ماذا يعني الإجماع حول الجيش؟

بعد الأحداث الدامية التي شهدتها سورية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، والتي أدخلت البلاد في أزمة وطنية عميقة، هناك إجماع وطني عام بما في ذلك المعارضة الوطنية الحقيقية، على دور الجيش العربي السوري كأحد أهم مرتكزات الوحدة الوطنية وقدرته على الخروج الآمن من الأزمة، والاستمرار في مواجهة المخاطر الخارجية المحدقة بالبلاد تحت شعار: «شعب وجيش للدفاع عن كرامة الوطن والمواطن»!.

منذ مأثرة يوسف العظمة مع جماهير الشعب في مواجهة الغزاة، وحتى اليوم، يعتبر الجيش بنظر الشعب عنوان الكرامة الوطنية وموضع الأمل والثقة بتحرير الأرض وحماية الاستقلال الوطني من كل المؤامرات الخارجية ومن يمثلها في الداخل، وخصوصاً قوى الفساد في مختلف المراحل.
ولا شك أن التاريخ الوطني والكفاحي للشعب السوري انعكس على الجيش الذي حمل المواصفات ذاتها وبقي أميناً لها، لأنه من النسيج الاجتماعي والوطني للشعب نفسه، الذي تمرس في المعارك الوطنية الكبرى ضد كل أشكال الاستعمار قديمه وحديثه، ونالت سورية شرف الاستقلال عن الاستعمار كأول دولة في العالم الثالث.
من هنا تعوّل جماهير شعبنا كثيراً على دور الجيش، وبالإسناد الكامل من الشعب للخروج الآمن من الأزمة العميقة والخطيرة التي تواجهها البلاد من خلال التوجهات التالية:
ـ حماية الحركة الشعبية ومطالبها المحقة، وضمان سلمية المظاهرات ومنع العنف المسلح، سواء من خارجها أو من داخلها، وعزل كل المتطفلين عليها سواء من قوى الفساد في جهاز الدولة وخارجه، أو من عصابات المسلحين الذين تحركهم قوى خارجية أو ظلامية داخلية، لأن الفريقين حليفان طبيعيان ضد الدولة والمجتمع، ويعملان بكل الوسائل على تفتيت الوحدة الوطنية وإعادة سورية إلى ما قبل الدولة الوطنية.
ـ الانطلاق من أن وحدة الجيش والشعب هي الضمانة لعودة استقرار البلاد، وهي الركيزة الأساسية للقيام بإصلاح سياسي، اقتصادي- اجتماعي وديمقراطي شامل في سورية، يحقق مصالح الشعب الجذرية، أي تأمين «كلمته ولقمته» بشرف وبما يستحق، وعند ذلك سيتحقق أعمق تحالف بين الشعب والجيش، وستغدو الحركة الشعبية أهم قوة إسناد للجيش ودعمه معنوياً وسياسياً وإعلامياً، وسيصبح الجيش ضمانةً لتطور الحركة الشعبية بشكل سليم يكفل توطيد الوحدة الوطنية وإنجاز الإصلاح الشامل الموجود.
ـ إن تحالفاً كهذا سيؤمن إطلاق المقاومة الشعبية لتحرير الجولان من الاحتلال الصهيوني، كما سينقل سورية من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم وانتزاع زمام المبادرة استراتيجياً في المنطقة ضد المخططات الإمبريالية والصهيونية، وعند ذلك ستتحول سورية من قوة إسناد للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق إلى قيادة المقاومة الشعبية الشاملة في كل هذا الشرق العظيم، مدعومة من كل شعوب المنطقة التي يزداد نضالها ونهوضها ومقاومتها ضد النظام الرسمي العربي وضد الإمبريالية والصهيونية العالمية!.
ـ من نافل القول إن المؤامرات الخارجية لم تتوقف يوماً ضد سورية، ولا شك أن نجاح المؤامرات أو عدمه يتوقف على صلابة الجبهة الداخلية وتعبئة قوى المجتمع على الأرض، ولا يتحقق ذلك إلاّ بتحالف قوى الجيش والشعب، وهنا تجب الإشارة إلى أنه مع بدء الاضطرابات في سورية ازدادت مخاطر المؤامرة الخارجية والداخلية التي تقودها فعلياً واشنطن وتل أبيب، وخصوصاً في المحافل الدولية والإقليمية وترافق ذلك بالحديث عن «منطقة عازلة» بمحاذاة الحدود التركية والتلويح بتدخل عسكري ضد سورية لم يتحقق منها للآن سوى «معسكرات اعتقال» لمواطنين سوريين في الأراضي التركية يجب العمل بكل الوسائل والضمانات لعودتهم سالمين آمنين إلى الوطن. وسيكون للجيش العربي السوري دور كبير في ذلك، خصوصاً بعد أن تحول قسم كبير من المتظاهرين إلى رفع شعار: «الشعب والجيش إيد واحدة».
إن الإجماع الوطني الذي يتنامى باطّراد حول دور الجيش، لا يحقق أعلى درجة من الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي والخروج من الأزمة فقط، بل يفتح الطريق نحو الانتصار على كل الجبهات وطنياً واقتصادياً وديمقراطياً، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.