واقع العمل الوظيفي على إيقاع الحراك الشعبي الضروري
عندما تجد نفسك فجأة، وفي لحظات، وسط أحد شوارع مدينتك، تنادي مع أشخاص غريبين قريبين باسم الوطن.. باسم الحرية.. بكامل صوتك وعنفوانك.. خلفك سنين من الرفض.. سترفض أكثر وتطلب أكثر..
إن أحد أهم جوانب رفضك لواقعك هو عملك الذي لطالما سميته شرفك.
أن تكون موظفاً يعني أن تستيقظ في السابعة صباحاً بهمةَ متسائلة دائماً: إلى أين؟ إلى متى؟ لتجد نفسك يومياً وحتى عبر السنين في المكان ذاته – لا تقدم له ولا لوقته الكبير شيء من ذاتك – ومع الأشخاص ذاتهم الذين صنع بينكم الوقت الكبير (الفارغ) علاقة فريدة من العاطفة المتعاطفة والقائمة على حاجات طبيعية قد تنتهي بالارتباط – أو الانتماء المزيف والصداقة الرخيصة والفكر السابح في التحليل غير المجدي والذي ينتهي غالباً إلى أحد أشكال الهروب من الواقع..
الوظيفة التي وصلت إليها بعد جهد ربما كان جامعياً أنهيته بلهاث الطامح للراتب الشهري والذي أصبح امتيازاً (مزيفاً) أو بدراسة متوسطة غطيت أحياناً بمفهوم (الطريق القصير)، والذي شوه في عقلك وعقول الناس قيمة العلم وغاياته التي لا تنتهي.. حتى تخرج بعدها شيئاً فشيئاً مداناً لكل المصارف الحكومية.
لذلك تصبح تابعاً لمؤسستك لا فاعلاً فيها وراعياً لمصالح السلطات القائمة لا مواطناً في دولة هي وطنك.
أنت هنا منقسم على ذاتك بين الشعور المفقود بالانتماء لهذا العمل (الفراغ) وضياع قدراتك التي تستنفد حتى آخر يومك في لعبة ورق، وبين حاجتك لمردوده المادي الأكثر أمناً منقاداً خلفه طوعاً ليصبح ركيزة تقوم عليها أشكال عديدة من القمع غير المباشر، الذي لا يبدأ بتحويرك الإهانة إلى ردة فعل، ولا ينتهي بأن تنقاد مجبراً إلى فعالية أو مسيرة إجبارية باعتبارك عنصراً حكومياً.
إن الكذب المستمر والمتبادل بين الدولة والموظف - على قاعدة أن الدولة تظن أنها تقدم أجراً والموظف الذي يعتقد انه يقدم عملاً - يحطم قطعاً قيم المواطنة والانتماء والعمل والشرف، ويؤسس أكثر لفكرة الاستسلام والغوص أكثر في جدلية الكرامة الذل، وبالتالي تمزيق القيم الاجتماعية والعلاقات السليمة التي تشكل دعامة النمو البشري.
الحراك المطلوب الذي يعبر عن ذات مختلفة ووجود جديد، يأخذ على عاتقه بناء إنسان فاعل حقيقي، ينقله من مستوى العمل الضيق إلى إنسان مقاوم قادر أن يتحدى كل عوامل الضغط والتدخل على المستويين الداخلي والخارجي.
كل هذا يؤدي بنا إلى التمسك أكثر بأشكال الاعتراض المباشرة والاقتراب منها احتجاجاً بإعلان مطالب مباشرة.
فالحراك الشعبي - الذي فتح الباب أمام انطلاق تساؤلات هامة لطالما عانت من الكبح تبدأ بمفهوم الحرية والرغبة في التعبير عن الذات الوطنية التي لايمكن حصرها بإطار واحد- سنبقى معه وعبر وعي المرحلة والتاريخ ليعبر بنا إلى الشعور بالكرامة الإنسانية الحقيقية والمواطنة الفاعلة. أيها الرفض اكتشفنا.