المهام الأساسية الراهنة 

مقدمة ضرورية:

ابتداء من الربع الأخير من عام 1999 عاد  الحزب الشيوعي السوري (في جناحيه المشاركين في الجبهة الوطنية التقدمية) عاد إلى العمل بعد عقد من الجمود والذهول الناتجين عن سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي الشرقي، وهي عودة ضرورية جاءت في وقتها وربما تأخرت قليلاً في زمن تنامت فيه الهيمنة الأمريكية سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً على بلدان العالم الثالث والعالم العربي خصوصاً، الأمر الذي يستتبع تنامياً للتفوق العسكري الإسرائيلي والصهيوني في منطقتنا.

لابد من الإشارة هنا إلى جملة مسائل جوهرية وطارئة على الحالة الاجتماعية الوطنية السورية، لابد للحزب الشيوعي السوري أن يأخذها بالحسبان في ظل اختلاف الظروف الإقليمية والمحلية السورية ومنها:

1. ازدياد حجم الضغط السياسي والثقافي على البلاد.

2. تراجع مستوى المعيشة عما كان عليه قبل عقدين.

3. تنامي هجرة الشباب المثقف والاختصاصي إلى الخارج وتنامي نفيه داخلياً باتجاه تهميشه ونكوصه القسري والاختياري.

4. تشويه عقلية وسلوك الشبيبة السورية باتجاه أمركتها كلياً أو جزئياً بتأثير وسائل الاتصال الحديثة وما يبث فيها من إنتاجات سمعية بصرية تدفع بقطاع واسع من الشبيبة إلى الانحراف. ولابد من الإشارة إلى أن مستوى التقولب الثقافي الاجتماعي لشعب ما يحدد مستوى تبعيته الثقافية والاجتماعية، ومن ثم تبعيته الاقتصادية السياسية انتهاءً بمصادرة قراره الوجودي والسياسي كلياً أو جزئياً لحساب الخارج ـ بالمعنى الفكري من سواهم واعين لهذه المسائل، لذلك فقد تسارعت الخطى لمواجهة خطر تدمير الحزب وتهميشه من قبل إحدى القيادات، ومع بداية العام 2003 قرر الشيوعيون السوريون ـ بعد توقيع وثيقة شرف فيما بينهم ـ  إطلاق حوار عام بين صفوفهم شمل جميع الشيوعيين السوريين في كافة الفصائل والأحزاب، وامتد ليطال المهتمين والمثقفين، خارج الحزب كذلك أصدقاء الحزب، وفي رأينا هو حوار لاسابق له في الحياة السياسية السورية بل لا سابق له في الحياة الوطنية السورية لأنه انطلق من  أرضية شيوعية تضم القاعدة الحزبية كوادر وأعضاء بعيداً عن تدخل القيادات الرسمية (في الحزبين الجبهويين)، حوار الغاية منه إعادة توحيد الشيوعيين عبر خطوات لاحقة للحوار منها مؤتمر استثنائي يضم كافة الشيوعيين  المؤيدين للوحدة، وهي خطوة فريدة من نوعها  سورياً وربما عربياً لأنه تضع الفعل في يد القاعدة وتقصي القيادة المعطِلة للحزب باتجاه تكوين قيادة جديدة تعبر عن كل الشيوعيين في آلامهم وآمالهم وهي حالة فريدة تاريخياً، فلأول مرة تبادر جماهير وكوادر حزب في بلادنا إلى أخذ المبادرة الذاتية وتضع ثقتها بنفسها لا بالقيادة من أجل محاولة صناعة مصيرها بنفسها، صناعة مستقبلها بأيديها بعيداً عن الأحلام والاعتماد على الرئيس أو الزعيم أو القائد، وهي خطوة ثورية انقلابية شاملة بكل معنى الكلمة سواء نجحت أم لم تنجح، وإشارة  نحو عصر جديد تضعه الشعوب بأيديها وقلوبها، وتخط لعصر استبدادي أسود كانت الجماهير فيه محكومة من قبل أشخاص عوملوا كآلهة وقيادات تعتبر نفسها «تاريخية» و «حكيمة».

- وثيقة «مهامنا السياسية الأساسية»

من ضمن الوثائق وأوراق العمل  التي يوزعها الشيوعيون السوريون في سياق عملية الحوار التي أطلقت من أجل وحدة الشيوعيين السوريين وثيقة «مهامنا السياسية الأساسية» التي حاولنا الإجابة على بعض أسئلتها الهامة. 

تبدأ الوثيقة بمقدمة جاء فيها أنه ليست الغاية من مشروع وحدة الشيوعيين «تجميع الشيوعيين كمياً في إطار تنظيمي واحد» بل الغاية «توحيد حقيقي» تتفاعل فيه الآراء والاجتهادات الفكرية والسياسية والتنظيمية على أسس الماركسية اللينينة وهذا يكون كما تقترح الوثيقة «عبر الحوار الرفاقي الجاد والمسؤول» الذي يؤدي إلى «حلول حقيقية لمختلف القضايا... (خصوصاً) المسألة الوطنية والاجتماعية والديمقراطية».

الغاية من الوحدة إذاً نوعية وليست غاية كمية، فالأحزاب لم تقم بمآثرها الكبرى بكثرة العدد إنما بقوة الإيمان، فالكثرة تكون عائقاً أحياناً لاسيما مع خفوت الإيمان العقائدي وغالباً ما تكون ضريبة الكثرة قلة الإيمان عموماً والعكس صحيح، وهذا الأمر يتعلق بنفسية «الاجتماع» نفسه، فالكثرة تولد الطمأنينة لدى أعضاء الحزب أو المجموعة أو الطائفة وكذلك تولد الشعور بالأمان وتراجع الخوف من الآخر، وعلى العكس فالقلة تولد الخوف والقلق لدى أعضاء الحزب أو المجموعة أو الطائفة، الأمر الذي يدفع القلة إلى التشبث  بالعقيدة والتلاحم مع أعضاء الجماعة وصولاً إلى اتخاذ مواقف عنصرية وتكوين نظرية عنصرية تجاه الآخر أو الآخرين قد تتحول إلى أفعال ـ أحياناً ـ في حالات الضغط الخارجي.

ليست الغاية من عملية الوحدة تجميع الشيوعيين في كيان تنظيمي واحد ولكن الغاية إعادة الشيوعيين السابقين إلى العمل السياسي وإعادة التواصل مع الشارع السوري وتجديد همم الشيوعيين الذين مازالوا في الحالة التنظيمية، كل ذلك عبر الحوار.

لكن ما هو شكل هذه الوحدة الشيوعية إذا لم تكن تجميعاً كمياً في إطار تنظيمي واحد؟ قد تكون على شكل جبهة على غرار جبهات مماثلة في أوروبا تجمع الأحزاب الشيوعية و الاشتراكية أو على شكل مجلس قيادة مشتركة يضم ممثلين عن الأحزاب والفصائل الشيوعية السورية وتكون قرارات المجلس ملزمة لكل الفصائل.

«التوحيد الحقيقي» ربما يتجسد في الحوار الحقيقي والالتزام الحقيقي بالعقيدة الماركسية في خطوطها العريضة، بهذا يتحقق التوحيد حتى ولو لم تندمج كل الفصائل في إطار تنظيمي واحد.

إن نهوض الحركة الشيوعية السورية لن يتم إلا بعقد صلح تاريخي مع الشارع السوري، لهذا لابد للشيوعيين من دراسة المجتمع السوري في ثقافته وتوجهاته التاريخية والآنية لمعرفة مكوناته وتطلعاته وعلى ضوء ذلك وانطلاقاً من جوهر الماركسية توضع خطة العمل.

 

■ اللاذقية ـ علي سليمان