خصائص المرحلة الانتقالية
الأزمة السورية المتفجرة منذ آذار 2011 هي بمعنى ما، مرحلة انتقالية بين موت القديم وولادة الجديد، قديم مستنفذ وجديد غير متبلور.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن التراجيديا السورية الراهنة هي في جانب منها، آلام مخاض ولادة الجديد المفترض، في ظل استمرار ممانعة القديم، مع التأكيد على أن القديم والجديد أعقد من التقسيم الإعلامي الشكلي «موالاة معارضة» حيث يتوزع القديم هنا وهناك، وكذلك الجديد، يعبر عنها بالعمق قوى اجتماعية، ليس لها مصلحة بالتغيير الحقيقي المطلوب، لتلعب هذه القوى معاً دور قوة عطالة تاريخية، تكمل بعضها بعضاً، وإن تنازعت على السلطة.
أولاً: الانقسام الحاصل في سورية انقسام مشوه، بمعنى المصالح الطبقية، أي أن تطور الأوضاع منذ البداية لم يسمح بفرز القوى على أساس مصالحها الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي لم يسمح بتمركز الثقل لدى طرف ما من أطراف الصراع، وبالتالي استحالة الحسم لصالح أي طرف منهما.
ثانياً:: ظهرت في ظل الصراع السوري الداخلي عناصر جديدة، تجسدت بالتيارات التكفيرية، التي أصبحت أداة لدى الاستخبارات الدولية والإقليمية تتحكم من خلالها بسير تطور الأحداث، وتحديد الأولويات، ليزداد دورها ووزنها في ظل استمرار « داحس وغبراء» السورية.
ثالثاً: تفجرت الأزمة السورية، في ظل تشكل التوازن الدولي الجديد، الذي كان بدوره تعبيراً عن الصراع بين القديم والجديد، ولكن هذه المرة على المستوى الدولي، القديم الذي يسعى لاستمرار هيمنته، وتحكمه بالقرار الدولي، واستفراده بالهيمنة، والجديد الذي يعمل لعالم قائم على الندية، وتبادل المصالح، مشكلة قوى العالم القديم على المستوى الدولي، أنها تغرق في أزمة بنيوية عصية على الحل، لا تسمح لها بقبول شركاء وأنداد، وأنها لم تعد قادرة على التحكم والهيمنة بالأساليب التقليدية، وخيارها الوحيد هو تعميم الفوضى عالمياً، والاستثمار فيها، لتأخير إنهيارها المحتم.
تتحكم بالأزمة السورية جملة التناقضات آنفة الذكر بالتوازي، وفي إطار تفاعلها مع بعضها البعض، والتأثير المتبادل لكل جانب منها على الجانب الآخر، لتظهر تعقيدات المشهد السريالي السوري كلها، والتجاذبات الداخلية والإقليمية والدولية كلها، ولكن ثمة ثابت ومحرك أساسي في إطار هذه التناقضات كلها، هو تقدم خيارات قوى العالم الجديد، التي تحاول أن تنهي عملية تفرد المركز الرأسمالي الغربي بالقرار الدولي، وتسجل عليه النقاط بشكل يومي في سياق الصراع الدائر في مختلف الساحات، ومنها الساحة السورية، ويتميز هذا التقدم بـ: أنه تقدم بطيء وتدريجي، ولكنه ثابت.
تقدم باتجاه واحد، وطريق إجباري، وهو طريق التغيير الجذري والشامل يوفر في سياق استمراره وترسخه، عملية إعادة فرز القوى على أساس مصالحها الاجتماعية، مما يسمح بتحديد مركز الثقل لصالح الأغلبية المتضررة من السوريين.
أن هذا التقدم من خلال عملية التراكم سيؤدي بالضرورة إلى تغير نوعي، يمس جوهر الظاهرة التاريخية المنتجة للأزمات، والسؤال عن مصيرها.