الافتتاحية الفريق الاقتصادي.. المسؤول الأول

 يحاول الفريق الاقتصادي خلال الفترة الماضية، والحالية التهرُّب من مسؤوليته فيما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية باذلاً جهداً كبيراً في محاولة ترحيل مسؤوليتها على عاتق جهات أخرى..

والحقيقة أن الفريق الاقتصادي في وضع لا يُحْسَدُ عليه، وخاصة بعد أن حشره تطور الوضع الملموس في الزاوية.. وبما أن الأعمال تقاس أخيراً بالنتائج، وليس بالتصريحات والإعلانات عن النوايا.. فالنتائج يجب القول ليست باهرة أبداً.

ـ فارتفاعات الأسعار التي تُجْرى المحاولة لتحميلها كلياً «على الطليان» هي نتيجة لسياسات اقتصادية أثبتت فشلها.. والجماهير الشعبية التي تكتوي بنار الغلاء المتصاعد يومياً تتساءل: إلى متى سيستمر هذا المسلسل الذي ندفع ثمنه أكثر بكثير مما يدفعه غيرنا من المصابين بموجة ارتفاعات الأسعار العالمية؟

ـ أما الموازنة، وفجوة العجز المتزايد فيها هي دليل على أحد أمرين: إما تصنيعٌ مبرمجٌ لهذا العجز لتمرير أمور، وأهداف أخرى، وإما عجزٌ غيرُ متحكم به بسبب سياساتٍ أدت إلى هذه النتيجة، وهذا يؤكد على عدم قدرة هذا الفريق على القيام بمهامه الموكلة إليه، ويبقى هذان الأمران أحلاهما مرّ!

ـ أما الإنجاز الأكبر للفريق الاقتصادي فهو تثبيته للأجور في فترة فَلَتانِ الأسعار، بحجة عدم وجود موارد لتمويل هذه الزيادات.. والاستمرار في إطلاق الوعود حول زيادات «مجزية»، بعد أن أصبح معروفاً حجمُ المشكلة، والهوة بين الأجور الحالية، وضرورات مستوى المعيشة، الأمر الذي لم يعد ممكناً لأية زيادة أن تكون مجزية بأية حال من الأحوال..

ـ والحقيقة التي يجب أن تقال: إن الفريقَ الاقتصادي قد حقَّقَ فشلاً ذريعاً على كل الجبهات، ابتداءً من النمو المطلوب الذي يجب تدقيق أرقامه المعلنة لأنها غير فعلية أبداً، وانتهاءً بمحاربة الفقر الذي ازداد حدوداً وعمقاً، ومروراً بالبطالة التي بقيت مشكلةً دون حلِّ.

أما تخويفنا بالقول بأن الوضع من الممكن أن يكون أسوأ لولا سياساته، وإجراءاته فهي حيلة قديمة لا تصمدُ أمام أي منطق أو تحليل رصين.. فسورية بلد غني بثرواته، وكفاءاته التي يجري تبديدها بسياسات محدودة النظر، وبإجراءات لم تزد الوضعَ إلا سوءاً.

ويجب القول: إن الفريق الاقتصادي أوْصَلَ الأمور إلى ما وصلت إليه عبر اتباع سياسة تضليل شاملة ومتقنة تستهدف شلَّ المجتمع، وتضييق خيارات القيادة السياسية... فما مقومات هذه السياسة التضليلية؟!

1 ـ استخدام الفريق الاقتصادي الرقم الإحصائي، كما يستخدم التاجر دفترين للحساب، دفتر له ودفتر للجهات الرسمية، وفي ظل ضعف القاعدة الإحصائية المحلية، والثغرات في بنيتها، استطاع إيصال بعض الأمور إلى درجة اللامعقول. فمثلاً يجري التأكيد على تحقيق نمو متزايد وفي آن واحد الإصرار على أن موارد الدولة في انخفاض، وهو أمر فريد من نوعه في كل التاريخ الاقتصادي العالمي... والحق يقال إن هذا الأمر من أهم إنجازات الفريق الاقتصادي.

2 ـ وبعد ترتيب الرقم الإحصائي، وبالاستناد إلى المواقع المفتاحية التي يشغلها هذا الفريق في الوزارات المعنية... يقوم بصياغة بدائلَ للاقتراحات المُقَدَّمة حول أية قضية، بحيث أن توحي أن هناك خيارات وبدائلَ مختلفة، ولكنها تبقى في نهاية المطاف ضمن إطار مفاهيمه وعقليته خلافاً للمنطق الموضوعي الذي يتطلب الإحاطة بكل البدائل الممكنة، مما يضع أصحابَ القرار أمام خيارات أحادية الجانب.

3 ـ وكي تكون البدائل التي يقدمها مضمونة النتائج، يجري تشكيل اللجان المختلفة التي تقوم بصياغتها بشكل يؤدي إلى النتيجة المطلوبة، ويجري فعلياً استبعاد كُلَّ مَن له رأي آخر، ومعترف بوزنه العلمي والمهني من هذه اللجان كي لا يعكر صفو اقتراحاتها حول البدائل.

4 ـ وأخيراً، وهو الأهم، تجري كل هذه العمليات دون تشاور مع المجتمع، ومنظماته المختلفة، بل بعيداً عنها.. و يمكن القول: إن هنالك إصراراً على عدم التشاور، وعدم القدرة على سماع الرأي الآخر، وتحويل التشاور في أحسن الأحوال إلى خطاب باتجاه واحد، وما جرى في اتحاد نقابات العمال مؤخراً دليل على ذلك...

إن الآليات والأدوات التي تصاغ عبرها مسودات القرارات معروفة وهي تزيد من مسؤولية الفريق الاقتصادي عما وصلت أحوال البلاد الاقتصادية، وأوضاع الناس المعيشية إليه... إن تغيير هذه الآليات والأدوات والسياسات والأشخاص المسؤولين عنها أصبح أمراً ضرورياً للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن...