إطلاق الحوارالعام من أجل وحدة الشيوعيين السوريين جذور الأزمة في الحزب الشيوعي السوري وسبل حلها

جاء في الحديث النبوي: «لكل مجتهد نصيب، فإن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران».

وعلى هذا الأساس فإن المشاركة في النقاش الدائر بين الشيوعيين السوريين حول جذور أزمة الحزب العميقة في حزبنا والتي أدت إلى تشظيه وتحوله إلى فصائل عدة كل منها يغني على ليلاه، يعد أمراً إيجابياً سواء اتفقنا مع من يساهم في هذا النقاش أو اختلفنا معه.

ومن المعلوم للجميع أن الظروف التي تمر بها بلادنا سواء أكانت من ناحية التهديدات الخارجية التي تتعرض لها، وخصوصاً من الإمبرياليين الأمريكيين أو من حيث الأوضاع الداخلية المتردية، فإن أي مجابهة لهذين الخطرين يقتضي رص الصفوف في داخل الوطن، ولن يتحقق ذلك ما لم يكن هناك حزب شيوعي موحد قوي فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، يقدم مساعدة كبرى لتصليب الجبهة الداخلية لمواجهة التهديدات الخارجية الجدية.

ومن هنا جاءت أهمية الحركة التي انبثقت من قواعد الحزب من أجل توحيد الحزب وإعادته إلى وجهه الشيوعي الحقيقي ولن يتحقق في رأينا  إلا بتوفر شرطين:

1. البحث عن الجذور العميقة لا الظاهرية التي أدت إلى انقسام الحزب وتشرذمه على مدى السنوات الثلاثين الماضية، حيث توزع إلى عدة فصائل، وكل فصيل يتشبث قادته بمواقعهم ومصالحهم التي تتعارض كلياً مع مصالح الحزب  والوطن.

2. إعادة توحيد الشيوعيين من تحت إلى فوق بعد أن أصمت قياداتها آذانها أمام أي اقتراح يؤدي إلى توحيد الحزب وإعادته إلى الجماهير.

إن الدعوة إلى توحيد الشيوعيين من تحت لفوق ليست جديدة، بل لها جذور. فقد أكد لينين على أنه لتوحيد المنظمات الماركسية في الحزب يجب الانطلاق من القواعد وعلى أساس الماركسية. وهذا ما دعا إليه ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، وفيما بعد اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.

العائشون في الماضي

ولكن مازال هناك رفاق يعيشون في الماضي ولايريدون أن يتخطوه إلى الحاضر والمستقبل. فالماضي انتهى، وصار من الواجب دراسته دراسة انتقادية شيوعية للاستفادة من إيجابياته وسلبياته، لتجاوزها من أجل إعادة بناء حزب شيوعي جديد، ينطلق من دراسة الحاضر وتشوف المستقبل بعيون مفتوحة وعقول نيرة للوصول إلى البرامج والخطط التي سيستند إليها الحزب في نضاله.

زوال الاتحاد السوفييتي

لقد وجه زوال الاتحاد السوفييتي وحل حزبه الشيوعي ضربة هائلة إلى الأحزاب الشيوعية، ولكن هذا الزوال لم يكن ابن وقته، بل كانت له جذور تمتد إلى ستينات القرن الماضي، بل يمكن القول تمتد جذوره إلى المؤتمر العشرين عام 1956 ومجيء خروشوف إلى قيادة الحزب. وبما أن حزبنا جزء من الحركة الشيوعية العالمية التي كان يقف الحزب الشيوعي السوفييتي في طليعتها، فإن كل ما أصاب هذا الحزب من تراجع وتخبط ووهن، قد انتقلت عدواه إلى الأحزاب الشيوعية في العالم ومنها حزبنا والتي انقسمت بدورها إلى أحزاب وشراذم.

وقد تبين أن كل تراجع أو تهاون في الحركة الشيوعية العالمية وعلى الأخص الحزب الشيوعي السوفييتي كان يقابله انتقال زمام المبادرة إلى العدو الطبقي العالمي المتمثل بالرأسمالية العالمية وكانت الثمرة الأولى لهذا الهجوم الرأسمالي المعاكس هو سقوط أول دولة اشتراكية في العالم ثم الضعف الشديد والبلبلة التي أصابت الأحزاب الشيوعية، حيث انتصرت الرأسمالية العالمية مؤقتاً على الاشتراكية دون أن تطلق رصاصة واحدة.

قصور نظر

أما في حزبنا فكان هناك قصور نظر في معرفة الواقع الجديد. ففي الوقت الذي كانت تقارير المؤتمرات الحزبية تؤكد على أن الحزب الشيوعي السوفييتي قوي وأن الحركة الشيوعية في خير، وأن حركة التحرر الوطني مازالت قوية، وليس فيها أي وهن أو تراجع كان الواقع غير ذلك، وإن كل من كان يخالف هذا الرأي كان مصيره الإبعاد من الحزب وتوجيه الاتهامات الباطلة إليه. وما إن هوى الاتحاد السوفييتي على غير توقع حتى انهارت جميع التحليلات انهياراً كلياً وتبين أن الأزمة كانت عميقة على النطاق العالمي والعربي.

وعندما كان النقد يوجه إلى سياسة الحزب الداخلية في مسألة التحالفات التي كانت ترتكز على الموقف الخارجي، وفي الوقت نفسه تغفل أهمية تقوية الجبهة الداخلية وإطلاق الحريات الديمقراطية وحل قضايا الناس المعاشية كان أيضاً يواجه بالصد. وقد ثبت فيما بعد أن هذا الخط كان قاصراً وساهم من جهة في إضعاف الحزب وتشظيه، وفي الوقت ذاته أضعف  الموقف الداخلي وساعد القوى الرجعية التي تريد تغيير المسار السوري داخلياً ووطنياً حتى وصلت الأمور في الوقت الحاضر إلى مرحلة الخطر.

التأييد غير المشروط

ومن الأخطاء التي وقعنا فيها أننا كنا نوافق على كل ما كان يصدر من الاتحاد السوفييتي  ومن الحزب الشيوعي السوفييتي دون مناقشة أو دون أي نقد فيما بيننا وبينهم حيث طرحت قضايا خطيرة تضعف من شان الأحزاب الشيوعية كإعطاء دور أكبر لأحزاب معينة دون أخرى في حركات التحرر الوطني وعدم الحاجة لأحزاب شيوعية، وتأييد الدول التي كانت تسمى تقدمية والتي انهارت بسرعة، وكانت تضطهد الشيوعيين ويجري السكوت على ذلك، ثم انتقلت هذه البلدان إلى نظام الخصخصة الذي لم يجلب إلا الخراب للشعوب وذهبت كل المساعدات هباء منثوراً.

كما طرحت مسألة التطور اللارأسمالي التي ليس لها أساس ماركسي أو لينيني مما زاد الحركة الشيوعية العالمية بلبلة.

صحيح أن الرفيق خالد بكداش قد أشار إلى أسباب الأزمة في الحزب الشيوعي السوري، وكانت في حينه صحيحة، ولكنها كانت المظهر الخارجي للأزمة العميقة في الحزب الشيوعي السوري وفي الحركة عموماً.

والآن بعد أن تبين الخيط الأبيض من الأسود، وعرفنا إلى أين تمتد جذور الأزمة في الحركة الشيوعية في العالم، بما فيها حزبنا صار من المهم والضروري العودة إلى الحوار والنقاش لتوحيد الشيوعيين السوريين في حزب واحد لمواجهة جميع الأخطار الخارجية والداخلية.

 

■ دمشق ـ محمود الميداني