تجليات أزمة الحزب وبعض الاقتراحات الهامة ظاهرة تقديس القائد:

إن ظاهرة تقديس القائد سادت في حزبنا مدة طويلة، وترافقت مع تجميد عمل المؤسسات  الحزبية واختزالها بالمكتب السياسي وشخص الأمين العام، مما أدى إلى خرق القواعد اللينينية في الحياة الحزبية، وإلى الاستبداد وسوء استعمال السلطة وتعطيل الإرادة الجماعية والعقل الجماعي وإلى إبعاد واندثار إمكانيات كبيرة في الحزب.

كان أولئك الذين انتقدوا ظاهرة الأمين العام المزمنة، هم أنفسهم وقعوا بالمطب ، فلما أصبحوا أمناء عامين في أحزابهم وفصائلهم المنقسمة استمروا وما زالوا عشرات السنين في هذا المنصب.

إن ظاهرة تقديس الشخصية في الحزب عرقلت تطوره وضيقت على مبادرات ونشاطات أعضائه. ولتجنب إعادة إنتاج الظاهرة يجب وضع ضوابط تمنع ذلك مثل:

1. انتخاب قيادة جماعية (هيئة سكرتاريا) تقود عمل الحزب اليومي.

2. تحديد فترة ولاية القيادات الأساسية، بثلاث أو أربع دورات انتخابية.

3. خضوع جميع الرفاق، مهما كانت مسؤولياتهم، لمبدأ النقد والمحاسبة.

4. تفعيل عمل لجنة المراقبة، وممارستها لدورها كسلطة قضائية، وأن يكون قرارها نافذاَ.

المركزية الديمقراطية:

لم يطبق هذا المبدأ اللينيني في حزبنا بشكل صحيح، فغالباً ماكانت القيادة تغلِّب الجانب المركزي فيه على الجانب الديمقراطي، حتى في الظروف العلنية، وكانت تستبق كل مؤتمر عام بالصلات الجانبية والتطبيقات والتكتلات والوعود، والتأثيرات المختلفة لحشد الأنصار وجلبهم للمؤتمر لضمان النتائج لصالحها. وامتد هذا النشاط اللامبدئي فشمل مؤتمرات المناطق، وفي بعض الحالات، إذا لم تأت النتائج كما تريد ألغتها واعتبرتها غير شرعية.

استخدمت القيادة نفوذ الأغلبية ضد الأقلية، وقمعت الرأي الآخر وطفَّشت وأبعدت من يخالفها في الرأي، فاستحكم وباء البيروقراطية في حياة الحزب وتعطلت إمكانيات هائلة لدى  أعضائه وضؤل عطاؤه.

وهكذا، انعدمت القيادة السياسية الصحيحة في الحزب.

إن تطبيق هذا المبدأ بشكل صحيح يتطلب عدم الميل لاعتباره سيف ديموقليس  المسلط لقمع أية آراء مغايرة وإلغاء الأقلية، كما لا يجوز تفسيره من مواقع الليبرالية البرجوازية الصغيرة، وإدارة الظهر للانضباط الحزبي وعدم احترام الحزب.

فالتناسب الصحيح بين المركزية والديمقراطية، بين الأغلبية والأقلية وتطوير الوعي النظري و السياسي لأعضاء الحزب، يرتدي أهمية بالغة في صيانة وحدته.

ولكن، على أية حال، يفضل أن تبقى الأولوية للديمقراطية في حياة الحزب لكبح النزعات البيروقراطية في بداياتها، وإفساح المجال أمام أعضاء الحزب للمساهمة الواسعة في مناقشة وإقرار خطة الحزب السياسية والتنظيمية في المؤتمرات، وتطبيقها بشجاعة وشرف على أساس وحدة الإرادة والعمل وأقترح تنفيذ مايلي:

1. عقد المؤتمرات الحزبية على أسس ديمقراطية، في تحضيرها وإدارتها، بحيث يسهم فيها أكبر عدد ممكن من الرفاق.

2. حل القضايا الأساسية التي يدور حولها خلاف في القواعد الحزبية.

3. للأقلية الكبيرة الحق في التعبير عن وجهة نظرها في صحافة الحزب وليس ثمة مانع من أن تقدم مشروع برنامجها الخاص إلى المؤتمر.

4. يفضل أن تكون صيغة هذا المبدأ «الديمقراطية المركزية».

البيروقراطية:

نشأت عقلية بيروقراطية خطيرة في الحزب، بسبب التضييق على الديمقراطية الحزبية، وتعمير القيادات الأساسية في مراكز المسؤولية والارتباط بالمصالح الخاصة. لقد أحبطت القيادة عملية النقد البناء، وقضت على روح المبادرة، وحالت دون تطوير أساليب عمل الحزب، واعتبرت نفسها المرجعية المطلقة والصائبة التي لا تخطئ، وتجاهلت إمكانية تطور الرفاق، فنشأت علاقات تناقض بين القديم المهترئ والجديد الناشئ المتطور، وفسرت وطبقت النظام الداخلي كما يتفق ومصالحها وبقائها على رأس الحزب.

أفرزت البيروقراطية سلوكية ووضعاً خطيراً في الحزب، كالثرثرة والفوضى والميل للراحة، و الترهل، والتحلل من المسؤولية وظاهرة التجمعات والتكتلات وتراكم الأحقاد والضغائن.. مما شكل أساساً لخلافات سياسية وتنظيمية، ظاهرة أحياناً ومخفية أحياناً أخرى، كان يمكن حلها في إطار النقد والنقد الذاتي، واحترام الرأي الآخر، والجو الهادئ والتحلي بسعة الصدر والروح الرفاقية والشعور بالمسؤولية ونكران الذات، وتجنيب الحزب خطر الانقسام.

«إن البيروقراطية هي العدو اللدود للديمقراطية. فالنضال ضد البيروقراطية شرط ضروري من أجل الديمقراطية، ويتحقق النصر عندما تسهم قواعد الحزب بالنقاش ووضع القرار، وتوسيع حقوق الأعضاء، والمحافظة على مبادئ الديمقراطية، ومحاسبة المسؤولين في القيادة، ومسؤوليتهم أمام الناخبين، وحرية التصويت على قضايا الحزب ومناقشتها والرقابة والنقد».

مسألة الكادر:

لقد ظل الكادر الحزبي ضعيفاً وغير كاف عددياً، بسبب عدم إيلاء هذه القضية الأهمية الكافية من قبل القيادة. فغالباً ما كان الاختيار يخضع لاعتبارات وأساليب غريبة عن المبادئ الماركسية اللينينية، (شخصية، قرابة، صداقات...).

كما بقي مفهوم الكادر مقتصراً على الناحية التنظيمية، بينما غابت الرؤية عن أهمية الكادر السياسي والاقتصادي والأيديولوجي في الحزب. فالاهتمام بالحزب يقتضي، قبل كل شيء، الاهتمام بالكادر، عصب الحزب، لأنه لا يمكن أن يتطور الحزب بدون توفر كادر حزبي، عملي، واع متمرس. وهذه المسألة لن تنجز بقرار، بل تتم من خلال النشاط العملي واتباع خطة معينة لبناء الكادر المطلوب.

المراحل:

1. أن يتم اختيار الكادر وفق سمات عملية وسياسية وطبقية معينة (وسط شعبي، القدرة على تحمل المسؤولية وحل المشكلات، حسن المبادرة، الإخلاص لقضية الشيوعية، الاهتمام بسياسة الحزب والنضال الطبقي).

2. التثقيف: إقامة مدرسة حزبية، ووضع برنامج تثقيفي محدد، يخضع له جهاز الكادر.

3. الناحية العملية: التدرج بالمهمات الحزبية، وتدريب الكادر على الصلات الحية بالجماهير، وضرورة الوفاء والإخلاص لمصالحها.

4. خضوع الكادر لمراقبة تنفيذ مستمرة، ومعرفة أين أصاب وأين أخطأ، ومساعدته في تنفيذ مهامه خلال فترة تدريبه، وتعزيز عنصر الثقة بالنفس لديه.

5. التحلي بالمبادئ التالية: حب الوطن، احترام ملكية الشعب، التضامن الأممي، إزالة استغلال الإنسان للإنسان، روح التعاون، احترام الآخرين، العلاقات الاجتماعية الرفاقية والإنسانية.

 

■ حسين الشيخ ـ دير الزور