الافتتاحية الإصلاح المنشود واستراتيجية المقاومة
واضح لكل ذي بصيرة، أن استراتيجية المقاومة الشاملة، هي أمر يفرضه الواقع في المنطقة وحول البلاد.
فمخطط «الشرق الأوسط الكبير»، الذي يهدف عبر الفوضى الخلاقة إلى إعادة هيكلة المنطقة وبلدانها، أي تفتيتها، يضعنا أمام خيار وحيد لاثاني له، هو تحصين المجتمع والدولة لمواجهة المخاطر الجدية.
وهذا التحصين له إحداثيات عديدة، منها السياسي، ومنها كذلك الاجتماعي والاقتصادي. أي أن المطلوب في مواجهة إعادة الهيكلة الهدامة للمخطط الأمريكي ـ الصهيوني والتي تستند داخلياً إلى اتجاهات تتناغم معها وتهيئ الأرضية لها، المطلوب هو إعادة هيكلة أخرى للمجتمع وللدولة: أي إعادة هيكلة بناءة تسرّع الإصلاح الشامل المطلوب الذي يلبي حاجات المجتمع اليوم.
وهذا الإصلاح من حيث الرؤية متكامل الاتجاهات، لا يمكن تغليب أو تسبيق أحد جوانبه على الآخر، فالإصلاح الاقتصادي غير ممكن دون إصلاح سياسي، وكذلك العكس صحيح، كما أن تحقيق المهام الاجتماعية غير ممكن دون إصلاح اقتصادي وسياسي حقيقي، لذلك فالأولوية هنا هي للإصلاح الشامل كله، بكل مكوناته.
وعلى هذه الأرضية يصبح غير مفهوم، بل ومثير للشك أيضاً، أي كلام حول تأخير الإصلاح بحجة الأخطار الخارجية، فالضغط الخارجي تحديداً يهدف إلى تأخير ومنع أي إصلاح جدي، لأنه بمفاعيله يقوي ويدعم ويحصن الوضع الداخلي، مما يقطع الطريق على المخططات الأمريكية ـ الصهيونية، وعلى مراكز اختراقها الداخلية المتمثلة بالدرجة الأولى بمراكز الفساد الكبرى.
إن سرعة تطبيق الإصلاح المنشود، والذي يلبي مصالح المجتمع والوطن، تحددها ضرورات الوضع وليس الإمكانية كما يحلو للبعض أن يصور لنا الأمر، فانتظار نضج الإمكانيات بشكلها المثالي هو أمر خيالي لامكان له في الحياة الواقعية، والإمكانيات نفسها تنضج بقدر غذ السير على طريق الإصلاح الشامل الضروري.
إن الذين يعملون على تأخير الإصلاح الشامل، إنما يعملون على تأخير تطبيق استراتيجية المقاومة من أجل إبقاء البلاد مكشوفة أمام المخاطر حينما تصل إلى لحظة المواجهة الكبرى، وهذا بحد ذاته هو أقصر الطرق نحو الانهيار الشامل لبنية الدولة والمجتمع، وهو مايريده أصحاب مخطط «الشرق الأوسط الكبير».
رب قائل إن عدم توفر الكوادر هو الذي يؤخر الإصلاح، ونقول لهم: دلونا على تجربة تاريخية واحدة قامت بإجراءات عميقة ونوعية وكانت الكوادر متوفرة لديها بشكل مثالي، ومع ذلك فلدى الشعب السوري الكثير من الطاقات والكفاءات التي لو تم البحث عنها في المكان المطلوب، لتوفرت بشكل مناسب، ولغطت الحاجة للكوادر التي يمكن الاعتماد عليها في هذه العملية.
إن الإصلاح إذا سار في طريقه الصحيح معبراً عن مصالح المجتمع سيجد كوادره وقادته القادرين على تحمل عبء هذه المهمة، إذ ستفرز الجماهير من بين صفوفها أولئك الذين يستطيعون القيام بذلك، ومفردات هذه العملية بسيطة إذا أردنا البدء فيها وهي:
● ضرب مراكز الفساد الكبرى.
● تحسين الأوضاع المعاشية للشغيلة بسواعدهم وأدمغتهم.
● تأمين النمو الاقتصادي المطلوب، بالاعتماد بالدرجة الأولى على الإمكانات الوطنية.
● تأمين قانوني أحزاب وانتخابات يضمنان استمرار كيان الدولة الوطنية، ويعكسان مستوى الديمقراطية المنشود، كما يضمنان تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تؤمن الوصول إلى الأهداف المذكورة أعلاه خلال فترة زمنية سريعة وقياسية.
إن الوضع الداخلي بحاجة إلى حلول إسعافية لضمان تحصين البلاد وتأمين استراتيجية المقاومة، وفي ذلك ضمان لكرامة الوطن والمواطن.