■ وجهات نظر  آليات جديدة أم عقلية جديدة في عمل هيئات الحزب

سأحاول من وجهة نظري تناول بعض المحاور من باب المشاركة في النقاش وإبداء الرأي.

لقد كان شعار الحزب على الدوام: «الارتقاء بمستوى العمل التنظيمي إلى مستوى العمل السياسي».

بالتأكيد إن تخلف آليات العمل في هيئات الحزب كان له دور كبير في عدم تطبيق ذلك الشعار، فكما الضرورة تقتضي في الاقتصاد وعلم الاجتماع استحداث قوانين جديدة تحل محل القوانين القديمة التي أصبحت عائقاً في وجه التطور الاجتماعي، كذلك يقتضي علينا إحداث ثورة في أساليب العمل التنظيمي وآلياته وتحديداً إحداث ثورة في العقلية التي تنفذ بها الآليات.

وهذا التغيير يجب أن يكون على اتجاهين:

الاتجاه الأول:

1.  التصدي والإجابة عما يطرح في الساحة من تساؤلات عميقة تتعلق بالفكر والأيديولوجيا كنظرية ماركسية قابلة للتجديد والتطوير، وقدرتها على مواجهة الرأسمالية وأساليبها المتطورة في تجاوز معضلاتها ومطباتها، وبالتالي تكيفها مع الأحداث والوقائع  التي تفرزها الصيرورة التاريخية اقتصادياً واجتماعياً.

2. من خلال الإجابة عن الأساليب التي يجب أن يتخذها اليسار لكسب ساحة واسعة يستطيع أن يلعب فيها دوره الهام في مواجهة التيار السلفي والغيبي، والانتصار هنا في هذا الصراع الطبقي والتاريخي يتوقف على من يستطيع معرفة كيفية الوصول إلى الجماهير عبر آليات وقنوات فعالة، وباعتماده لغة حوار متطورة تخاطب عقول الجماهير آخذين بعين الاعتبار سلبيات الخطاب السياسي القديم.

الاتجاه الثاني:

أن نتوجه إلى بيتنا الداخلي لنرمم أساساته قبل أن نتوسع فيه أفقياً أو شاقولياً ولنبحث فيه وبهدوء عن أسباب هشاشته وضعفه، ومن هذه الأسباب نذكر:

1. سياسة الكادر الخاطئة: فالكادر بمجموعه يشكل عمود الحزب وعليه تقع مسؤولية البناء والتربية والتطوير، ولذلك فهذه الكوادر يجب أن تكون قوية ومثقفة ومدركة لمهامها ووظيفتها، وأن تجدد ذاتها، وإذا وجد الحزب أن هذه الكوادر أصبحت ثقيلة الخطا عليه أن يحقنها بدماء جديدة.

ففي بدايات تكوين الحزب كانت كوادره هي الطليعة، بإمكاناتها وثقافاتها وطاقاتها وقدرتها على التواصل والتجديد، أما الآن وبعد هذا التطور الهائل في التقنيات ووسائل الدعاية والإعلان واتساع مصادر ومنابع الثقافة والمعرفة، بات هذا الواقع يفرض ويشترط على الحزب أن يمتلك كادراً يرتقي بمستواه لكي يجاري ويحاكي بل وأن يتفوق على هذا الواقع. فمسألة إعداد الكادر وفق معطيات العصر الجديدة مسألة مهمة جداً تقع على عاتق الحزب وهذا ما أكد عليه ماركس حين قال: «علي أن أقوم بإعداد من سيواصلون الدعاية من بعدي».

فالسمات والصفات القديمة للكادر كأن يمتلك الكادر حداً أدنى من الثقافة لم تعد مجدية، ومع احتفاظنا بصفات الصدق والأمانة ونكران الذات وإلى ما هنالك من صفات أخلاقية، فإن الكادريجب أن تتوفر فيه مؤهلات الريادة العصرية كالمعلوماتية واللغة العالمية والثقافة العالية. حتى يستطيع أن يحلل ويستنتج الخطوات الصحيحة في هذه الظروف والمتغيرات السريعة.

إضافة إلى أن سياسة الكادر وانتقاءه ودفعه إلى الأمام كانت تترك عرضة للعفوية وحين الحاجة، وتدخل فيها الولاءات والمحسوبيات وهز الرؤوس وإلى ماهنالك من نقاط عديدة تخص سياسة الكادر يجب أن تناقش وتدرس على مستوى الحزب برمته.

2. النقطة الثانية: من نقاط ضعف البيت الداخلي مسألة عدم التطبيق الخلاّق لمبدأ المركزية الديمقراطية وتغليب الجانب المركزي على الديمقراطي، وبالتالي تغييب الديمقراطية سواء في التعامل مع الرفيق كفرد أو من خلال الممارسات الفوقية من الهيئات العليا تجاه الهيئات الأدنى. أو من خلال ممارسة الإرهاب الفكري ضد كل محاولة تجديد تظهر من هذا الرفيق أو ذاك عدا اتباع الأساليب المركزية في تقديم المرشحين بدلاً من إفساح المجال لكل رفيق يجد في ذاته الكفاءة لتقديم نفسه وترك الحسم بيد القواعد في اختيار الأفضل.

3. النظام الداخلي: هذا النظام الداخلي، عدا الثغرات الموجودة فيه، يطبق إلى الحد الذي تعترض فيه بنوده على مصالح فرد أو هيئة معينة، فعندها يجب أن يداس بحجة الظروف أو وجود تكتلات أو مؤامرات..إلخ.. وهذا يقودنا إلى سؤال: ماهي الضمانات إذاً كي لايداس النظام الداخلي الجديد؟

برأيي، هذه الضمانات ليست بيد فرد أو جهة معينة، وبالتأكيد لاتأتي من خارج الحزب، إنما تأتي من خلال وعي رفاقنا وقواعد حزبنا بحيث يطبق شعار عضو الحزب سيد الحزب وبحيث لايقف أي رفيق مكتوف الأيدي تجاه أبسط خرق لتطبيق النظام الداخلي وبنوده، وأن يأخذ هذا النظام الداخلي بعين الاعتبار عدة نقاط:

■ مسألة الأبدية في تبوأ المركز القيادي، بحيث لايتعدى أكثر من دورتين للرفيق القيادي، وكل دورة أن لاتتجاوز أكثر من أربع سنوات، وإذا أكمل الرفيق الدورتين بنجاح، يتحول إلى أحد المكاتب النوعية الموجودة في الحزب ليساهم فيها بخبرته وكفاءته على تطوير هذه المكاتب. وبهذه الخطوة نقطع الطريق أمام الرفيق ومحاولاته في جمع الأزلام وتشكيل الكتل.

■ أن ينص النظام الداخلي الجديد على مبدأ ترشيح المنظمات القاعدية لممثليها إلى كافة المجالس والإدارات.

■ إجراء استفتاء لأخذ رأي أعضاء الحزب حيال الأحداث والقرارات والمنعطفات الحاسمة في تاريخ الحزب.

■ تحويل المكاتب واللجان النوعية في مجمل مفاصل الحزب إلى هيئات يحق لها أن تمارس دورها التنظيمي كما باقي الهيئات.

4. المكتب السياسي: والذي يعتبر حالياً هيئة عليا فوق اللجنة المركزية وتحل محلها في اتخاذ القرارات. أما الشكل الجديد المناط بهذا المكتب فيجب أن يتحول إلى مكتب يضم في داخله رفاقاً نوعيين بغض النظر عن أعمارهم التنظيمية، أي أن يضم كفاءات وخبرات في مجالات الفكر والاقتصاد والسياسة...إلخ. وأن تكون مهمة المكتب تقديم دراسات وأبحاث نوعية تفيد في تطوير وتثقيف أعضاء الحزب.

5. الإعلام وصحافة الحزب: وهو الهيكل الذي تبنى عليه لحمة الحزب. فالجريدة المركزية وحدها، وبعددين في الشهر لاتستطيع أن تغطي مجمل اهتمامات ومشاكل الجماهير،ولاحتى مجمل الأحداث العديدة والمتسارعة، فوجود «قاسيون» على الأنترنت نقطة مهمة ولكن يجب على المحافظات أن تخفف العبء  عن الجريدة المركزية، بأن تصدر في كل محافظة نشرة محلية تهتم بهذه المشاكل، وأن تتفرغ الجريدة المركزية لنشر الهام جداً من الهموم لدى المحافظات، عدا ضرورة وجود مجلة تهتم بنتاجات  الرفاق والأصدقاء الفكرية والأدبية.

6. أشكال التنظيم: يجب إعادة النظر في شكل وقوام ومهام فرقنا ومختلف هيئاتنا، بحيث تتحول من هيئات عقيمة إلى هيئات فاعلة، أن نفكر ماذا سيقدم الحزب للرفيق وماذا سيقدم الرفيق للحزب، وأن ندرس مدى إمكانية تشكيل فرق تخصصية يتكون أعضاؤها على أساس الاهتمام المشترك والميول والاختصاصات الواحدة بدلاً من أن تتكون على أساس قرب المكان.

وأخيرا ً هناك العديد من النقاط سواء في التنظيم أو الإعلام أو الفكر.. نحن بحاجة لأن نشاهد مساهمات الرفاق حول آلية تطويرها، سيراً نحو حزب يجتمع تحت سقفه جميع الشيوعيين السوريين.

 

■  حلب ـ محمود إبراهيم

آخر تعديل على الأربعاء, 16 تشرين2/نوفمبر 2016 12:51