بقلم هيئة تحرير «قاسيون»  بقلم هيئة تحرير «قاسيون»

الوحدة الوطنية بين الحدود والحقوق

تشتد أهمية الوحدة الوطنية في بلادنا لدرجة لم يسبق لها مثيل في كل تاريخها نتيجة للضغوطات الامبريالية الأمريكية والصهيونية التي تمارس ضدها مع ما تحمله من مخاطر جسام على السيادة الوطنية.

وإذا كان للوحدة الوطنية أساسها المتين المتمثل بمواقف الجماهير الشعبية والقوى الوطنية من القضية الوطنية نفسها، بغض النظر عن موقعها من النظام، إلاّ أن هذا الأساس لم يتبلور بعد في إطار جامع يتناسب مع الظروف المستجدة مما يجعلنا نقول بضرورة تعزيز الوحدة الوطنية.

وهنا يمكن أن نختلف مع البعض الذي يرى أن الوحدة الوطنية غير متوفرة لعدم توفر إطارها، وكذلك أن نختلف مع البعض الآخر الذي يرى أن هذا الإطار موجود ومنتهي التكوين في إطار الجبهة الوطنية التقدمية. إن أساس هذه الوحدة متوفر ولابد من تطويره عبر حوار وطني يسمح بإيجاد ذلك الشكل الشعبي الجماهيري على الأرض، القادر على الدفاع الحقيقي عن الوطن. هذا الشكل الذي يجب أن تشارك فيه حتماً جميع القوى الوطنية داخل النظام وخارجه.

وهذا الحوار، إذا ما تم، فإن الوصول إلى نتائج ملموسة فيه لا يتطلب بالضرورة الاتفاق على برنامج حكم، بقدر ما يتطلب الاتفاق على برنامج مقاومة للمخططات الامبريالية الأمريكية ـ والصهيونية على الأرض، في الشارع.

من هنا تنبع مسؤولية جميع القوى الوطنية لإنجاح هذه العملية التي لها مقوماتها ومعيقاتها.

فمقومات هذه العملية هي الحفاظ على السيادة الوطنية التي ورثناها عن أجدادنا وآبائنا منذ الاستقلال وحتى اليوم، والتي وضع أساسها المناضلون ضد الاستعمار بمختلف أشكاله، من يوسف العظمة حتى آخر شهيد قدمه الشعب السوري.

وغني عن القول، أن أي مس بالسيادة الوطنية بمعنى الحدود والأرض والكرامة الوطنية، سينسف الأساس الواسع المتوفر اليوم لتحقيق الوحدة الوطنية الشاملة.

ومعيقات هذه العملية أصبحت معروفة، وإزالتها تتطلب تأمين كرامة المواطن بكل ما لهذه الكلمة من معنى. فتحسين مستوى معيشة الشعب عبر حل قضاياه الاقتصادية ـ الاجتماعية المستعصية، هو عامل هام في توطيد الوحدة الوطنية، ولو أدى هذا الأمر إلى مواجهة قلة قليلة من الناهبين الكبار لقوت الشعب وأموال الدولة.

وهنا لابد من القول، أن الإجراءات الاقتصادية الضارة، مثل تغيير سعر الفائدة المصرفية وما رافقه من تخبط مؤخراً، يلحق ضرراً معنوياً كبيراً، أكبر بكثير من الأضرار المادية التي خلّفها، وهذا ما يطرح سؤالاً مشروعاً: حول من المستفيد من وراء هذه الإجراءات؟ ولماذا؟.

كما أن عدم المعالجة الجدية لارتفاعات الأسعار الأخيرة، والتي بررها كبار التجار بارتفاع سعر اليورو عالمياً، والتي لم تنخفض بعد الانخفاض النسبي لسعر اليورو، تطرح تساؤلاً إضافياً حول اتجاه التطور الاقتصادي ومدى ملائمته لمهمة تعزيز الوحدة الوطنية.

إن كل ذلك يضع على جدول الأعمال بشكل حاد مهمة إطلاق الحريات السياسية التي يمكن أن تتحول إلى عامل هام في تأمين كرامة المواطن التي أصبحت جزء لا يتجزأ من كرامة الوطن. إن تأمين حقوق الجماهير الشعبية هي عامل أساسي في تأمين حدود الوطن.

 لذلك فإن مفهوم الحدود والحقوق بمختلف أشكالها هي مفاهيم متداخلة ومكملة لبعضها البعض. فتأمين حقوق المواطن سيساهم في تأمين الحدود التي لا يمكن أصلاً للحقوق أن تتوفر دونها، ومثال من سار على طريق التفريط بالحقوق الوطنية، هو أكبر برهان بأنه فرط أيضاً وبآن واحد بحقوق المواطن العادية والبسيطة.

 

إن الطريق للوصول إلى أعلى شكل من أشكال الوحدة الوطنية واضح المعالم، والمطلوب اليوم رباطة الجأش والشجاعة والجرأة، وفي ذلك الضمانة الوحيدة للحفاظ على كرامة الوطن وتوفير كرامة المواطن.