عندما تبتكر الجيوسياسة العالمية مجدداً..!
بدا واضحاً مجدداً من خلال مجريات قمة العشرين التي أنهت أعمالها في مدينة هانغتشو في الصين يوم 5 أيلول الجاري حجم المتغيرات الدولية وإعادة تموضع الأوزان الاقتصادية والسياسية- وحتى الاستقطاب الإعلامي- بين غرب آفل وشرق صاعد، وأن روسيا والصين وحلفاءهما يواصلون رسم مشهد جيوسياسي عالمي جديد حقاً.
وذلك بدءاً من الشعارات الاقتصادية العامة للقمة التي تركز على «الابتكار»- أي مواصلة خلق البدائل عن الإحداثيات الاقتصادية العالمية السابقة القائمة على الهيمنة الأمريكية البائدة- إلى الخلاصات السياسية للقاءات الجانبية في القمة والتي ركزت على إخراج الملفات البينية الخلافية من دائرة التنازع إلى حيز الحلول- أيضاً خلافاً للمنطق والرغبة الأمريكيتين- مروراً بالحدث غير العابر والحافل بالرموز والإشارات المتمثل بشكل الاستقبال المذل للرئيس الأمريكي وتمسك الصينيين بسيادتهم رداً على استنفار الفريق المرافق لباراك أوباما: «هذه دولتنا.. وهذا مطارنا»..!
إذا كان الشق الاقتصادي للقمة، غداة فشل تمرير المشروع الأمريكي- البريطاني لاتفاق الشراكة عبر الأطلسي في أوربا، اتسم بتوقيع اتفاقات اقتصادية ذات حجم عالمي، مثل تلك بين الصين وروسيا أو الاتفاق النفطي الروسي السعودي أو مواصلة العمل المتريث روسياً على جملة الاتفاقات بين موسكو وأنقرة، فإن الدور الروسي في إدارة الملفات السياسية العالمية، التي تهم دول المجموعة، بدا بدوره أكثر وضوحاً واتساقاً واتزاناً وبهدوئه الاعتيادي..
جملة من الملفات التي أرادها الأمريكي على الدوام صواعق تفجير وتصعيد كامن مستمر تم البدء بسحبها إلى حيز آخر باتجاه الحلول دون تفريط بحقوق أو سيادة أحد من الأطراف المتنازعة، ولاسيما قضيتي جزر الكوريل بين روسيا واليابان، وبحر الصين الجنوبي.
المنطق ذاته انسحب على استكمال «الترويض» الروسي لتركيا والذي برز في تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين عن مستوى ووتيرة تطور العلاقات بين البلدين بعد إعادة تطبيعها فيما بينهما، وعلى حديث الرجل- من موقع القوة والتريث- عن أفق العلاقات الروسية مع كل من الولايات المتحدة التي ستنتخب رئيساً جديداً في نهاية العام الحالي، وبريطانيا التي انتخبت رئيسة جديدة لحكومتها، وكذلك مع الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية.
وبطبيعة الحال كان لأوكرانيا وسورية الحصة الأكبر في المداولات السياسية الجانبية ولاسيما من جانب الدول المتورطة بهذين النزاعين والمشاركة في القمة. وما يعنينا هنا الآن هو أن الطرف الروسي واصل ضغطه على واشنطن المتهربة من استحقاقات إعادة إطلاق الحل السياسي للأزمة السورية، ولاسيما مسألة الفصل بين الإرهابيين والمعارضين المدعومين من الولايات المتحدة. غير أن الحديث الروسي هنا كان واضحاً للغاية مرة أخرى: لا شروط مسبقة وعلينا الحفاظ على وحدة وسيادة سورية وترك السوريين يحددون مستقبلهم، ولا حل غير الحل السياسي، ولا مفر من إطار التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، وثمة قضايا تقنية تفصلنا عن بلورة الحل في سورية، وثمة ضرورة لأن نبلغ بذلك الأطراف المعنية ولاسيما الحكومة السورية وطهران.
ما معنى هذا كله؟ هذا يعني أنه ثمة إرادة دولية تواصل ضغطها الفعال والمتواتر لفرض الحل السياسي للأزمة السورية التي أضحت قضية مدوّلة وليست محلية، وأنه يمكن توقع الإعلان قريباً عن استئناف جنيف، خلافاً لرغبة الرافضين والمعرقلين كلهم، من واشنطن والرياض في الخارج إلى أمراء الحرب ومافيات الفساد في الداخل.
نقلاً عن موقع قاسيون