اجتماع الجبهة .. مهام مؤجلة
انتهت أعمال الاجتماع السنوي للجبهة الوطنية التقدمية الذي ضم القيادة المركزية للجبهة وأعضاء المكاتب السياسية للأحزاب المشاركة في الجبهة وقيادات فروعها بالإضافة إلى حضور حزبين بصفة مراقب، ولم يعلن أي شيء عن القرارات أوالتوجهات أو التوصيات التي تم التوصل إليها.
والجبهة كونها الجهة السياسية الأساسية في المرحلة الحالية فإن الإعلان عن اجتماعها لقي اهتماماً من قبل المتابعين للتطورات الجارية في البلاد. وخصوصاً بعد جملة الانتقادات التي وجهت لأحزاب الجبهة في الصحافة المحلية، والتي وصفت بعض قياداتها بالعجز عن القيام بأي مبادرات مهمة، وبالعزلة عن الجماهير واكتفائها بالعمل من وراء المكاتب. («قاسيون» افتتاحية العدد 188).
وقبل انعقاد الاجتماع الموسع للجبهة طلب من الأحزاب المشاركة تقديم تصوراتها عن شكل انتخابات مجلس الشعب القادم، وكانت قد دارت مناقشة بين بعض فرقاء الجبهة حول تطوير الحياة السياسية في البلاد.
وقد انتقل النقاش من داخل الجبهة إلى صحافة بعض أحزابها وصحف لبنانية أخرى.
وجاء اجتماع الجبهة ضمن إطار النقاش الحاد الدائر حول شكل التطور الاقتصادي في البلاد والأفكار الشديدة الخطورة التي تُطرح الآن في بعض الأوساط والتي يفترض من الجبهة وأحزابها أن تتخذ موقفاً واضحاً منها.
وكذلك في إطار البحث عن أشكال التصدي للنشاط الأمريكي الإسرائيلي وإشراك جماهير الشعب في النشاط الاحتجاجي على السياسية العدوانية الأمريكية وغير ذلك من المسائل الهامة والملحة والآنية، والتي تتطلب الإجابة السريعة وخصوصاً في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ سورية، والتي يتوقف على حسن حلها الكثير، مما سيحدد مستقبل التطورات في البلاد والمنطقة.
ويبدو أن أياً من هذه المهام لم تبحث في الجلسات المتتالية لدورة اجتماعات الجبهة، والتي انتهت بتقديم تحليل سياسي من قبل السيد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية.
إن عدم معالجة هذه القضايا الملحة يمكن أن يكون له عدة تفسيرات:
■ أن يكون مركز اهتمام بعض قيادات الأحزاب المكونة للجبهة ليس مطابقاً تماماً للقضايا الملحة التي تهم جماهير الشعب.
■ إحجام بعض قيادات أحزاب الجبهة عن النشاط الجماهيري المباشر لأحزابها المبني على تخوف، وصل إلى حد رفض أي جديد وأي قوننة للحياة السياسية والذي يعني بالتأكيد إخراج هذه القيادات من الساحة السياسية. وهذا الموقف معرقل للتطور بكافة معانيه.
■ تأجيل حسم النقاش حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية لفترة أخرى.
أن تأجيل هذه القضايا الملحة أو عدم بحثها أمام الاجتماع الموسع للجبهة ليس في مصلحة أحد، وإن إبقاء الوضع في القضايا التي تتطلب الحل على حاله أو تأجيل اتخاذ القرار فيما يخص القضايا الملحة المطروحة، وكذلك دور الجبهة والقوى السياسية الأخرى المكونة للحياة السياسية في البلاد، كل ذلك سيؤثر سلبا ًعلى مجريات التطور اللاحق. فالوضع الحالي يتطلب الإسراع المتريث في اتخاذ القرار وليس التريث البطيء. وإذا كانت بعض أحزاب الجبهة غير قادرة على المشاركة في اتخاذ القرار الشجاع أو صياغة التصورات والتوصيات اللازمة، فإن التاريخ والمستقبل سيحملها مسؤولية كبيرة.
إن إشراك حزبين في أعمال الاجتماع من خارج الجبهة هو عمل هام وجدي.
ولكن مواجهة الأخطار الأمريكية الصهيونية يتطلب جبهة داخلية متينة، ويمكن لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أن تلعب دوراً هاماً في ذلك إذا انطلقت من مسلمة: أن الطيف السياسي الوطني هو اليوم أوسع مما تمثله أحزاب الجبهة ، وفي حال أصرت بعض هذه الأحزاب على التقوقع على نفسها نافية أي وطني خارج إطارها، فإن ضرورات النضال اللاحق ستفرض تجاوزها. وتبقى مهمة تنشيط الحياة السياسية في البلاد على أرضية وطنية ديمقراطية صلبة قائمة وملحة، ودون ذلك فإن الصعوبات ستزداد ولن يستفيد من ذلك إلا القوى المتواطئة مع العولمة المتوحشة ومخططاتها الاقليمية التي تستهدف كرامتنا وسيادتنا الوطنية.