الافتتاحية الطريق إلى انتزاع زمام المبادرة الاستراتيجي
بعد اتضاح أهداف تقرير بيترايوس – كروكر، وهي استمرار الاحتلال والتحضير لإقامة عسكرية طويلة الأمد في العراق، أي عكس ماذهب إليه تقرير بيكر- هاملتون من خطورة استمرار المأزق الأمريكي في بلاد الرافدين، وبعد الاعتراف الأمريكي الصريح بأن واشنطن أمام ساحة عمليات واحدة على شكل مثلث رؤوسه تشمل إيران، وسورية، ولبنان « فلسطين ضمناً»، وهي تعمل الآن على محاولة تحطيم هذه الرؤوس لإنقاذ المشروع الأمريكي- الصهيوني التوسعي من الانهيار الاستراتيجي والتقدم باتجاه تنفيذ الحلقات المتممة لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وبعد ارتفاع أسعار النفط والذهب، وتراجع الدولار مقابل اليورو كمؤشرات ثلاث خطيرة ظهرت دفعة واحدة تشير إلى اقتراب المواجهة الكبرى، أي توسيع رقعة الحرب باتجاه رؤوس المثلث الآنف الذكر، بعد ذلك كله يمكن تفسير التصالح الذي تم مؤخراً بين ديك تشيني وكوندي رايس لصالح الأخذ بالخيارات العسكرية تجاه إيران وحزب الله وسورية.
وهنا تأتي تصريحات وزير الخارجية الفرنسي كوشنير كترجمة عملية وجديدة لتصريحات الرئيس ساركوزي «حول ضرورة السعي لاستباق وضع يكون العالم فيه أمام خيار القبول بإيران كقوة نووية أو خوض حرب ضدها»..
والجديد اللافت في تصريحات كوشنير أن فرنسا تحاول تحضير الشريكين الأمريكي ـ الإسرائيلي نحو توجيه الضربة أولاً لإيران، قبل سورية ولبنان، تقديراً من الرئاسة الفرنسية بأنه في حال فشل الضربة أو نجاحها، ستحافظ باريس على دور الشريك الفاعل والمؤثر على مسرح المنطقة. لكن واشنطن لن تسمح للفرنسيين بلعب دور الشريك الكامل كما هي العلاقة مع تل أبيب، والدليل على ذلك عدم إعطاء باريس كلمة الفصل في لبنان، حيث جاء اغتيال النائب أنطوان غانم لإعادة خلط الأوراق، ومحاولة إبقاء حركة المقاومة والقوى الوطنية مادون الاستفادة من الانتصار على العدو الصهيوني في حرب تموز.
وفي إطار الحركة الدّالة على عمق المأزق الأمريكي في المنطقة، جاءت جولة رايس الجديدة، وهي السادسة لها إلى المنطقة هذا العام، تحت عنوان التحضير لاجتماع الخريف الدولي لمعالجة قضية السلام المفقود في المنطقة. وكان تصريحها الأول في القدس المحتلة: «اعتبار غزة كياناً معادياً لواشنطن»، تماماً كما القرار الذي اتخذته حكومة أولمرت إزاء الوضع في غزة. وكان قد استبق قادة الكيان الصهيوني (أولمرت ـ بيرس) وصول رايس بتصريحات تضليلية خادعة حول السلام مع سورية، تشبه ما سبق لمفوض السياسة الأوربية خافيير سولانا أن نقله لدمشق حول رغبة العدو الاسرائيلي بالتهدئة مع سورية قبل ساعات من خرق الطائرات الإسرائيلية للأجواء السورية. وقد رفضت سورية الوقوع في هذا الشرك عبر تصريحات رسمية مؤخراً.
إن كل ما سبق يشير بوضوح أن قوى العدوان «واشنطن- تل أبيب- باريس» في مأزق، لذلك دخلت مرحلة التهيئة الجدية للعدوان، والتباين في الآراء فيما بينهم، هو نحو أي هدف ستكون أولوية العدوان، وفرص النجاح والفشل، خصوصاً أن تجارب التاريخ تشير أن العدوان قد يبدأ في مكان، وقد ينتهي في مكان آخر تماماً ليس في الحسبان.
أمام هذا الواقع آن الأوان للدول وحركات المقاومة المستهدفة بالعدوان الانتقال من مواقع الدفاع إلى مواقع الهجوم، وأخذ زمام المبادرة الاستراتيجي، وهذا ماسيفعِّل حركة الشارع العربي والإسلامي ليس فقط للوقوف ضد النهج الاستسلامي لما يسمى بدول «الاعتدال» ومن والاهم من النخب الليبرالية الاقتصادية الجديدة المرتبطة بالرأسمال المعولم، بل ومن أجل غذ السير باتجاه انتزاع زمام المبادرة الاستراتيجي عبر خيار المقاومة الشاملة الذي سيضع الأساس الموضوعي للانتصار الأكيد والنهائي على قوى العدوان الامبريالي- الصهيوني – الرجعي في هذا الشرق العظيم.