عصر الهزّات والعواصف..!

عصر الهزّات والعواصف..!

تندرج نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في سياق التحولات الدولية الجارية في العالم أجمع، والتي تغلب عليها سمة «التغييرات العاصفة» بالشكل المباشر أو غير المباشر للمصطلح، بمعنى درجة تصاعد وتيرة التغيّر وسرعته..!

 

 

حالة الهزات هذه تظهر وكأنها أحداثاً مفاجئة، مثل الزلازل والبراكين بالنسبة للبعض، علماً بأن الضغط الأرضي والانزياحات في الصفائح التكتونية (الأرضية) على نحو متتال ومطرد، وغير منظور عادة لغير المختصين، هي من تتسبب بهذه الظواهر الطبيعية.

أما في الظواهر الاجتماعية- السياسية فقد عبّر هذا الضغط والانزياح عن ذاته مؤخراً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بأحداث من شاكلة الانقلاب التركي في تموز الماضي، وما سبقه من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بنتيجة استفتاء حزيران، ومن ثم اليوم، الانتخابات الأمريكية، التي تشكل بداية تفكك الفضاء السياسي الأمريكي القديم، بظهور شخصية من خارج المؤسسات التقليدية.

على السطح، أحدث وسيحدث كلُّ من هذه التطورات، صدمات وتأثيرات تتفاوت بدرجة أهمية البلد المعني ووزنه، إقليمياً ودولياً، ولكن في العمق فإن كلاً منها يشكل انعكاساً لفشل ما، ولتغييرات «تكتونية» كونية. فالأول مرتبط عملياً بمسار تفكك حلف الأطلسي، والثاني مرتبط بمآل الاتحاد الأوربي، والثالث بتعمق حالة الضعف والانقسام والانكفاء الأمريكي، وكلهم مرتبطون بعجز المراكز الرأسمالية، وتحديداً المركز الامبريالي الأمريكي، عن مواصلة سياساتها التقليدية في حكم العالم وإدارته، بحيث لم يَسِر أي شيء كما كانت تريد أوساط نافذة متصارعة داخل ذاك «الثالوث».

فبغض النظر عن الموقف من أردوغان ومنطقه المعاكس للمصالح العميقة للشعب التركي وشعوب المنطقة، فقد فشل الانقلاب «الأمريكي» عليه. وبالمثل دفع ديفيد كاميرون منصبه ثمن رهانه على فشل الاستفتاء، الذي دُفع إليه للخروج من الاتحاد الأوربي. وها هي الصدمة تظهر اليوم بوصول شخصية إشكالية، مثل دونالد ترامب، إلى سدة البيت الأبيض، بالتوازي مع فشل رهانات بعض الدول والقوى والتيارات، بمن فيها في صفوف المعارضة السورية، على استمرار السياسة الأمريكية «الديمقراطية» ذاتها، وكما هي، تجاه القضايا الدولية المختلفة، على الرغم من ضخامة الماكينات المتعددة التي كانت تعمل دعماً لهيلاري كلينتون، وهو ما يتجلى اليوم بحالة الخوف والترقب والحذر والهلع، وتحديداً من قبل «أيتام ماما أمريكا»، سواء في الخليج، أم في أوروبا، أم لدى بعض المعارضين السوريين، وتوجسهم من إعلان الرئيس المنتخب «التركيز على الداخل الأمريكي»، أي تغيير «قواعد اللعبة الأمريكية».

السؤال هنا: هل تمثل هذه الإعلانات حالة رغبوية ذاتية تنم عن «طيبة ولطف شخص وطني أمريكي»؟ أم أنها في الحقيقة انعكاس لمستوى الاستياء الشعبي الأمريكي الذي أوصل ترامب «نكاية» بالنموذج القائم، مثلما هي انعكاس لدرجة تصاعد وتعقد الأزمة الأمريكية الشاملة، والانقسامات الداخلية التي تحدثها على الصعد كافة، والتي اضطرت كلينتون للإقرار بوجودها مؤخراً، وهي «متفاجئة»..!؟

إن حقيقة أن الفترة الفاصلة فيما بين هذه الأحداث الكبرى الثلاثة (التي جيء بها كأمثلة لا أكثر) لا تتجاوز ستة أشهر، هي ما تسمح لنا بالقول إن «الانقلابات»، أو التغييرات السريعة، ستشكل سمة التحولات الجارية على المدى المنظور، التي ستتطور على أساس عاملين رئيسيين مترابطين ومتفاعلين مع بعضهما، أولهما: استمرار تفاقم الأزمة الأمريكية، وأية وسائل «مبتكرة» للتخفيف من وطأتها، على اعتبار أن لا مخرج نهائي وحقيقي منها بحكم طابعها البنيوي العميق إلا بتغيير البنية ذاتها، وثانيهما: موازين القوى الدولية المتدحرجة والتي ستعطي، مرحلياً، كل ذي وزن وزنه الفعلي، خلافاً للإحداثيات والمقاييس الأمريكية- الغربية السابقة.