الفريق الاقتصادي: نتائج واستنتاجات

انتهى العمر السياسي للفريق الاقتصادي، وهو يعيش اليوم في وقته المستقطع الأخير.. وكما للإنسان عمران: عمر بيولوجي، وعمر واقعي، وهما لا يتطابقان عادة.. فإن للسياسات أيضاً عمرين: العمر الحقيقي والعمر الآخر المرتبط بانتهاء صلاحيتها الفعلية أم لا.. وكما العمر البيولوجي يمكن أن يتقدم أو أن يتأخر عن العمر الواقعي، فإن العمر السياسي يمكن أن يتقدم أو يتأخر عن العمر الواقعي للسياسي إن كان حزباً أو شخصاً أو مجموعة أو فريقاً اقتصادياً.

والوقائع تدل على أن العمر السياسي لفريقنا الاقتصادي قد انتهى قبل أن ينتهي عمره واقعياً.. وهي أسوأ حالة يمكن أن تصيب أحداً، أي أن يتحول إلى جثة وهو حي..

فما هي هذه الوقائع:

1 ـ الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العظمى التي تؤكد بتداعياتها أن الذي ينهار ليس الليبرالية فقط كنهج ضمن الرأسمالية، بل الرأسمالية نفسها وكلها بمختلف مدارسها، في النظرية والتطبيق. وتعود الماركسية بزخم من جديد لتؤكد أنها على قيد الحياة، وأن الذين استعجلوا دفنها هم الذين يتهيأ العالم لدفنهم اليوم.. وليس مصادفة أن رشح مؤخراً بول غريغ روبرتس، Paul Graig Roberts وزير الخزانة لدى إدارة ريغان ماركس ولينين لنيل جائزة نوبل في الاقتصاد، هذه الإدارة التي كانت في أساس الليبرالية الجديدة لأن كل ما قالاه تأكدت صحته..

لقد بنى الفريق الاقتصادي رؤيته على مقولة قطار العولمة الذي يجب ألا يفوتنا، وطبعاً المقصود هنا العولمة الامبريالية بنهجها الليبرالي المتوحش... ومع انحسار هذه الموجة عالمياً، وفي المراكز الرأسمالية خاصة، فمن الطبيعي أن تنحسر في الأطراف.

2 ـ كل أنهار الحليب والعسل التي وعد بها الفريق الاقتصادي الشعب السوري في بداية عهده، تبين في النتيجة أنها أدت إلى مزيد من البطالة والفقر، وتشوه في البنية الهيكلية للاقتصاد السوري. واليوم حينما ستقيّم الخطة العاشرة سيتبيّن أنها لم تستطع في أحسن الأحوال أن تحقق 50% من الأرقام التي وعدت بها.. فهل من فشل أكبر من هذا؟ إن معيار النجاح الحقيقي هو الممارسة.. والنتائج تتكلم عن ذاتها اليوم... ونتمنى ألا يلجأ أحد اليوم إلى فزاعة أنه لو لم يتم تطبيق هذه السياسات لكانت الكارثة بانتظارنا.. فالحياة أثبتت أن هذه السياسات هي الكارثة بعينها إذا استمر تطبيقها.

3 ـ أدت هذه السياسات الاقتصادية إلى توتر كبير في المجتمع، وكان من أفضل المعبرين عنه اتحاد نقابات العمال والاتحاد العام للفلاحين، اللذان وصلت بهما الأمور للتعبير بالفم الملآن عن مواقفهما، مع أن هذه المنظمات الشعبية هي جزء مكوّن أساسي من النظام السياسي في سورية، ما يدل على درجة الحرارة التي تقترب من الغليان في المجتمع، فهذه المنظمات هي موضوعياً قريبة من الجمهور الواسع، ولا يمكن إلا أن تتحسس نبضه في نهاية المطاف.

4 ـ وليس الأقل أهمية أن كل السياسات الاقتصادية التي رسمها الفريق الاقتصادي، أخذت بعين الاعتبار متطلبات الشراكة الأوروبية قبل توقيعها، وبعد توقيعها بالحروف الأولى على أمل توقيعها النهائي، بما تتضمنه من شروط واضحة وغير واضحة لا يمكن اعتبارها إلا تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد وفيها مساس ما بالسيادة الوطنية... وجاءت خطوة التريث بالتوقيع النهائي لإعادة دراسة الاتفاقية التي طلب وزير الخارجية السوري من نظيره الأوروبي في مؤتمرهما الصحفي في دمشق مؤخراً أن يشرحها له، ضربة قاصمة لطموحات النهج الاقتصادي الليبرالي بالربط السريع للاقتصاد السوري بالاقتصاد الرأسمالي العالمي من موقع غير متكافئ، وهي بحد ذاتها تلغي أحد مبررات وجوده واستمراره.

إن التاريخ السوري الحديث سيشهد أن هذا الفريق الاقتصادي قد أمّن أوسع وحدة وطنية قلَّ نظيرها، ولكن ضد سياساته.. فإن كان سيشكر على شيء فيجب أن يشكر على ذلك فقط.

إن الوضع العالمي والإقليمي يتطلب تجاوز السياسات الاقتصادية التي أثبتت عجزها وفشلها، والسير نحو صياغة سياسة اقتصادية اجتماعية تؤمن أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية، وذلك غير ممكن دون الاعتماد على الذات وتعظيم نقاط القوة في الاقتصاد السوري كي يصبح إنتاجياً حقيقياً، قادراً على المنافسة، مما يتطلب دوراً فعالاً ذكياً للدولة.. وللبدء في ذلك يجب إزالة الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية الليبرالية في كل المجالات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.