وحدة الشيوعيين السوريين.. أين وصل الحوار؟
التقرير المقدم إلى مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين حول مسار الحوار، قدمه الرفيق حمزة منذر عضو رئاسة المجلس..
لاشك أن ميثاق شرف الشيوعيين السوريين الذي وقعه أكثر من مائتي شيوعي في 15 آذار 2002، شكل نقطة انعطاف حاسمة في تاريخ الشيوعيين السوريين. وقد عكس مضمون الميثاق مدى إصرار أعداد متزايدة من الشيوعيين - سواء داخل الفصائل أو خارجها- على استعادة وحدة حزبهم الذي أنهكته الانقسامات المتتالية منذ أواخر الستينات ولا نبالغ في القول إنه منذ 15/3/2002 انطلقت جدياً وبشكل مختلف عن سابقاتها عملية لم شتات الشيوعيين وكانت نقطة البدء في هذه العملية الصعبة، تشكيل إطار جامع لهم هو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، بعد سبعة أشهر من توقيع الميثاق، والتي رفضت إعلان نفسها حزباً، بل راحت تستقطب الشيوعيين وتوحد إرادتهم والسير نحو هدفهم الاستراتيجي وهو وحدة الشيوعيين السوريين في حزب شيوعي واحد يلغي الحالة الفصائلية ويؤدي دوره الوظيفي في حياة البلاد ويستعيد ثقة الجماهير به.
إن الدارس المنصف لمواقف ومبادرات اللجنة الوطنية التي أقرتها الاجتماعات الوطنية منذ 2002 وحتى الآن بشأن وحدة الشيوعيين السوريين وكيفية تحقيقها، سيكتشف أننا انطلقنا عملاً وقولاً من منظومة مفاهيم مبدئية موضوعية ماركسية – لينينية، وأهمها:
على طريق استعادة الدور الوظيفي
أن وحدة الشيوعيين السوريين واستعادة الدور الوظيفي للحزب في حياة البلاد أصبحت واجباً وطنياً وطبقياً لا يعلو عليه أي واجب آخر.
بقدر ما تكون الأسس والمبادئ التي ستقوم عليها الوحدة راسخة وملتزمة بالمرجعية الماركسية - اللينينية، بقدر ما سنلغي أية إمكانية لإعادة إنتاج الأزمة.
إذا تقاعس الشيوعيون الحاليون عن أداء واستعادة دورهم التاريخي المطلوب تحت أي منحى أو وضع معين، فإن الجماهير الشعبية قادرة دائماً على إيجاد حزبها الشيوعي الحقيقي.
ولأننا انطلقنا من ضرورة وقف مسلسل الانقسامات وإحداث الانعطاف المطلوب في حياة الحركة الشيوعية في سورية بما يتلاءم مع الانعطاف الجاري إقليمياً ودولياً، ولأن الشيوعيين طال انتظارهم عبثاً للوحدة الآتية من فوق، كان شعارنا الرئيسي لتحقيق الوحدة «من تحت لفوق» دون استثناء أحد وبغض النظر عن الموقع التنظيمي لأي شيوعي ابتعد عن الحزب أو أبعد بدون وجه حق معتمدين على كل تراثنا الثوري ومتجاوزين لكل العوائق التي تقف في وجه هذه المهمة النبيلة .
إن ما يجمعنا اليوم كشيوعيين أكثر بكثير مما يفرقنا، وقد علمتنا تجارب الماضي القريب أن المهام الوطنية والاجتماعية - الاقتصادية والديمقراطية لا يمكن حلها إلا بتعزيز الوحدة الوطنية، وعلى الشيوعيين أن يكونوا موحدي الإرادة والعمل في حزبهم الشيوعي الواحد حتى يلعبوا دورهم المطلوب بين الجماهير.
مبادرات الوحدة
وعلى أساس ما أسلفنا طرحت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين عدداً من مبادرات التوحيد، التي ترافقت بعمل دؤوب لتحقيق هذا الهدف وسنتوقف عند بعضها فقط خصوصاً في هذا الوقت الذي بدأت تعلو منه أصوات القواعد الشيوعية على امتداد البلاد تطالب بانجاز عملية التوحيد دون إبطاء.
لقد جاء في أحد قرارات الاجتماع الوطني الأول حول وحدة الشيوعيين حرفياً مايلي:
«إن من يسير على طريق وحدة الشيوعيين يجب أن يجمع كل شيوعي يريد السير في هذا الاتجاه بغض النظر على التقييمات والاتهامات والقرارات السابقة، التي تبين أن جزءاً كبيراً منها أملته مصالح الصراعات التكتلية، لذلك لا يجوز أن يوضع أي فيتو على أي شيوعي. إن منطق الفيتو لا يتماشى مع عقلية التوحيد بل يتناقض معها»!
وبعنوان «مبادرة على طريق وحدة الشيوعيين السوريين» تاريخ 22/6/2007، تقدم مجلس اللجنة الوطنية بمبادرة وحدوية محددة إلى جميع الشيوعيين خارج الفصائل وداخلها، قيادات وكوادر وقواعد... وأهم ما جاء فيها:
اقتراح تشكيل مجلس تشاوري مركزي يضم ممثلي الفصائل الشيوعية بشكل متساو وتؤخذ قراراته بالتوافق ويحق له تشكيل فروع له بالمحافظات ويقرر لحظة الإعلان عن نفسه واسمه الرسمي في الوقت المناسب.
مهمة المجلس التشاوري على الأقل تنقية الأجواء بين الشيوعيين وإيجاد أشكال العمل المشترك حول القضايا السياسية الكبرى والقضايا التي تمس مصالح الجماهير.
الوحدة ضرورة
وعلى ضوء كل ما قامت به اللجنة الوطنية من مبادرات وجهود على طريق وحدة الشيوعيين السوريين تضمن تقرير مجلس اللجنة الوطنية المقدم للاجتماع الوطني السابع في دمشق 11/1/2008: حول وحدة الشيوعيين ما يلي:
أصبحت وحدة الشيوعيين السوريين نهجاً عميق التأثير في أوساط الشيوعيين السوريين وهي تحظى بتأييد قوى وطنية واسعة.
الوحدة ضرورة والإمكانية اليوم متوفرة لتحقيقها أكثر من أي وقت مضى.
الإعاقة ستأتي من فوق، من بعض القيادات المتنفذة.
الوحدة يجب أن تتم من تحت لفوق.
الحوار يجب أن يتم على كل المستويات دون تمييز.
الوحدة ستتم عبر البوابة الرئيسية ألا وهي عودة الحزب للجماهير.
الوحدة تعني إعادة بناء الحركة واستعادة دورها الوظيفي التاريخي.
وجود فصائل شيوعية لا يعني وجود حزب يمارس دوره الوظيفي في حياة البلاد.
خيارات مقترحة
واقترح التقرير ثلاثة خيارات للتوحيد:
الخيار الأول: العمل باتجاه تحقيق مبادرتنا السابقة المؤرخة في 22/6/2007، بمن حضر على مستوى المركز والمحافظات.
الخيار الثاني: تشجيع الحزبين (الفصيلين) على التقارب وفتح حوار بينهما، وخاصة أنهما يعملان تحت سقف الجبهة ولا موانع موضوعية من وحدتهما، بل هي ذاتية بحتة.
الخيار الثالث: إعلان استعدادنا الجماعي منذ هذه اللحظة للانخراط في أي فصيل يقبلنا جميعاً كأعضاء دون استثناء أحد ودون المطالبة بأية مواقع شرط التعامل معنا كأعضاء كاملي الحقوق والواجبات مع الاحتفاظ بحقنا بإبداء رأينا حول مختلف القضايا مع رفع الأحكام العرفية في الفصيل الذي سيوافق على هذا الاقتراح ضمن فترة زمنية يتفق عليها. أي تجميد فصل العقوبات في النظام الداخلي، إن كل ذلك يعني نموذج جديد للتوحيد لا مكان فيه للمحاصصة والتوزيع المسبق للمكاسب وهو الفشل الرئيسي لكل محاولات التوحيد السابقة.
لسنا الآن بصدد إعادة تقييم ردود الفعل الإيجابية جداً لدى قواعد الشيوعيين إزاء مبادرة اللجنة الوطنية والتي أقرها الاجتماع الوطني السابع بالإجماع حول وحدة الشيوعيين.
وإذا كانت استجابة رفاقنا في قيادة «فصيل صوت الشعب» لم تخرج عن حالة المكابرة والإدعاء باحتكار الرخصة الاسمية والرسمية لاسم الحزب، فإن رفاقنا في قيادة «فصيل النور»، لم يتجاهلوا المبادرة، وبادروا مشكورين إلى إرسال رسالة رسمية مقتضبة باسم المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري بتاريخ 4/2/2008 أي (بعد 24 يوماً)، معنونة إلى «الرفاق في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين» دعونا فيها بناء على شعار مؤتمرهم العاشر حول وحدة الشيوعيين السوريين إلى فتح باب الحوار المباشر في إطار الاقتراحين التاليين:
تشكيل لجنة لتنظيم عملية الحوار حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتفق عليها معاً والتنسيق بشأنها.
الاتفاق على تنظيم التعاون الفعلي في ميادين ملموسة والقيام بأعمال مشتركة.
رسالة جوابية
بعد ستة أيام من وصول رسالة رفاقنا آنفة الذكر، اجتمعت رئاسة مجلس اللجنة الوطنية بتاريخ 10/6/2008، وناقشت الرسالة باهتمام بالغ، وبعثت برسالة جوابية مطولة للرفاق أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري، جرى التذكير فيها بكل ما قامت به اللجنة الوطنية من مبادرات وسلوك عملي على طريق وحدة الشيوعيين السوريين منذ توقيع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين 15/3/2002، وحتى الاجتماع الوطني السابع في 11/1/2008. ومما جاء في رسالة الرد ما يلي:
«إننا جاهزون لفتح باب الحوار المباشر وتحديد أهدافه وسقفه الزمني وموافقون على تشكيل لجنة لتنظيم عملية الحوار ونرغب بأن تصل نتائج الحوار ليس فقط إلى الاتفاق (حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية) كما جاء في اقتراحكم، بل أيضاً الاتفاق على جميع الأسس المبدئية التي تجعل عملية توحيد الشيوعيين السوريين أمراً واقعاً لا عودة عنه».
وقد جاء في الرسالة أيضاً بأنه «مثلما كانت وحدة الشيوعيين السوريين ضرورية دائماً، فهي اليوم ضرورية ومستعجلة أيضاً، لأنها في ظل تطور الأوضاع الإقليمية المتفجرة، والأخطار التي تحيق بسورية، أصبحت أمراً ملحاً لا يقبل التأجيل، وهي عامل أساسي مكون للوحدة الوطنية التي هي سلاح جبار في مواجهة المخططات الإمبريالية والصهيونية»
بعد شهر ونصف من تاريخ رسالتنا إليهم، أمكن عقد اللقاء الأول للجنة الحوار المركزية المكونة من عشرة رفاق، خمسة من كل طرف، وكان ذلك بتاريخ 24/3/2008، وبحوزتنا محضر كامل لذلك الاجتماع. وكانت رئاسة مجلس اللجنة الوطنية تخصص جل وقت اجتماعاتها لدراسة سبل تحفيز الحوار وعدم التباطؤ فيه وتحديد آجاله الزمنية، مع التمسك بالعلنية والتوثيق ونقل الحوار من المركز إلى المحافظات.
ورقة عمل
في الاجتماع الثاني الذي انعقد بتاريخ 5/4/2008، تقدمنا بورقة عمل حول الحوار، ولم يتقدم الرفاق الآخرون بورقتهم، مما اقتضى إقرار ورقة العمل المشتركة إلى جانب البلاغ المشترك، في الاجتماع الثالث الذي انعقد في 13/4/2008..
بعد ذلك التاريخ تباطأت وتيرة الحوار والاجتماعات في المركز رغم جهوزيتنا ورغبتنا بعكس ذلك، وبدل الاجتماع كل أسبوعين حسب ورقة العمل المشتركة، أصبحت المدة الفاصلة بين اجتماعين تطول، الأمر الذي اضطر رئاسة مجلس اللجنة الوطنية إلى إصدار بلاغ بتاريخ 24/5/2008، يحث فيه وفد اللجنة الوطنية للعمل على عدم التباطؤ في الحوار، وإيصاله إلى أهدافه المرجوة... وكان جواب الرفاق الآخرين أن ما منعهم هو فترة الصيف وكونفرنسات المحاسبة عندهم. وفي الاجتماع الرابع في مطلع حزيران تم الاتفاق على تشكيل خمس لجان لمناقشة المواضيع التالية:
تحديد سمة المرحلة.
سبل الخروج من الأزمة.
عوامل نهوض الحركة الثورية العالمية.
الماركسية اللينينية اليوم.
رؤية تنظيمية معاصرة للحزب الشيوعي السوري.
لجان واجتماعات
لقد كنا المبادرين لعقد اجتماع كل لجنة من اللجان الخمس، وبعد جهد جهيد أمكن عقد الاجتماعات لأربع لجان، وبقيت اللجنة الخامسة التي مهمتها الحوار حول «سبل الخروج من الأزمة» غائبة عن مهماتها بسبب عدم تمكن الرفاق الآخرين من إعداد ورقتهم للحوار. أخيراً تمكنا من الحصول على وعد بإنجاز عقد الاجتماع المشترك في غضون أسبوع بعد أن سلمناهم ورقتنا الخاصة لسبل الخروج من الأزمة.
كنا قد طرحنا على الرفاق في «فصيل النور» إنجاز أعمال اللجان قبل تاريخ 28/10 عيد تأسيس الحزب، لكن تباطؤ وتيرة الاجتماعات كان السبب في عدم تحقيق هذا الهدف. وبالتالي فكل ما أنجز حتى الآن هو الوصول إلى انتهاء العمل في لجنتين، وتحديد المختلف والمتفق عليه في محضر رسمي موقع عليه من الطرفين وهما:
لجنة «الماركسية اللينينية اليوم» التي اختتمت اجتماعيها بمحضر رسمي بتاريخ 28/9/2008.
لجنة «رؤية تنظيمية معاصرة للحزب الشيوعي السوري» التي أنهت أعمالها بتاريخ 26/10/2008.
أما بقية اللجان فلم تنجز أعمالها حتى الآن، ولم تستطع بالتالي تحديد المتفق والمختلف عليه حسب آلية العمل المتفق عليها في ورقة العمل المشتركة في 13/4/2008.
أهمية إنجاز الحوار
لن نتسرع بالوصول إلى استنتاجات نهائية، لكن من الواضح أن إنجاز الحوار يتطلب منا جهوداً إضافية.. كما أن مبادرتنا التي أقرها الاجتماع الوطني السابع ما تزال مطروحة على طاولة النقاش من قبلنا، ولو أننا لا نرى آفاقاً لنقاشها في المدى المنظور.
إن الحوار المركزي ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو وسيلة تقربنا من الوحدة، وهي الهدف الأهم، والتي أصبحت مطلباً موضوعياً ملحاً لدى قواعد الشيوعيين بغض النظر عن الفصائل التي ينتمون إليها، ومن هنا فإن كلمة الفصل في تحقيق الوحدة لا تقع على عاتق الرفاق المتحاورين فقط، بل في تعميم نتائج الحوار على كل القواعد ليكونوا حكماً ومصوباً لأعمالنا نحو الاتجاه الصحيح في هذه الظروف المعقدة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
ومن هنا سنصر على وضع سقف زمني للحوار من باب التسريع وليس التسرع. ومن هنا نعتقد أن الفترة الزمنية التي تفصلنا عن الاجتماع الوطني الثامن كافية لإنجاز الحوار وتعميم نتائجه على قواعد الشيوعيين كافة في كل سورية.