القوننة.. والإصلاح
بدأت الأزمة السورية تظهر مع بدء الحراك الشعبي المنتفض في الخامس عشر من آذار، في حين يؤكد البعض أنها بدأت قبل ذلك بأسابيع، لكن الحقيقة - بظني - أن هذه الأزمة كانت قد انطلقت منذ سنين طويلة، والأسباب كثيرة!
وأسبابنا - لو ذكرناها - كمحامين فقد تجلت في عمق المشكلات التي أصابت القضاء في مقتل، والركود والجمود الذي ران على قلب القوانين والتشريعات عبر سنين طوال، مدعوماً بالدستور الذي يقدس حزباً ويمنحه الدولة بجميع سلطاتها، فضلاً عن الانتهاكات والاعتداءات على كل ما سبق!
والحراك الشعبي هذا قد حرك الساكن والراكد، وأضفى على الجمود حركة لم يسبق لها مثيل، فاستفاق المسؤولون من سباتهم، وشكلوا اللجان، محاولين تطوير التشريعات والقوانين، على حد زعمهم!
لكن التنوع القانوني الإصلاحي الذي أصاب هدفه من جهة الكم، قد أخطأ التصويب والهدف والنتيجة والنوعية، فالساحة القانونية قد امتلأت بمجموعة قوانين منذ بدء الأحداث وحتى اليوم بما يكثر أن يعد، ومنها على سبيل المثال ومن تاريخه:
المرسوم رقم 101 الانتخابات العامة.
المرسوم رقم 100 المنظم للأحزاب.
المرسوم رقم 99 التعاون السكني.
المرسوم رقم 94 تخفيض رسم البدل النقدي.
المرسوم رقم 277 تعديل بعض الرسوم الجمركية.
المرسوم رقم 72 منح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 20-6-2011.
المرسوم رقم 61 منح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 31-5-2011.
المرسوم رقم 161 القاضي بإنهاء العمل بقانون الطوارئ.
المرسوم رقم 54 الناظم للتظاهر السلمي.
المرسوم رقم 53 إلغاء محكمة الأمن العليا.
المرسومان رقم 40 – 41 القاضي بزيادة الرواتب والأجور.
وكل ما ذكر آنفاً كان قد فصل فيه المحامون وأساتذة القانون بانتقادات وآراء، عبرت عن مدى الاستياء الواقع بسبب تغيير الشكل القانوني وتعدد المواد المنظمة، فيما بقي المضمون ذاته مع تغيير طفيف لا يغني ولا يسمن من جوع!
فالمطلع على قانون الانتخابات الجديد لم يجد فيه اختلافاً يذكر عما كان معمولاً به من قبل!
فيما لم يعن قانون الأحزاب حتى اليوم شيئاً مع وجود الهيمنة الحزبية الواحدة على الدولة ومؤسساتها، وبنص الدستور! أضف إليه ما شمله من خلافات مع التصور الحقيقي للمعارضة في شكل الحياة السياسية التي لا بد أن ينسجها المجتمع بخليطه، لا السلطة برأيها المنفرد!
أما قانون التظاهر السلمي الذي نظن أنه ما أقر إلا لمنع التظاهر بما رافقه من تعقيدات، وربطٍ للترخيص بموافقة السلطة التنفيذية، فضلاً عن منحه تلك السلطة إمكانية إلغاء المظاهرة أو تغيير مكانها، أي وأدها قبل أن تولد! وما شاب ذلك واقعاً من تسلط رجال الأمن على الساعين للتنظيم!
ومراسيم العفو التي استفاد منها مجموعة من صغار من اعتقل ظلماً وبهتاناً، يضاف إليهم بعض المجرمين المنبوذين اجتماعياً بجرائمهم المسيئة، قد تجاهلت تماماً المعارضين وأصحاب الرأي والموقف، ومن اتهموا بتنظيم المظاهرات، وكتابة المقالات، والنيل من هيبة الدولة - كما وجه إليهم -!
مرسوم إلغاء محكمة أمن الدولة لم يقدم سوى أحكام أخرى مماثلة، بنسخ مختلفة، يصدرها القضاء العسكري أو العادي!! في حين بقي كل من حكمت عليه تلك المحكمة الاستثنائية قابعاً في السجن، لم يفصّل المرسوم المذكور في شأنه، أو في الحكم الصادر بدرجة واحدة في حقه!
فيما حلت حالة الطوارئ بانتهاكها للحريات مسكينة أمام الحالة الأمنية الرهيبة التي وصلت إليها انتهاكات حقوق المواطنين والموقوفين والمعتقلين!
ومن المؤكد اليوم أن الأوضاع قد وصلت لحالة لم يعد معها من المجدي الترقيع والتصليح، بل باتت القوانين بحاجة إلى نفض من رأسها إلى قدميها - إن جاز القول - وبعقلية محامين وقانونيين قد فهموا الواقع، واستطاعوا التعبير عنه، لا بعقلية من وضع القانون السابق، أو بدأ لجنته بالنقل منه!
والجدير بذكره ختاماً أن القوانين والتشريعات، والتي من المفترض أن ينوء بحمل وعبء إصدارها والعمل بها الشعب من خلال ممثليه المفترضين في مجلس الشعب، لم يكن له دور بأي ذلك، بل مورس فيها الدور الدستوري الذي يمنح الرئيس هذا الحق!
ثم ما ظنكم بموقع أطلقته السلطة التنفيذية لاستطلاع آراء الشارع السوري حول القوانين الصادرة والناظمة لحياتهم، فهل تظنون أنه عمل باقتراحاتهم؟!
لعل العمل اليوم لا بد أن يكون بداية على تغيير الدستور بدستور جديد، يمنح الشعب حقوقه وخياراته، وإمكانية تمثيله جدياً، ومن ثم قد يتم البدء بعملية الإصلاح القانونية التي سيشارك الشعب فيها بكل أطيافه، وبدلالة وإرشاد أهل القانون والاختصاص!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.