«... أحلاهما مرّ»!

«... أحلاهما مرّ»!

تدفع الجهود الدبلوماسية والعسكرية الروسية الخاصة بمعالجة الأزمة السورية، مع منعكسات تلك الجهود على المستويات السياسية الدولية والميدانية السورية، ولاسيما فيما يتعلق بمعركة حلب الآن، بأصحاب القرار في واشنطن لمواجهة ساعة الحقيقة والوقوف أمام خيارين، أحلاهما مرّ..!

 

 

فبعد سنوات من المراوغة والنفاق والمماطلة والتغاضي والدعم غير المباشر لمختلف تنظيمات الفاشية الجديدة المصنفة إرهابية دولياً، والناشطة في سورية، باتت المعضلة الآن أمام أصحاب القرار هؤلاء هي: إما المشاركة الجادة والفعلية مع موسكو في محاربة «النصرة» و«داعش» ورفع الغطاء عنهما، أو جلاء حقيقتهم العارية كما هي أمام القانون الدولي بوصفهم رعاة فعليين وسافرين للإرهاب، أي أن واشنطن حلت محل القوى الإقليمية في ثبوت دورها في دعم الإرهاب وتبنيه صراحة، وهما حالتان يشكل كل منهما انعكاساً للصراع الداخلي الأمريكي، وعامل تسعير له باتجاه تعميق حدة التراجع الأمريكي العام في نهاية المطاف.

في بعض تفاصيل هذه المعضلة، وعلى اعتبار أن الأدوات الفاشية الجديدة هي حقيقتها أداة رئيسية لدى الأوساط الأكثر رجعية في رأس المال المالي الإجرامي العالمي، وبمركزه الأمريكي، فإن مشاركة واشنطن في محاربة الإرهاب جدياً يعني مشاركتها في محاربة تلك الأوساط الأمريكية من شركات أمنية واستخباراتية وفي داخل المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وهي حالة تشابه ما جرى في ثلاثينيات القرن الماضي مع اضطرار الغرب للمشاركة في القضاء على النازية والفاشية في حينه بعد وصول القوات السوفييتية إلى الحدود الألمانية، فكان إنزال النورماندي، كيلا يعود الفضل والثمار العسكرية والسياسية والاقتصادية الناجمة عن هزيمة الفاشية إلى موسكو وحدها.

غير أن الفارق بين أربعينات القرن الماضي مع ملابسات الحرب العالمية الثانية والربع الأول من القرن الحالي هو: أن واشنطن، في الحالة الأولى كانت في حالة صعود وتحولت بعد الحرب إلى المركز الامبريالي رقم1، واستفادت من الفاشية كأداة للزعزعة بهدف الهيمنة وبسط النفوذ، وكان لديها البدائل الأخرى بوسائط الاستعمار الحديث والتوسع الاقتصادي في الأسواق العالمية البكر.

أما اليوم، ومع دخول المركز ذاته في حالة الهبوط، فإن مشاركته في محاربة النصرة وداعش- بوصفهما أدوات فاشية جديدة، لها دور وظيفي محدد يتمثل في نشر الفوضى وتفعيل الفوالق والصراعات الثانوية- تعني أنه يتخلى عن أدواته وأطواق نجاته الوحيدة المتبقية ويخرجهم من المعركة الدولية، ولكن دون بدائل هذه المرة، بحكم حدة الأزمة الرأسمالية من جهة، وانسداد الأفق من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة وجود منافسين دوليين يقومون بإيجاد الأطر المالية والاقتصادية والدبلوماسية الدولية البديلة والخارجة عن عصر الهيمنة الأمريكية المطلقة.

الفترة القريبة المقبلة ستجيب عما سيتحمله الأمريكيون، أكثر أم أقل من هذين الاحتمالين؟ وعن أي خيار سيكون لديهم حسبما تفرضه محصلة صراع أجنحتهم؟ غير أن الواضح تماماً فيما يهمّ السوريين، هو أن القضاء على داعش والنصرة دخل حيز التنفيذ، وهو معزز بقرارات وتوافقات دولية سابقة، يبقى على واشنطن إثبات التزامها بها، كتعبير عن ميزان القوى الجديد، وإلا ستكون هي ذاتها خارج الإجماع الدولي، تماماً مثلما سيكون عليها وعلى بقية أطراف الصراع السوري في الداخل والمنطقة والعالم، الالتزام بالذهاب سريعاً نحو تطبيق القرار 2254 بوصفه الإطار والمدخل لبلورة الحل السياسي للأزمة السورية، التي لا حل عسكرياً لها. 

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 تشرين1/أكتوير 2016 11:36