك نعتقد أن ما يسمى بتوطين الماركسية محلياً، هو عملية تاريخية لها ظروفها الموضوعية الخارجة عن الإرادات الذاتية، هذا الأمر الذي يجعلنا نبتعد عن محاولات تبسيط هذا الموضوع بتحميل أفراد وأشخاص مسؤولية هذه العملية، التي أصلاً لا يمكن أن يقوم بها اليوم إلا مجموعات كبيرة من أحزاب أو مؤسسات بحث أو معاهد...إلخ..

إن الطبقة العاملة السورية التي قرأت «البيان الشيوعي» المكتوب في عام 1848 في عام 1936، أصبح لديها اليوم ما يكفي من الوعي المعرفي والتجارب التي تسمح بالتطبيق الخلاق الإبداعي للماركسية على مختلف جوانب الحياة في مجتمعنا، هذا الأمر الذي كان صعب الحدوث في الفترات التاريخية السابقة.

إن انتشار الفكر الماركسي بمصادره الأولية بشكل كثيف في البلاد، ابتداءً من الستينات في القرن الماضي، قد وضع القاعدة التي تسمح لنا اليوم بالقول: إننا جاهزون للانتقال إلى مرحلة نوعية أعلى بالتعامل مع الفكر الماركسي، وهذه هي أحدى المهام الكبرى التي تنتصب أمامنا في عملية استعادة الدور الوظيفي لحزبنا.

2) أما من الجانب السياسي، فإن استعادة الدور الوظيفي، لايمكن أن تجري دون تكييف البرامج مع الواقع نفسه من أجل تغييره، الأمر الذي جرى عكسه خلال العقود الماضية، إذ أن الافتراضات البرنامجية، كانت ترفض رؤية الواقع الذي كان يتسم بالتراجع المستمر للحركة، مما لم يسمح بالخروج بالاستنتاجات الضرورية لمعالجة هذا الأمر، بل الذي كان يجري هو محاولة لوي عنق الواقع لإدخاله في البرنامج، مما أدى عملياً إلى فشل برنامجي كامل، فتح الطريق لأعداء الشيوعية في بلادنا للقول بانتهائها. إن معرفة الواقع بتجرد وموضوعية ومعالجته، سيسمح للحزب بالفهم التدريجي الأعمق للوضع في البلاد. إن مشكلتنا الرئيسية في هذا المجال أصبحت أننا كنا نتحرك في مجتمع لانعرفه جيداً.

التغيير الحقيقي لا ينتج إلا عن التفسير الحقيقي، هذا التفسير إذا ما لم يجر، تبتعد آفاق التغيير. إن استنتاجاتنا السياسية المستجدة تستند بلا شك إلى تجربة الماضي مراجعة ومطورة إياها حسب مقتضيات الحاضر. لقد قلنا في أواخر السبعينات إنه: «لو انطلقنا من الوضع الداخلي لكنا حكماً في المعارضة»، وهذا الاستنتاج كانت له ظروفه التاريخية الملموسة، هذه الظروف التي كانت تتميز بوجود معسكرين عالميين متصارعين، على رأس أحدهما الاتحاد السوفييتي وكان الحفاظ على سورية في معسكر القوى المعادية للإمبريالية مهمة أممية ووطنية تعتبر إلى جانبها المهام الداخلية، الاقتصادية ـ الاجتماعية، الديمقراطية، مهام جزئية تخضع للمهمة الأكبر والأشمل. وكان المقصود أن منطق النضال إلى جانب الاتحاد السوفييتي ضد الإمبريالية الأمريكية، سيدفع الأمور بالتدريج نحو التغيير المطلوب داخلياً، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتشار الرأسمالية كنظام أوحد عملياً على الكرة الأرضية، رغم تعدد أقطابها، أصبح الاستنتاج السابق متخلفاً عن حاجات الواقع الجديد. لذلك نصر اليوم على أن المهام الوطنية العامة والاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية، هي مهام مترابطة، وهي مسميات مختلفة للموضوع نفسه والذي هو: كرامة الوطن والمواطن.

أما في الموقف من إسرائيل الصهيونية، فإذا كنا نقول سابقاً في عصر الاتحاد السوفييتي، إن تغيير ميزان القوى الدولي لصالح القوى الثورية، سيغير ويزيل الطبيعة العدوانية لإسرائيل، وهذا الأمر كان صحيحاً لو تغير هذا الميزان بالاتجاه المطلوب، ولكن بعد كل ما جرى لايمكن أن نقول، إلا أن إسرائيل الصهيونية هي رأس حربة هامة بالنسبة للعولمة المتوحشة، إقليمياً وعالمياً، هذه الحقيقة التي أصبح تعيها قوى أوسع فأوسع في الغرب، لذلك فإن استمرار حكام إسرائيل في سياساتهم، مع تجذر الحركة المعادية للعولمة محلياً وعالمياً، لايمكن إلا أن يضع على بساط البحث في نهاية المطاف موضوع بقاء إسرائيل كدولة عدوانية واستمرارها في المنطقة. ونعتقد أن هذا الموقف، هو موقف وطني وطبقي صحيح.

إن المتابع لسياسة حزبنا بعد المؤتمر التاسع على صفحات «قاسيون» وفي الوثائق المختلفة، سيجد الكثير من التدقيقات التي فرضتها الحياة على خط الحزب، ولكن بغض النظر عن أهمية واتساع هذه التدقيقات، تبقى القضية الأساسية التي كانت المعضلة الأساسية في حياة حزبنا خلال العقود الماضية، هي الهوة بين القول والفعل. إن استرجاع مصداقيتنا بين الجماهير والقوى السياسية، واستعادة ثقتها السابقة بنا، لا يمكن أن يمر إلا عبر ربطنا المحكم للقول بالفعل. إن أحسن سياسة تبقى حبراً على ورق، إذا لم تجد وسائل التجسيد الملموسة لها على أرض الواقع، وإذا كانت العودة إلى الجماهير تعني تدقيق سياساتنا لكي تعبر بشكل أعمق عن مصالحها، فإن هذه العودة تعني أيضاً، بل أكثر، إيجاد الأشكال الملموسة اليومية الواقعية في تنفيذ هذه السياسة.

لقد فقد الحزب وكوادره الكثير من لياقتهم في التعامل مع الجماهير لاكتفائه في الإعلان المجرد عن مواقفه بالتصريحات والوثائق، دون ربطها بشكل إبداعي ملموس مع حركة الشارع، الأمر الذي يتطلب منا جهداً إضافياً لردم هذه الهوة. لقد كنا نقول دائماً: إن سياستنا صحيحة، ويجب أن يرتقي التنظيم إلى مستواها، ولكن المراجعة الجدية والجادة اليوم تجعلنا نقول: إن التنظيم لم يكن قادراً على حمل هذه السياسة، لأنها لم تكن «مولفة» أصلاً بشكل صحيح على مصالح الجماهير ودرجة وعيها، مما أفقد التنظيم قدرته على التأثير، وأصبحت هذه المقولة تردد لتبرير عدم تنفيذ السياسة المطلوبة، ولتحميل مسؤولية عدم تنفيذها على الكوادر والقواعد ولإخراج القيادات من تحت المسؤولية مثل الشعرة من العجين.

وإذا كنا نعي اليوم، حسب ما استنتجناه سابقاً في سياق التقرير، أن مشكلة سياستنا كانت في الرؤية غير الكاملة لمجرى تطور الحركة العام، يصبح مفهوماً لدينا لماذا لم تستطع القيادات السابقة، رغم الجهد الذي بذلته، تشخيص المشكلة ووضع السياسات الملائمة التي كان مطلوباً منها في تلك الأحوال تخفيض خسائر التراجع العام انتظاراً لتوفر الظروف للتقدم اللاحق، وهذا الكلام ليس كلاماً مجرداً، فهناك أحزاب استطاعت أن تقوم بذلك، مثلاً الحزب الشيوعي الهندي الماركسي ـ اللينيني، الذي وجد نفسه اليوم في موقع متقدم لملاقاة الصعود الجاري، وهناك الكثير من الأمثلة على هذا المنوال. إن المراجعة التي نقوم بها ليس هدفها جلد الذات، ونحن متأكدون أن الكثير من الرفاق القادة الذين صاغوا تلك السياسات ولم يعودوا بيننا اليوم، لو كانوا بيننا لما قالوا غير ما نقول الآن.

3) لذلك ترتدي قضية العودة إلى الجماهير، أي إعادة النظر بطرق عملنا الجماهيري، أهمية كبرى في ظروفنا الحالية.

إن موضوع العمل بين الجماهير هو الممارسة بعينها بالنسبة للشيوعيين، هذه الممارسة التي ما هي إلا نتيجة خطاب معين يعكس رؤية محددة، وإذا حللنا هذه السلسلة لتبين لنا أن مشكلة الممارسة في جذرها كانت تكمن في الرؤية الناقصة وفي الخطاب المتخلف، وإذا كنا قد عالجنا قضية الرؤية بشكل كاف بسياق التقرير، إلا أن معالجة موضوع الخطاب تتطلب وقفة سريعة، فالخطاب هو التلخيص الضروري للرؤية، أي السياسات، عبر مجموعة من الشعارات والرموز والإشارات التي كان حزبنا سباقاً إليها في الأربعينات والخمسينات، ولكن في ظل التقدم الهائل لأجهزة الإعلام الجماهيرية والتي كان دائماً يسيطر على الغرب، قبل وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، اكتفينا بمستوى شعاراتنا ورموزنا وإشاراتنا التي تكونت في الخمسينات. والتي حققت نجاحاً هائلاً حينها لأنها كانت حالة متقدمة بالنسبة لمستوى الإعلام المعادي آنذاك، ولم نعر بعد ذلك أهمية لهذا الموضوع، نحن ومجمل الحركة، والأرجح أننا اعتبرنا أن ما وصلنا إليه في هذا المجال هو قمة التطور، مما أدى بالتدريج إلى إخلائنا لمساحات هامة في الصراع على الوعي الاجتماعي للجماهير الشعبية. وهكذا يتبين لنا أن الخطاب،  إن كان فعالاً، فهو يستند إلى رؤية صحيحة وينتج حالة وعي تخلق مقدمات الممارسة العالية المستوى. إن تخلف خطابنا السياسي خلال ثلاثين عاماً قد كان عاملاً إضافياً عقد الوضع السيئ أصلاً، وليس من مثال أحسن على ذلك، من أن جريدة الحزب المركزية قد توقف تطورها خلال ثلاثين عاماً، من «النور» التي كانت ظاهرة هامة في الخمسينات، إلى «نضال الشعب» التي تحنطت حتى أوائل التسعينات، حيث بدأت بالانطلاق بالتدريج البطيء، رغم المقاومة الشديدة من قبل بعض القيادات المتخلفة آنذاك. وللحق يجب أن يقال، إنه لولا الدعم الشخصي للرفيق خالد بكداش آنذاك، لما أمكن إطلاق ظاهرة «نضال الشعب» الجديدة التي تجد التعبير لها اليوم، والاستمرار لها في «قاسيون».

لقد عكفت معاهد البحث الغربية، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مستندة إلى ما أنجزه لينين وغرامشي في هذا المجال، على بحث معمق لاستنباط نماذج جديدة من الشعارات والرموز والإشارات، مستخدمة أفضل ما وصل إليه العلم في مجال اللسانيات والسيميائية وعلم النفس الاجتماعي، والإعلام الجماهيري، لتستخدم كل هذا فيما يسمى اليوم بالحرب النفسية الإعلامية «البسيكترونية» لتمرير رؤيتها وسياساتها، ولمحاربة القوى الثورية العالمية.

لقد فتحت علينا الإمبريالية العالمية جبهة جديدة من الصراع الطبقي، إلى جانب الجبهات السابقة، الفكرية والسياسية والاقتصادية، وهي الإعلامية بمحتواها الجديد، الأمر الذي يتطلب منا دراسة فن القتال على هذه الجبهة وتعلمه، علماً أن مؤسسي هذا العلم هم كبار منظري الماركسية الذين خرجوا باستنتاجات علمية عامة منعت علينا واستخدمت ضدنا.

إن الخطاب المتطور الصحيح يفتح المجال للعودة إلى الجماهير لتأسيس ممارسة حقيقية وفعالة. وهذه الممارسة لا يمكن أن تكون إلا من صنع آلاف الشيوعيين الذين بتراكم وتفاعل تجربتهم سيصنعون ذلك الجديد الذي سيسمح بحسم مجرى المعركة مع العدو الطبقي. أي أن الممارسة وأشكالها ليست من اختصاص مركز ما، بقدر ما هي نتاج جماعي لعمل جماعي يقوم هذا المركز بإطلاقه وتنسيقه وتعميم استنتاجاته. هذا الأمر الذي لايمكن أن يجري ويتم إلا بالمبادرة المستمرة من تحت، وفي تجربتنا المتواضعة خلال السنين الماضية أدلة كثيرة على ذلك، فعشرات ومئات الرفاق الجدد يتربون اليوم عبر الأشكال الجديدة المباشرة للنضال في مختلف المحافظات، إن كانت اعتصامات وطنية، أو مظاهرات شعبية ضد العدوان الأمريكي والإسرائيلي، أو عرائض مطلبية تعالج مواضيع الكهرباء والأسعار والجامعات...الخ... أو انتخابات نقابية، إدارة محلية، مجلس شعب، خاضها رفاقنا بشكل مستقل مما سمح برفع لياقتهم بالتعامل مع الجماهير الواسعة. وهذه المبادرات تتطلب التطوير وإيجاد أشكال جديدة لها، لأنها المدخل الأساسي للخروج من الأزمة وللعودة إلى الجماهير.

4) هذا الأمر بتطوره سيسمح ببناء تنظيمنا وتطويره بالشكل الذي تتطلبه مقتضيات الواقع.  في هذا المجال فإن الأمر الرئيسي الذي يجب التأكيد عليه، أن المشكلة كانت ومازالت ليست في مفهوم المركزية الديمقراطية، كما يظن البعض، بل في طريقة التعامل مع هذا المفهوم التي جردته في أحيان كثيرة من محتواه الصحيح.

إننا نرى أن العلاقة بين المركزية والديمقراطية كمفهوم واحد، هي علاقة جدلية وليست ميكانيكية، فالقضية ليست بعلاقة عكسية بينهما، أي كلما زادت المركزية ضعفت الديمقراطية، وكلما زادت الديمقراطية ضعفت المركزية. بل كلما زادت الديمقراطية الحقيقية داخل الحزب، الذي ما هو إلا اتحاد اختياري لمناضلين ثوريين، كلما زادت سلطة المركز في تنفيذ القرارات المتخذة جماعياً. لذلك فتطوير الديمقراطية الحزبية، حسب الظروف الملموسة، هو تأمين أعلى مستوى لوحدة الإرادة والعمل التي يعكسهما نظام انضباط واحد ومركز واحد.

لقد حاولنا في التحضير للمؤتمر الاستثنائي أن نوسع الديمقراطية الداخلية في اللائحة الانتخابية، فقمنا بخطوتين هامتين بالمقارنة مع كل اللوائح الانتخابية السابقة، وهما:

■  انتخاب مندوبي المؤتمر مباشرة من الهيئات العامة الفرعية أو المنطقية، وهذا الشكل المباشر للانتخاب الذي يلغي الدرجات المختلفة خلال هذه العملية، هو شكل عال من ممارسة الديمقراطية الحزبية، يسمح للقواعد أن تعبر بكل حرية عن آرائها وتطلعاتها دون السماح للقيادات الحزبية على كل المستويات، بالتدخل في هذه العملية، مما يلغي عملياً الأرضية الموضوعية للولاءات والاستزلام والتكتل.

■ أما الخطوة الثانية في هذه اللائحة فكانت إلغاء حق الهيئات الأعلى في التدخل بترشيحات الهيئات الأدنى، ونقل صلاحيات هذا الموضوع كاملة للمؤتمر المعني صاحب السيادة الكاملة ضمن صلاحياته. ولم يكن صدفة ما قمنا به فنحن باتجاهنا نحو توحيد الشيوعيين السوريين نقول دائماً أن هذه الوحدة، بعد إنجاز شروطها الفكرية والسياسية، ستتم تنظيمياً عبر مبدأ سيادة المؤتمرات على كل المستويات، وها قد بدأنا بممارسة فعلية لذلك كمقدمة لهذه العملية تعطينا المصداقية المطلوبة، وتقدم النموذج الذي بمقارنته مع النماذج الأخرى القائمة يتبين كم هي الطريق هامة التي قطعناها حتى الآن.

لقد شاركنا بطرح مجمل رؤيتنا للموضوع التنظيمي الداخلي في أوراق العمل للحوار حول توحيد الشيوعيين السوريين، ونعتقد أن أهم الأمور التي يجب معالجتها في نظامنا الداخلي القادم، هي التالية:

1. موضوع منصب الأمين العام وضرورته أخذين بعين الاعتبار أن النظام الداخلي المقر في المؤتمر السابع 1992 قد أقر فكرة انتخاب أمانة عامة جماعية، الأمر الذي أُجهض في المؤتمر الثامن بعد وفاة الرفيق خالد، وجدير بالذكر أن منصب الأمين العام ليس قدراً لا مفر منه في الحركة الشيوعية، فحزب لينين قام بثورة أكتوبر دونه، وبقي بدونه رغم تثبيته في النظام الداخلي من عام 1934 حتى عام 1968.

2. موضوع قوننة دور الهيئات القاعدية مع تحديد حجمها وصلاحياتها وعلاقتها بالتنسيب والعقوبات والانتخابات، وتحديد صلاحيات الهيئات العليا «ليس الحد بل التحديد» في العلاقة مع الهيئات.

3. إعطاء لجنة الرقابة الحزبية صلاحيات فعلية في مجال مراقبة تنفيذ النظام الداخلي، وخاصة فصل العقوبات أو حتى حصر موضوع إقرار العقوبات فيها فقط، مع الحفاظ على حق اقتراحها لمختلف الهيئات، أي إعطاء لجنة الرقابة الحزبية صلاحية المحكمة الحزبية العليا، وحجب هذه الصلاحيات عن الهيئات التنفيذية المركزية.

4. التفكير في النظام الداخلي القادم بتحديد عمر القياديين وعدد الدورات التي يحق لهم المشاركة فيها، والتفكير الجدي بتكوين هيئات استشارية من رفاق قدامى لها صلاحيات فعلية في نقض أي قرار من قرارات القيادة.

5. إيجاد شكل فعال لا يخفض من جدوى عمل الهيئات القيادية فيما يخص دوران كادرها، وعدم إبقائه لفترة طويلة في مكان واحد، فاللجنة المركزية خلال مؤتمرين يمكن التفكير بتجديدها جزئياً على أساس الانتخابات الدورية للجان المنطقية. كما يمكن التفكير حتى بصلاحيات المؤتمر مع إبقائه مفتوحاً كهيئة أعلى من المركزية، مع إمكانية تجديد جزء منه دورياً.

لقد أثبتت التجربة، أن أحسن نظام داخلي لا يمكن أن يحل أي مشكلة إذا لم يتوفر عامل نجاح تطبيقه الأول، وهو التعامل بين الرفاق على أساس منظومة الأخلاق الإنسانية الشيوعية، هذه المنظومة التي اهتزت باهتزاز المثل والأهداف خلال العقود الماضية. إن إعادة الاعتبار و البريق للقب الشيوعي عبر السلوك اليومي وعبر الانتقاء المبدئي للرفاق حين تنسيبهم وتقديمهم، يبقى الضمان الحقيقي لتطبيق أي نظام داخلي.

إن الجماهير الشعبية لم تعد تثق كثيراً بالكلام، إنها تثق بالممارسة والسلوك، وإذا كنا نشق الطريق نحو ممارسة تخرجنا من الأزمة، فإن إعادة الاعتبار لمنظومة الأخلاق الشيوعية ترتدي أهمية ليست أقل من الممارسة في نجاح عودتنا إلى الجماهير.

إن الشيوعي كان وسيبقى هو المناضل من أجل العدالة الاجتماعية الذي يضحي بكل ما لديه من وقت وصحة وحتى حياته إذا لزم الأمر من أجل القضية الكبرى، متمتعاً بالمواصفات المعروفة التي لا مساومة حولها، رأس بارد وقلب حار، ويد نظيفة.

وهذا الذي يملي علينا خلال المعركة التي فرضت علينا بعد المؤتمر التاسع تجنب شكل الصراع الذي حاولت أن تفرضه القيادة السابقة علينا، الذي تميز بالإسفاف من خلال التهجمات الشخصية والشتائم. لقد تسامينا فوق هذه الأساليب، ليس لأننا غير قادرين على الرد عليها بالمثل، بل لقناعتنا أن هذه الأساليب تسيء إلى سمعة الحركة، لا بل لا تسمح بتربية حزب شيوعي حقيقي. إن درجة الإسفاف في الحلقة الأخيرة من الأزمة، قد بلغت حداً، بالمقارنة مع الأزمات السابقة، لا يمكن تصوره، وهو تعبير عن الأزمة نفسها التي لا مخرج منها بالنسبة لبعض القيادات المتنفذة التي ترى أن مخرج القمع التنظيمي الذي يستخدم أدوات الشتم والسب، هو الطريق الأنجح للخروج منها، ولكن الحياة تثبت العكس. لقد آلينا على أنفسنا عندما وقعنا ميثاق الشرف بتاريخ 15/3/2001 أن لا ندخل بعد اليوم في معارك جانبية كشيوعيين، وأن نكرس جهودنا للصراع مع عدونا الطبقي، وهو ما قمنا به فعلاً.

نناشد جميع الرفاق الاستمرار بضبط النفس، وعدم النزول إلى مستوى المهاترات التي ستقوى ضدنا بعد انعقاد مؤتمرنا الناجح، بل التركيز على شرح سياستنا بمختلف جوانبها، والانطلاق لتنفيذها بين الجماهير.

وهنا لابد أن نتناول جانب آخر له علاقة بموضوع السلوك والأخلاق الشيوعية، لقد حددنا موقعنا في الميثاق بشكل قاطع من بناة الحزب الأوائل، ومن كل من ساهم جدياً في بناء الحزب، ونعتقد أن المشكلة لم تعد في تحديد العواطف والمسؤوليات تجاه هذا القائد التاريخي أو ذاك، بقدر ما تكمن في فهم دوره وأبعاده وإنجازاته ومحدوديته، ضمن إطار تحليل علمي مجرد وموضوعي، كأي تعامل مع أي ظاهرة تاريخية، هكذا نكون قد وضعنا الأساس لإنهاء التخندق الحزبي على أساس الولاءات الشخصية، دون الإساءة لأحد، مع إعادة تقييم موضوعي حينما يلزم الأمر لأي مرحلة.

إن الحزب الذي لا يحترم تاريخه لا مستقبل له. وهذا التاريخ لا يمكن أن يكون خالياً من الأخطاء، ولكن تجاوز هذه الأخطاء يجب أن يتم بتأن وجدية ودون «شرشحة»، لأنها لن تفيد عملية التطور نفسه، كما أثبتت تجارب الحركة الشيوعية العالمية. ونحن هنا نحتذي بقول الكاتب الكبير رسول حمزاتوف على لسان بطله أبو طالب: «من يطلق نيران مسدسه على الماضي، يطلق المستقبل نيران مدافعه عليه»!.

إن القضية تجاه الماضي ليست أن نحبه أو نكرهه، بل أن نفهمه. فما جرى لايمكن تغييره، ولكن يمكن فهمه من أجل تجاوزه في كل الحالات، إن كان صحيحاً أو خاطئاً.

سننطلق لتنفيذ قرارات المؤتمر، ونعتقد أن كل الظروف متوفرة اليوم لتأمين أوسع تقدم تنظيمي وانتشار جماهيري. مما يتطلب التركيز على عدد من مجالات العمل وإيلائها اهتماماً أكبر من قبل القيادة القادمة، ونخص بالذكر موضوع الشباب والنساء والعمل النقابي والعمل التثقيفي الحزبي الداخلي. لقد تراكمت لدينا تجربة لا بأس بها في كل هذه المجالات والعديد من الاستنتاجات تتطلب النقل إلى أرض الواقع.

ففي مجال الشباب، نحن بحاجة إلى تنظيم جماهيري شبابي حولنا، لا ينسخ التنظيم الحزبي، ولكن لا يدار إلا من قبله، والأرجح أن طريقة العمل على أساس المجموعات الشبابية المتخصصة في مجالات نوعية مختلفة هي الطريقة الأمثل في الظروف الحالية. يجب الاستفادة من تجربة اتحاد الشباب في الفترة السابقة للمؤتمر التاسع، الذي تحول عبر حجة استقلالية قيادته، إلى مركز حزبي مستقل يدار من خارج المركز الحزبي الرسمي. وهذه العقلية لم تسمح له أن يلعب دوره المنوط به، وهو تشكيل سياج شبابي جماهيري حول الحزب، حجمه أضعاف مضاعفة من حجم الحزب نفسه.

لقد بدأ الرفاق المكلفون بالعمل في هذا المجال في التحضيرات لإنشاء بنية شبابية قادرة على تنفيذ توجهاتنا. والمطلوب في المرحلة القادمة الإسراع  في هذه العملية.

وفي العمل النقابي تتوافر إمكانيات كبيرة للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ولتوسيع التحالفات الوطنية، وخاصة في ظل الظروف الناشئة، لذلك يجب أن يتحول العمل النقابي إلى هم يومي للهيئات الحزبية، وليس إلى عمل موسمي فقط مرتبط بالانتخابات النقابية.

إن الحركة النقابية السورية لديها تجربة غنية وهي فصيل هام يمثل قاعدة جماهيرية واسعة لا مصلحة لها ببرنامج قوى السوق، ولها مصلحة حقيقية في برنامج إصلاح اقتصادي حقيقي وطني معاد للنهب الكبير.

لقد حققنا في الانتخابات النقابية الأخيرة رغم الضغوطات التي مورست من قبل بعض قيادات الفصائل الشيوعية، نجاحات هامة، وهي قابلة للتطور والتعزيز مع تنفيذنا لخطنا المبدئي بشكل دائم.

أما بالنسبة للعمل بين النساء، فنعاني في هذا المجال الكثير من التقصير في المركز وفي المنظمات. وتتطلب المسألة وضعها في جملة الأولويات في المرحلة القادمة، والتفكير أسوة بما جرى في قضية العمل مع الشباب، بالأشكال الملموسة الجديدة للعمل النسائي، والأشكال التنظيمية الجماهيرية الضرورية له.

إن تطوير النسق القديم من العمل النسائي، هو مهمة ملحة أمام جميع الهيئات.

أخيراً لابد أن نقف عند مهمة التثقيف الحزبي، التي لم يعد ممكناً حلها في ظروف اليوم، إلا من خلال سلسلة مدارس مركزية منظمة ثابتة ومستمرة. وقد أثبتت تجارب المدارس الحزبية في صيف هذا العام نجاحها وصحة هذا التوجه، بالتدريج السريع يجب أن نصل إلى صيغة مدرسة حزبية مركزية ثابتة، تفتح الآفاق لمدارس حزبية في المناطق.

إن مهمة التثقيف الحزبي الماركسي ـ اللينيني، مطلوبة، ليس فقط للشباب الشيوعيين الجدد، بل أيضاً للرفاق القدامى، لأن إعادة التأهيل ورفع المستوى، أصبحت قضية ضرورية من أجل مواكبة الأحداث والتطورات الجارية، وإلا فأمامنا طريق واحد، وهو التخلف والتراجع. إن حركة التثقيف الحزبي ستضع الأرضية للبحث جدياً في المستقبل المنظور في موضوع مركز بحث ودراسات ماركسية يساهم في حل القضايا الفكرية التي أشرنا إليها أعلاه، وهو أمر لم يعد ممكناً التساهل فيه، ويمكن أن يكون موضوع المجلة التي لم تر النور حتى الآن، بسبب صعوبات تكنيكية وقانونية خارجة عن إرادتنا، مدخلاً جيداً لحل موضوع مركز الأبحاث والدراسات.

أيها الرفاق والرفيقات...

ما العمل؟.. سننطلق إلى الاجتماع الوطني الثالث لتحقيق مهمة عملية ملموسة على طريق وحدة الشيوعيين السوريين، وسيرتدي إقرار الورقة السياسية أهمية كبيرة لأنها ستفتح الطريق للتوحيد اللاحق، ولكن إلى جانب ذلك، وعند عودة رفاقنا إلى منظماتهم حاملين استنتاجاتنا ورؤانا، تنتصب أمامنا مهمة وطنية كبرى في ظل الظروف المعقدة التي تشهدها بلادنا والمنطقة، وهي المبادرة إلى تشكيل لجان للدفاع عن الوطن في كل حي وقرية ومدينة ومعمل وجامعة...إلخ... تتكون من الشخصيات والفعاليات والحركات السياسية الوطنية. وإذا كنا المبادرين، فلا نقصد أن نكون وصاة على هذه اللجان، التي بحال تطورها كنواتات على الأرض، يمكن أن تتحول إلى لجان شعبية حقيقية تحل القضايا المطلبية والاقتصادية والاجتماعية أيضاً، أي أن المدخل الوطني العام بتطوره سيدفع لحل الأمور الأخرى. وهذا الشكل من اللجان سيكون فعالاً بقدر ما يشارك فيه الطيف السياسي الوطني، داخل وخارج الجبهة، لا فرق بصفته الشخصية أو الرسمية.

إن الوضع في المنطقة يتعقد، وهو قابل للانفجار في أية لحظة، مهامنا كبيرة ومسؤولياتنا عظيمة، ومعركة تحرير الجولان مازالت في الأفق، ضمن مهامنا التي لايمكن أن نتخلى عنها، والتي سنشارك فيها متى دقت الساعة بكل ما أوتينا من قوة، بغض النظر عن إمكانياتنا.

 

سنكون، كما كنا دائماً في مدرسة الحزب الشيوعي السوري، سباقين في القضية الوطنية، لا يهتز علمها في يدنا لحظة واحدة، بل يظل عالياً يرفرف وثابتاً، وفي ذلك مبرر وجودنا واستمرارنا, هكذا فقط سنستطيع استعادة دورنا الوظيفي ــ التاريخي.