عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

أحداث في الذاكرة صور من التاريخ النضالي للشيوعيين السوريين

أطلقت جميع أجهزة الأمن والمباحث في الجمهورية العربية المتحدة في 1/1/1959، حملة شاملة لاعتقال الشيوعيين، وقامت بتنفيذ مداهمات على بيوت المعروفين منهم، وخاصة القيادات والكوادر النشيطة، واعتقلت المئات منهم في سائر المدن السورية، وسرعان ما أعقبها انتشار أخبار التعذيب الوحشي في أقبية وزنزانات أجهزة الأمن، فساد البلاد جو من الإرهاب والخوف والحذر، إلى درجة أن معظم المواطنين بدؤوا يشكون في أقرب الناس إليهم، خوفاً من أن يكونوا قد ارتبطوا بالمباحث..

منظمة الحزب الشيوعي في الجزيرة، لم تتأثر بهذه الحملة الظالمة، فبقيت أغلب منظماتها سليمة، تمارس نشاطها السري بيقظة وحذر شديدين، فعملت على فضح الدكتاتورية والإجراءات القمعية التي أساءت بشدة للوحدة فكرة ومفهوماً، وراحت تذكّر وتشيد بالبنود الثلاثة عشر التي طرحها حزبنا الشيوعي، كبرنامج ديمقراطي تقدمي سليم، كان يمكن أن يؤدي إلى التفاف الجماهير الشعبية أكثر حول الوحدة السورية - المصرية والدفاع عنها..

 كما عملت المنظمة على توسيع الصلات بالجماهير، وكتبت الشعارات المنددة بالقمع على الجدران، ووزعت النشرات في الأسواق والأحياء الداعية لوقف الاعتقال السياسي والإفراج عن المعتقلين، الأمر الذي أدى لإثارة جنون المباحث أكثر فأكثر.

راحت المنظمة تراسل القيادة مرة واحدة كل شهر، وتتلقى تعليماتها وشرحها للوضع السياسي الداخلي والخارجي، وكنا نحتاج إلى عشرات النسخ من هذه المنشورات لسد حاجة المنظمة وإيصالها إلى الكثير من الأصدقاء والشخصيات الوطنية المناهضة للسياسات الأمنية السائدة.. وقد طرحنا في منطقية القامشلي إمكانية تشكيل فريق لنسخ منشور «الوضع السياسي» بأعداد كافية، فتصدى للمهمة الرفيق زوراب الذي كان مسؤولاً عن فرعية الطلاب..

الرفيق يوسف عيسى (أبو خلدون) القائد النقابي البارز كان في عهد الوحدة طالباً في الإعدادية، وقد تقبل بطيب خاطر تنفيذ هذه المهمة الخاصة، فدرس وضع بيوت أعضاء الفريق الذي اختاره، لكنه لم يجد بينها بيتاً مناسباً لتنفيذ هذه المهمة.. فأشرك صديقاً مخلصاً في هذا الفريق، وهو حفيد رجل دين محترم يسكن حوشاً واسعة فيها غرف كثيرة، وبحجة الدراسة المشتركة راح الفريق ينسخ منشور «الوضع السياسي» في إحدى غرف رجل الدين الآمنة دون أن يلفتوا الانتباه.

وهكذا تمكنا بواسطة هؤلاء الشجعان، أن نؤمن العدد الكافي من «الوضع السياسي»، الأمر الذي سمح لنا بالتوسع التنظيمي وتوضيح موقف حزبنا من الوحدة، وإغاظة رجال الأمن وإفهامهم أن الحزب الشيوعي قوي ونشيط ولم يتأثر بالاعتقالات الكبرى التي طالت معظم أعضائه المعروفين.

فتحية عطرة إلى هؤلاء الشبان الأشاوس ولجهودهم المثمرة المضنية.