رفع سعر البنزين.. ماذا بعد؟؟
السؤال الأهم الذي يشغل بال الناس بعد رفع سعر البنزين هو: ماذا بعد؟؟
ولكي نستطيع الوصول إلى جواب منطقي ومقنع لما يريده الفريق الاقتصادي من رفع سعر البنزين، لنفكر جدياً بما حققه جراء هذا الرفع.
ارتفع سعر البنزين 6 ل.س/ ليتر، وإذا عرفنا أن استهلاكنا السنوي السابق هو مليار ونصف ليتر، والمتوقع هو (2) مليار ليتر، لاستطعنا بحساب بسيط أن نستنتج أن الوفر الإضافي الذي ستحققه خزينة الدولة نتيجة لهذا الإجراء سيتراوح بين 9 مليارات ل.س، و12 مليار ل. س فقط لاغير، وهو ما سيشكل 2% من موازنة 2008 المقترحة، أو 3% منها إذا لم يحتسب العجز المخطط له فيها.
والسؤال هو: لماذا الإصرار على هذا الإجراء إذا كانت آثاره الاقتصادية والمالية لرافعي الدعم تقارب الصفر؟ الجواب سيأتينا سهلاً إذا بحثنا عنه في الآثار السياسية والاجتماعية التي يتوقعها صانعو هذا القرار، ويمكن تقديرها بالنقاط التالية:
- الإصرار على أن الفريق الاقتصادي صاحب مصداقية، وقادر على تنفيذ وعوده وهو إن فشل في رفع سعر المازوت، فهو قادر على الأقل على رفع سعر مشتق نفطي آخر حتى إن كانت الفائدة التي يجنيها منه تقارب قيمتها الصفر.
- تدريب الناس على أساس قانون رد الفعل الشرطي، على التأقلم مع الإجراءات السلبية التي تطال حياتهم مباشرة بالحد الأدنى الممكن من ردود الفعل السلبية، وبالتالي تجهيزهم نفسياً للقادم الأعظم كي يتلقوه بأكبر قدر ممكن من الرضى والتسليم بقضاء الله وقدره.
- وهكذا يستطيعون القول: «حافظنا على هيبة الحكومة»، بعد الفشل الذريع الذي أصاب فريقها الاقتصادي في تطبيق السيناريو الأول لرفع الدعم.
أي باختصار: يريد الفريق الاقتصادي (وعلى رأسه النائب الاقتصادي) من وراء هذا الإجراء، تخفيض سقف المقاومة المتوقع من المجتمع لإجراءاتهم الرافعة للدعم التي يصرون على الاستمرار بها، هذا طبعاً إذا استمروا هم في مواقعهم..
إنهم يصرون على استفزاز 90% من الشعب السوري، وإشعاره بشكل دائم أنه على شفير الهاوية، وأن رقبته بأيديهم، وأن كلمته غير مسموعة حتى ولو عبرت عنها النقابات والاتحادات والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية... إذاً، هذا هو الهدف، وليس المليارات التسعة أو الاثني عشر ملياراً التي لن «تخرج الزير من البير»...
إننا نقترح على الفريق الاقتصادي أن يكون عملياً وواقعياً، فهو فعلياً خسر معركة رفع الدعم جماهيرياً، وخسر معها ما تبقى من شعبيته، ونجوميته التي كانت في الذروة في أيامه الأولى. نقترح عليه أن يرضي 90% من الشعب السوري بحل بسيط يمكن أن يأتي لخزينة الدولة بـ90 مليار ل.س، بل 190 مليار ل.س، أو حتى 290 مليار ل.س، عبر إغضاب المتهربين ضريبياً والفاسدين الذين ينهبون أموال الدولة، وإغضاب هؤلاء أسهل من إرضائهم بكثير، إذ لا حدود لجشعهم وشراهتهم، ولكن إغضابهم سيرضي الشعب السوري، وينقذ الاقتصاد الوطني، ويضع الأساس لاقتصاد المواجهة التي يفرضها علينا العدو، والذي أصبح إرساؤه ضرورة وطنية قصوى.
لقد أتى هذا الفريق إلى الإدارة الاقتصادية في ظرف تاريخي محدد، وقد استنفد حظه في الاستمرار ضمن المتغيرات العالمية والإقليمية، لأن بنيته وعقليته مبنية على التكيف مع ظرف التراجع العام الذي كان سائداً لسنوات خلت، بينما المرحلة الحالية تتميز بالنهوض العام الذي نشهده في كل العالم، وفي منطقتنا، مما يتطلب صياغة مشروع شامل للمواجهة، وشتان ما بين هذا وذاك..
لن نقول لهذا الفريق الاقتصادي «يا رايح كتر ملايح» لأن الشعب السوري قادر على الدفاع عن مصالحه ومصالح وطنه، ومثلما لم يسمح سابقاً بتمرير السياسات الاقتصادية الليبرالية، لن يسمح بتمريرها لاحقاً، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..