هل هناك خطة لمواجهة الأزمة العالمية؟!

قطع تطور الأحداث الشك باليقين حول الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية ومآلها.

فالذين كانوا يمنّون أنفسهم بأن تبقى أزمة مالية بحتة، أصيبوا بخيبة أمل، فها هي موجات الأزمة بدأت تفتك بالاقتصاد الحقيقي، وتؤدي إلى تراجعه مع ما يحمله ذلك من مؤشرات سلبية خطيرة من تزايد سريع لمعدلات البطالة، إلى انخفاض مريع في مستويات المعيشة، وأين؟ في العالم الرأسمالي «المتقدم المزدهر».

والذين كانوا يراهنون على أن العلاجات الموضعية ستوقف تفاقم الأزمة، خسروا رهاناتهم لأن الذي جرى ضخه من تريليونات الدولارات واليورو في شريانات الاقتصاد العالمي، لم ينفع في تخفيف الأزمة، بل زاد حدتها.

أما الذين تأملوا خيراً بقمة «العشرين» التي عقدت مؤخراً في واشنطن لبحث سبل الخروج من الأزمة، عادوا بخفي حنين، لأن الجبل تمخض فأراً، ولم تستطع هذه القمة أن تخرج عملياً بأي قرار جدي في مواجهة الأزمة، وأبقت الأمور على ما هي عليه، فكل اللغط الذي أثاره الـ 19 من الـ20 حول الدولار ودوره اللاحق، بقي كلاماً في كلام..

كل ذلك يؤكد حقيقة بسيطة، وهي أنه لا مخرج من الأزمة العاصفة ضمن إطار النظام الرأسمالي نفسه بإحداثياته القائمة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لذلك فالأفق الوحيد اليوم، هو اشتداد الأزمة على الصعيد العالمي مع كل ما يترتب على ذلك من انعكاسات على كل بلدان العالم، وخاصة الأضعف اقتصادياً، ومع كل ما يحمله ذلك من اشتداد لجميع التناقضات على المستوى الكوني وعلى مستوى كل بلد بمفرده..

إن هذا الواقع يدفع للتفكير ملياً بانعكاسات هذه الأزمة على بلادنا واقتصادنا وشعبنا وطريقة مواجهتها..

إن السياسات الاقتصادية المتبعة والمنفذة حتى الآن، لم تؤد عملياً حتى إلى تنفيذ الأهداف المعلنة في أجواء التطور العادي ما قبل الأزمة، فكيف الأمر بها في ظل الأزمة؟ إنها ستؤدّي إلى زيادة ومضاعفة الانعكاسات السلبية على البلاد..

فكل المؤشرات كانت تدل بوضوح قبل اندلاع الأزمة، أن الخطة الخمسية العاشرة، إذا كنا لا نريد المكابرة، غير قابلة للتنفيذ بأهدافها المعلنة من نسب للنمو إلى نسب تخفيض الفقر والبطالة، بل العكس هو الصحيح، فالأرقام الأخيرة تشير إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة.. وهذا الأمر ليس قدراً لا رادّ له.. بل هو نتيجة للسياسات التي طبّقها الفريق الاقتصادي، وأدت عملياً إلى إجهاض الأهداف المتواضعة للخطة.. فكيف الأمر في ظل الأوضاع المستجدة؟ إنها ستسوء حتماً إذا لم تجر حلول إسعافية سريعة تستطيع أن تضع بعض السدود أمام الأمواج العالية القادمة والتي ستأتي على الأخضر واليابس..

لذلك يصبح من المطلوب اليوم وضع خطة لمواجهة الأزمة، ويمكن أن تكون أهم ملامح هذه الخطة:

1 -  إعادة النظر بالأهداف المعلنة للخطة الخمسية العاشرة لأنها وضعت في ظرف آخر.. وإعادة النظر هذه ليس المطلوب منها تخفيض أهداف الخطة، بل العكس تماماً.. أي رفعها من نسب نمو ومحاربة الفقر والبطالة، وهو أمر ممكن، وهو السلاح الأساسي لمواجهة انعكاسات الأزمة.. وسيكون ذلك عبر:

2 - إعادة النظر بالسياسات التي منعت الخطة من تحقيق نفسها، وخاصة الجانب الاقتصادي ـ الاجتماعي، وتحديداً ما يرتبط بدور الدولة التدخلي الواعي الذكي الفعال، خصوصاً وأن الأزمة الاقتصادية أثبتت أن الأقل تأثراً بها هو تلك الدول التي حافظت على مستوى عال من الرعاية الاجتماعية..

3 – إعادة النظر بطريقة تعبئة الموارد الداخلية، والكف عن محاولات القبض على الريح باجتذاب الاستثمارات الخارجية التي أصبح همُّها يكفيها، الأمر الذي يتطلب الحد من التمركز الهائل للثروة الجاري في البلاد، وكسر الاحتكارات الكبرى الخاصة، الأمرين اللذين يضعان الأساس لضرب النهب والفساد..

4 – الكبح الحاد للتوجه نحو القطاعات الخدمية والمالية، وتوجيه كل الموارد خلال الفترة المتبقية من الخطة نحو قطاعي الإنتاج الأساسيين؛ الزراعة والصناعة..

5 – المحاسبة الجدية لكل مهندسي السياسات الذين يمنعون الخطة العاشرة من تحقيق أهدافها، ويتعامَون الآن عن ضرورة إعادة تكييفها مع ضرورات المتغيرات الجارية عالمياً اليوم..

نعم.. لم يعد مفهوماً اليوم.. في ظل المخاطر الجدية التي تهدد المنطقة والبلاد.. الإبقاء على السياسات الاقتصادية ومهندسيها الذين يضيّعون على سورية الفرصة لكي تلعب دورها المطلوب منها تاريخياً وجغرافياً.. وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..