على هامش المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري

في فسحة صغيرة من إحدى بيوتات دمشق العريقة ، التأم شمل مندوبي المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري، ضاقت عليهم مكاناً فأوسعوها أملاً وتصميماً على إعادة بناء حزبهم ، تقاطر إليها مندبو منظمات الحزب من شتى أنحاء البلاد معلنين أنهم قد شبّوا عن الطوق، وأنهم أكبر من قياداتهم وليسوا مجرد أرقام يتاجر بها من تجاوزهم الزمن ليحققوا أحلامهم الذاتية.

فهاهم الشيوعيون يثبتون مرة أخرى أنهم قادرون على تذليل الصعوبات مهما كبرت، وهل من صعوبة أكبر من أن تتخلى قيادة الحزب عن الحزب؟

وهاهم يعلنون أنهم الورثة الحقيقيون لكل تاريخ حزبهم المشرِّف، أمناءٌ على وطنهم.. أمناءٌ على طبقتهم.. أمناءٌ على كرامة الوطن والمواطن.. وأنهم، ليس لهم من مهل في مواجهة أعداء الوطن والمواطن.. في مواجهة الرأسمال الإجرامي العالمي ونظامه العالمي الجديد.. في مواجهة قوى السوق والسوء والسوط.. وأنهم قادرون على إعادة الحزب إلى دوره الوظيفي الحقيقي.

ولأول مرة في تاريخ الحركة الشيوعية السورية، تتداعى قواعد الحزب لإعادة الأمور إلى نصابها.. في وضع العربات على السكة الصحيحة بعد أن ضلَّت القاطرة.. وما عليهم سوى استبدال القاطرة المعطلة بقاطرة أخرى لا يمكن لها أن تتعطل، ألا وهي قاطرة النضال اليومي.. قاطرة الدور الوظيفي الحقيقي للحزب.. قاطرة كرامة الوطن والمواطن.. إنها قاطرة النضالات لا قاطرة القيادات.. عندها ستلتحق باقي العربات بالركب.

ولعل أهم ما يميِّز هذا المؤتمر التاريخي أنه:

1- أول مؤتمر للحزب ترفض قيادة الحزب حضوره رغم دعوتها إليه.

2- أول مؤتمر للحزب يقرر عودة الحزب إلى دوره الوظيفي وإلى الجماهير. 

3- أول مؤتمر للحزب يقرر فتح جلساته ولا ينهيها، لشعوره بالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه في عدم إغلاق باب الحزب في وجه من يريد الإلتحاق به.

4 - لم تُقر جلسته الأولى برنامجاً ولا نظاماً داخلياً رغم شرعية انعقاده، ليتسنى لمن يود الالتحاق به المساهمة في إقرار البرنامج والنظام الداخلي.

5- لم ينتخب قيادة للحزب، واكتفى بتشكيل هيئة رئاسة له تقود العمل بين جلستين للمؤتمر، وفي هذا الإجراء ما فيه.

أمَا وقد أعلن المؤتمر الاستثنائي للحزب فتح أبوابه لجميع الشيوعيين، فما الذي يبقى أمام بعض الشيوعيين لكي يبقوا خارجه؟، أمَا وقد أعلن نضاله الدؤوب من أجل وحدة جميع الشيوعيين السوريين فما الذي يحول بين البعض وبين هذه الوحدة؟.. ألا فليعلنوا ذلك، فإن كان خلافاً سياسياً فليوضحوه، وليقنعوا الشيوعيين بآرائهم، وإن كان خلافاً تنظيمياً فليأتوا إلى المؤتمر وليقرروا مع رفاقهم نظاماً داخلياً جديداً ناظماً للعلاقة بين جميع الشيوعيين السوريين، فإن لم يكن هذا وإن لم يكن ذاك، فإنها المصالح الصغيرة، وهذا ما يربأ المؤتمر الاستثنائي عن الدخول به، وهذا ما يتبدى فيه زيف جميع الادعاءات الفكرية والسياسية والتنظيمية، ومن نافل القول أن من يعجز عن التوحد مع رفاقه عاجز عن الوحدة الوطنية.

في «أغانيه» يورد أبو الفرج الأصفهاني أنه لما نقض الروم عهدهم مع العرب، وأرسل نقفور ملك الروم رسالة لهارون الرشيد يتهدده ويتوعد بالإغارة على الأرض العربية، رد عليه هارون الرشيد بالكتاب التالي: «من عبد الله هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، أما بعد... فقد فهمت كتابك، وجوابك عندي ما تراه عياناً لا ما تسمعه»... وكان ما كان من غزو هرقلة وانتصاراتها (*).

وبعد... 

فهل يستطيع الشيوعيون السوريون بحزبهم القادم ودورهم المفترض، أن يجعلوا بلادهم تخاطب أعداءها بمثل هذه القوة؟ 

وهل يستطيع الشيوعيون السوريون بحزبهم القادم ودورهم المفترض، أن يجعلوا طبقتهم العاملة وشعبهم الكادح يخاطب ناهبيه بمثل هذا التحدي؟. 

أعتقد ذلك... 

(*) راجع كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: الجزء 18، الصفحة 247. وكذلك الكامل في التاريخ للشيباني: الجزء 5، الصفحة 333 . وتاريخ الأمم والملوك للطبري: الجزء 4، الصفحة 669. والبداية والنهاية لابن كثير القرشي: الجزء 10، الصفحة 194. وبغية الطلب في تاريخ حلب لابن أبي جرادة: الجزء 4، الصفحة 177  

■ ماهر حجّار      

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.