جميل: التسلسل في مهام حل الأزمة إعاقة للحل والتغيير..!

جميل: التسلسل في مهام حل الأزمة إعاقة للحل والتغيير..!

عقد د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، ورئيس منصة موسكو للمعارضة إلى مفاوضات جنيف، مؤتمراً صحفياً قبل ظهر يوم الجمعة 7 تشرين الأول 2016، في مقر وكالة روسيا سيغودينيا في موسكو، تناول آفاق التسوية السلمية للأزمة السورية، وسط التطورات السياسية والميدانية التصعيدية الحاصلة.

في مستهل المؤتمر الصحفي أوضح د.جميل أن «أهم معالم فترة الأيام العشرة التي فصلت بين هذا المؤتمر الصحفي والذي سبقه هي تعليق الأمريكيين لمشاركتهم في الحوار مع روسيا بخصوص سورية، والأخطر من ذلك هي التصريحات الإعلامية التي تبعث على الدهشة والقلق، فهناك من لا يستبعد ضربة عسكرية لسورية. وحتى الألمان والإنكليز والفرنسيين كلهم أدلوا بتصريحاتهم، بعضها له نفس إيجابي، ولكن المشكلة في هذه التصريحات كلها أنها تتجاهل القرارات الدولية، تتجاهل 2254، وتتجاهل الاتفاق الروسي- الأمريكي. وإنّ تجاهل هذه الاتفاقات، في التصريحات التي يأسف بعضها لتوقف الاتصالات الروسية- الأمريكية، هو أمر خطير، لأن الأزمة السورية شقت طريقاً جديداً يختلف عن السيناريو العراقي أو الليبي. وإنّ تجاهل هذه التصريحات لهذه الحقيقة هو ليس عودة إلى نقطة الصفر فحسب، بل هو أيضاً تجاهل لدور السوريين في حل الأزمة. وربما يكون السؤال هو: لماذا هذا التصعيد الإعلامي والسياسي، كله»؟

إدانة النموذج.. وأصحابه..!

وفي إجابته عن هذا السؤال أوضح جميل: «أولاً: يجب أن نرى أن عدم تنفيذ القرارات الدولية هو ليس عدم رغبة في تحمل المسؤولية فقط، بل هو أيضاً جُبنٌ في مواجهة الحقائق والتعامل معها بشكل واقعي..

ثانياً: هذه المواقف تبعث الشك في تلك القوى التي ساهمت بصنع المأساة العراقية والليبية، لأن الحل هناك كان وفق نموذج معين تعرفونه جميعكم، ولا حاجة للحديث عنه. وهؤلاء عندما رأوا أن الأزمة السورية يمكن أن تحل عبر نموذج آخر بذلوا كل الجهود لإعاقة هذا النموذج لأن نجاحه يعني حكماً إدانة النموذج السابق وأصحابه، أي إدانة شكل معين في العلاقات الدولية، قبل أن تتغير الموازين العالمية، وخاصة بعد الفيتو الروسي الصيني الأول في مجلس الأمن بخصوص القضية السورية».

حافة الهاوية والتغييرات أحادية الاتجاه..!

وأضاف: «البعض يريد الذهاب بالأمر من خلال بعض التصريحات عبر التخويف والتهديد إلى حافة الهاوية. ولكن الخطير بسياسة حافة الهاوية– التي شهدها العالم مرات عديدة، دون أن يقع بها- أنه يوجد هاوية. وكما يوجد احتمال لعدم السقوط بالهاوية، هناك احتمال للسقوط بالهاوية. ولذلك فإن هذا التصعيد الجاري هو تعبير عن انعدام مسؤولية ليس تجاه سورية فقط، بل تجاه السلم والأمن العالمي كله.

وهذه القوى التي لم يعد باستطاعتها ضبط الأمور والحكم كما كانت تفعل في العالم السابق تبذل محاولات أخيرة لكي لا تسقط من بين أصابعها القدرة على التحكم وتتمنى أن تسيطر مرة أخرى.. ولكن هيهات! والذي أستطيع أن أقوله اليوم أن التغيرات الجارية في العالم هي تغييرات بلا رجعة، وهي تغيرات أحادية الاتجاه».

ليست بسحابة صيف..!

وفي هذا السياق أكد جميل على أن «المشكلة، وفي حال أردنا إسقاط هذا الكلام على العاملين بالسياسة، هناك من توقع هذه التغيرات في الميزان الدولي وانتظرها، وهناك من لم يتوقعها ولكن عندما رآها اقتنع وصدق، وهناك البعض الثالث، وخاصة في أوساط المعارضة السورية الخارجية– الطامة الكبرى– الذي لم يكن يتوقع هذه التغيرات، وعندما رأى ما يجري لم يصدق ولم يقتنع، ويعتقد أن ما يجري اليوم هو سحابة صيف، والأمور ستعود إلى سابق عهدها. ولكن تعرفون كلكم أن ماء النهر ذاته لا يمكن الخوض فيه مرتين..! وهؤلاء ينتظرون اليوم نتائج الانتخابات الأمريكية ويعولون على ذهاب أوباما ولكن أعتقد أن هذا الكلام ليس جدّياً وأستطيع أن أقول عنه بالمعنى العلمي هو كلام سخيف لأنه لا أساس له نهائياً. ويجب التعامل مع الوقائع».

وأضاف جميل أن دراسة التاريخ «تبيّن أن الامبراطورية الأمريكية هي أقصر الامبراطوريات عمراً، وتبيّن أن العالم يسير باتجاه متعدد الأقطاب، وتبيّن أنه بعد الفيتو الروسي الصيني الأول انتهى بالمعنى السياسي المجرد القطب الأوحد، واليوم ينتهي على الأرض مادياً وبالملموس، من خلال توازنات القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية»، مشيراً إلى «وجود قوى عاقلة وواقعية في الإدارة الأمريكية لا ترى بنهج المغامرة والتصعيد نهجاً لحل المشاكل»، وإلى أن «الدور الكبير هو للفرز الجاري في المجتمع الأمريكي والنخب الأمريكية، فهناك اتجاه يقول كفى للتوسع وكفى للحروب في الخارج، دعونا نحل مشاكلنا في الداخل».

طبول الحرب مقابل الحل السياسي..!

وقال أمين حزب الإرادة الشعبية: «البارحة التقيت مع السيد بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية وتحدثنا حول ضرورة بدء الحوار بين السوريين بأسرع وقت ممكن وبدون شروط مسبقة. ومن الممكن أن يستغرب البعض أن هناك من يقرع طبول الحرب وأنتم تتحدثون عن حوار وتفاوض وحل سياسي. وهنا أكرر ما قلته سابقاً: أن الحل السياسي للأزمة السورية هو سلاح تدمير شامل ضد الإرهاب. إذا كنّا نريد القضاء على الإرهاب، فيجب الانتصار بالحل السياسي للمشكلة السورية، فالحلول العسكرية ضد الإرهابيين ضرورية ولكنها جزئية عابرة يمكن أن تتغير نتائجها هنا أو هناك، في حين أن الحل المضمون الذي يعطي النتائج بعيدة المدى والجذرية والشاملة هو الحل السياسي».

كتلة شعبية

وجدد رئيس منصة موسكو للمحادثات السورية- السورية في جنيف توجيه النداء لتشكيل وفد واحد للمعارضة السورية قائلاً: «من هذا المنبر أتوجه بالنداء لأطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج كلها، وأياً كانت أسماؤها، لأن تتجه لتشكيل وفدها الواحد، لأننا نريد مفاوضات مباشرة، وهي السبيل الوحيد للوصول إلى حل، فالمفاوضات غير المباشرة هي إبعاد للحل».

وأضاف: «هنا في هذا الإطار أقدم اقتراحاً، اليوم في سورية وعبر مركز المصالحة في (قاعدة) حميميم هناك أكثر من 700 منطقة سورية دخلت المصالحة. هذه المناطق كانت محسوبة عملياً كلها على المعارضة، ولكنها ضاقت ذرعاً بالمسلحين  لأنهم في البداية ربما رفعوا شعارات خلّبت ألباب البعض، غير أن ممارساتهم ومنطقهم جعل الناس تبتعد عنهم. وهؤلاء أيضاً ثقتهم بالنظام ضعيفة، وهؤلاء وزن شعبي يجب أن نجد له مكاناً في جنيف. وأدعو هذه المراكز لأن تجد الطريقة كي تنظم صفوفها وتوجد من يمثلها، ونحن من جهتنا في منصة موسكو مستعدين لتقديم المساعدات الضرورية كلها حتى يصلوا إلى جنيف. وهنا أيضاً أتوجه إلى السيد دي مستورا وألفت نظره إلى أنه في حال كان يتحدث فعلاً عن مجتمع مدني فليلتفت قليلاً بنظره إلى هؤلاء الذين أصبحوا قوة شعبية مرشحة فقط للازدياد بعددها، وهذا هو المنطق الصحيح لأنه يعبر عن مصالح الشعب السوري».

حول مبادرة دي مستورا

وبخصوص المبادرة الأخيرة التي أطلقها المبعوث الدولي إلى سورية أوضح جميل: «نحن أيّدنا مبادرة السيد دي مستورا «المتأخرة»، ولكن طالبناه بأن لا يقتصر الأمر في حلب الشرقية على إخراج جبهة النصرة فقط، لأن الأمريكيين ذاتهم لم يستطيعوا فصل النصرة عن حلفائها الذين لا يختلفون عنها. لذلك طالبنا بإخراج المسلحين جميعهم من شرقي حلب من أجل إنقاذ المدنيين. والمشكلة في حلب أن المراكز العسكرية والسياسية للنصرة هي بين المدنيين، والنصرة تستخدم هؤلاء كدروع بشرية. ولا يجوز استمرار هذه الكارثة، فحلب الغربية أيضاً تعاني من قصف، ونحن نرفض القصف من أية جهة كانت، في حال سيصيب هذا القصف المدنيين».

ما يستحقه السوريون..!

بعد ذلك انتقل المؤتمر لتلقي أسئلة الصحفيين، وكان من بينها سؤال يعيد أولوية الحل العسكري في مواجهة الإرهابيين على السياسي فيما بين السوريين، حيث أجاب د.جميل موضحاً أن: «قمع الإرهاب الفاشي ليس قمعه فقط، بل الذهاب لاجتثاثه، وهو ضروري للحل السياسي. وثانياً: الحل السياسي ضروري لتطوير مكافحة الإرهاب الفاشي. يجب أن نتعامل مع القضيتين بشكلهما الديالكتيكي وليس الميكانيكي، يجب ألا توضع هذه الأمور على التسلسل، يجب أن تجري الأمور بشكل متوازي».

وأضاف: «لماذا نقول أن الحل سياسي؟ نحن لا ننظر للحل السياسي من زاوية تقاسم المناصب، نحن ننظر إليه من زاوية مجتمعية، بمعنى حلاً سياسياً يوحد قوى المجتمع الحية والنظيفة ويشكل ميزاناً يصب في اتجاه مكافحة الإرهاب. ولا يمكن أن تتوحد الناس في سورية دون ظهور النية الحقيقية نحو التغيير. وعملياً فإن من يضع أولويات في الحل، لا يريد التغيير..!».

«هناك من يفهم التغيير بأن حصته ستؤخذ منه (النظام)، وهناك في الطرف المقابل (المعارضة) من يريد الجلوس مكان الأول ليحقق مصالحه الشخصية. نحن كثوريين ننظر للأمور بشكل مختلف: نحن ننطلق من مصلحة الشعب وضرورة التغيير. سورية الآن هي موضع رهان، إما أن تكون أو لا تكون. الأعداء في الكيان الصهيوني هم بأشد حالاتهم فرحاً لهذا الوضع في سورية ويتمنون أن يتحول الأمر لانقسام دائم، لذلك يجب عدم الاستمرار في الأزمة. والتغيير مطلوب من أجل الحفاظ على سورية، وإن من حق الشعب السوري أن يعيش بمستوى حريات سياسية اعلى من السابق ومن حقه العيش بحرية وديمقراطية وكرامة».