الافتتاحية من يملك يحكم.. ومن لايملك لايحكم

 ● مع تصاعد موجة الحديث عن استئجار وتأجير شركات القطاع العام، تعود إلى الواجهة بحدة قضية مآل التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي في سورية والنتائج المترتبة عليه.

فسورية التي تعد نفسها حتى هذه اللحظة دولة مواجهة مع المخططات الإمبريالية الأمريكية والصهيونية في المنطقة، لاتستطيع أن تتعامل بتلك الخفة التي تعاملت معها أنظمة أخرى في قضية وضع قطاع الدولة ومستقبله.

فالذي يسعى إلى رضى حكام العالم الحاليين، لابد له من تنفيذ طلباتهم لإثبات حسن نيته للحصول على شهادة حسن سلوك.

أماالذي يهمه أمنه الوطني بالدرجة الأولى بمعناه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فإنه ينطلق من ذلك، ولابد له من رفض الوصفات التي يحاول البعض أن يفرضها علينا.

وكي تسمى الأمور بمسمياتها فإن موضوع  الخصخصة، بغض النظر عن الشكل الذي يمكن أن ترتديه، إن كان بيعاً أو تأجيراً أو استثماراً، هو ليس موضوعاً كما يحاول البعض أن يوهمنا، متعلقاً بفعالية قطاع الدولة أو عدمه، أو متعلقاً بربحه أو خسارته، كما أنه في ظروف العالم اليوم ليس موضوعاً مرتبطاً بتحقيق أو عدم تحقيق درجة معينة تكبر أو تصغر من العدالة الاجتماعية، بل إن الموضوع قد تعدى ذلك إلى مجالات أخرى لها نتائج بعيدة المدى وخطيرة إذا قسنا الأمور من زاوية المصلحة الوطنية العليا ومستقبل البلاد.

● فالخصخصة كما أثبتت تجارب كل البلدان التي سارت عبر هذا الطريق، هي أداة أساسية في إضعاف الأمن الوطني، وبالتالي إضعاف بنية الدولة والمجتمع.

فإذا كان قطاع الدولة بتطوره تاريخياً قد وسع السوق الوطنية، وكان عاملاً هاماً في توطيد الكيان الوطني، فإن فكفكته ستلعب دوراً معاكساً، وستؤدي موضوعياً إلى تضييق السوق الوطنية وإضعافها أمام الغزو الاقتصادي الخارجي الذي سيسهل عليه هضم ماسيبتلعه من اقتصادنا على حساب لقمة الشعب وثروة الدولة.

وخلاصة القول، إن قطاع الدولة رغم ما يمكن أن يقال عن سلبياته، هو قوة موحدة وجاذبة، أما الخصخصة فهي خطوة إلى الوراء بالمعنى التاريخي، وتشكل قوة نابذة تقسيمية وغير موحدة بتاتاً بسبب الظواهر السلبية الاجتماعية التي ستخلفها وتعمقها.

لذلك إذا نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية، وبالارتباط مع مخطط «الشرق الأوسط الكبير» الذي تسعى الإمبريالية الأمريكية لفرضه، فسنرى أن الخصخصة هي موضوعياً إحدى الأدوات الهامة وذات التأثير البعيد المدى للفوضى الخلاقة، وبالمحصلة فالبعد الوطني فيما يخص آثار الخصخصة بغض النظر عن شكلها هو بعد مباشر.

● من جهة أخرى فالخصخصة تؤدي موضوعياً إلى تغيير علاقة الطبقات الاجتماعية ببعضها بعضاً، وتحدث خللاً في البنية الاجتماعية، وتعيد النظر عملياً بتركيبة الدولة ووظائفها بالارتباط مع الطبقات الاجتماعية المستفيدة والمتضررة من الموضوع.

فالدولة المالكة لقطاع دولة قوي وفعال، قادرة على التحكم بمسار التطور، أكثر بكثير من تلك الدولة التي تخدم مالكي الثروة الذين يقررون هم مسار التطور على أساس مصالحهم استناداً للحقيقة المعروفة: من يملك يحكم ومن لايملك لايحكم. فالدولة المالكة تحكم، أما الدولة غير المالكة فهي محكومة من المالكين الذين يرون فيها مجرد أداة تنفيذ لسياساتهم ومصالحهم، ولامجال بتاتاً للتوفيق بين الصيغتين فإحداهما ستفرض نفسها حسب مايتطلبه الواقع الموضوعي نفسه.

● وإذا انتقلنا إلى الواقع السوري الملموس فإن الوضع هو كالتالي:

● قطاع دولة واسع نسبياً، استطاعت قوى النهب والفساد أن تخصخصه فعلياً من حيث توزيع الثروة، وهي تريد إنهاء هذه العملية بخصخصته قانونياً، فبقاء شكله عاماً وجوهره خاصاً لم يعد ممكناً، لأن هذا التناقض بين الشكل والمحتوى يعيق كل عملية التطور، وتظهر إفرازاته في تباطؤ مستوى النمو وتدهور مستوى المعيشة وازدياد البطالة.

وإذا استطاعت قوى الفساد أن تخصخص قطاع الدولة قانونياً فإن ذلك على المستوى العملي لن يعني إلا تراجعاً عاماً شاملاً يصل لحد الانهيار في مستوى النمو والمعيشة وقضية البطالة.

 

ويبقى الحل فعلياً استعادة قطاع الدولة لمحتواه الاجتماعي عبر إعادة ثروته التي ينتجها إلى المجتمع وإلى الدورة الاقتصادية، أي المطلوب عملياً إعادة تأميم قطاع الدولة ووضعه في خدمة المجتمع والأجيال المقبلة، وهذه العملية تعني في ظروفنا القضاء على الفساد والنهب الكبير الذي يطال الدولة والشعب وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.