سلوك موسكو ورسالتها

سلوك موسكو ورسالتها

بعيداً عن المهاترات السياسية الضيقة والمواقف المعلّبة المسبقة، ولكن وسط تزايد تعقد و«ضبابية» المشهد السوري مؤقتاً، ماذا يكمن خلف مجمل السلوك الدبلوماسي والعسكري الروسي فيما يتعلق بسورية؟

ولماذا تعلن موسكو هدنات متصلة في حلب؟ ولماذا تشدد على ضرورة الإفساح في المجال لخروج المدنيين؟ ولماذا تشدد على ضرورة الالتزام قدر المستطاع بمراعاة العناصر الضرورية كلها ذات الصلة، مثل الإغاثة والمساعدات وحماية السكان وتطبيق كل ما له علاقة بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني؟ ولماذا تبدو متمسكة باتفاقها «الخماسي» مع واشنطن حول سورية؟ ولماذا تدعو إلى تعاون جدي ومشترك في مواجهة الإرهاب، بعيداً عن استخدامه كوسيلة أو ذريعة أو شمّاعة من أي طرف كان، كل لغاياته؟ ولماذا تشدد- بشكل شبه منفرد مؤخراً- مع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على أن الحل السياسي على أساس مختلف القرارات والبيانات الدولية ذات الصلة، بما فيها جنيف1 و2254، هو المخرج الوحيد من الأزمة، التي لا حل عسكرياً صرفاً لها، وأن الإرهاب والإرهابيين، وداعميهم، من أطراف الصراع المتعددة، هم من يبعدون آجال إطلاق ذاك الحل؟

إن ترابط مختلف عناصر هذا السلوك يؤكد على: أن الأولوية من وجهة نظر روسيا هي للحل السياسي الذي يحافظ على سورية كوحدة جغرافية سكانية واحدة، وأن إجراءاتها العسكرية المختلفة، بما فيها حتى «استعراض» القوى في بحور العالم وصولاً إلى الشواطئ السورية، هي في خدمة الوصول إلى ذاك الحل وإنجاحه، ولا شيء غير هذا، وأن ذلك هو موقف روسي ثابت لا تراجع عنه.

وعملياً، فإن ثبات هذا السلوك ووضوح غاياته من منظور موسكو- رغم البرود الاحتوائي لمختلف الخصوم الذي يعتريه أحياناً- هو ما يضطر بقية الأطراف المتورطة في الصراع السوري للبقاء عند تخومه المختلفة، مع امتلاك هوامش للمناورة والمماطلة بالطبع. ولكن متى كانت واشنطن وحلفاؤها تذهب- مضطرة- إلى إدانة بعض ممارسات المسلحين، في تطور غير مسبوق في سياق الكارثة السورية؟

على المقلب الآخر، تدفع محصلة السلوك الأمريكي نتيجة تصارع المصالح والمراكز المختلفة في داخل الولايات المتحدة بواشنطن نحو الانحشار بالزاوية أكثر..! فحقيقة أنهم أعطوا للروس وعوداً لم ينفذوها، تبيّن أن الصعوبة لا تكمن في إمكانية أو عدم إمكانية فصل المسلحين المدعومين من واشنطن عن جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المصنفة إرهابية، ولا في إمكانية قيام محاربة مشتركة لهذه التنظيمات، بل في غياب الإرادة الأمريكية لتحقيق ذلك أساساً، بما يعني تبديد الأوهام والرهانات المختلفة، من أي طرف كان، على احتمال وجود دور أمريكي إيجابي، مع تحول الحكومة الأمريكية عملياً إلى معيق سافر للحل السياسي. وهذا ما يؤكد حقيقة السلوك الأمريكي ووعوده الخلبّية طيلة الفترة المنصرمة لبعض القوى الإقليمية أو السورية، على اعتبار أن المماطلة الأمريكية إنما تعد أحد أبرز أسباب الحفاظ على البيئات الضرورية لنمو الإرهاب وتمدده، وهي مماطلة مقترنة برغبة ومصالح الأوساط الفاشية الأمريكية. وهذا يعني بمجمله: أن ثبات مواقف موسكو ووضوحها يحاصران الأمريكيين في زاوية الدعم العلني للإرهاب، في حين يبرهن الأمريكيون على ذلك، حتى الآن..!

في المحصلة، ووسط محاولات التعطيل الأمريكية المؤقتة، فإن رسالة موسكو، الكامنة خلف سلوكها على المستويات المختلفة، هي واضحة للخصوم والحلفاء على حد سواء: ينبغي بذل الجهود كلها الكفيلة بتسهيل وتيسير الانتصار في معركة الحل السياسي، وليس أية معركة أخرى. وأن الهدنات بهذا المعنى، هي معارك سياسية يجري كسبها تحضيراً للمعركة الأكبر: معركة الحل السياسي المستند إلى القرارات الدولية، التي أسهمت موسكو إلى حد كبير في صياغتها وبلورتها، وإلى التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية الجديدة، ولكن بما يفتح الباب جدّياً أمام إطلاق التغيير السوري المطلوب.

آخر تعديل على الأحد, 06 تشرين2/نوفمبر 2016 14:57