الافتتاحية لكي يكون التغيير جديّاً
تواترت في الإعلام السوري في الفترة الأخيرة، أخبار حول قرب تغيير حكومي، والحال كهذه لابد من التساؤل عن الإنجازات التي حققتها الحكومة وخاصة فريقها الاقتصادي، خلال فترة ولايتها، لأن تحديد حجم ونوعية هذه الإنجازات لابد وأن يؤثر على نوعية التغيير الحكومي المرتقب.
■ رغم تضارب الأرقام المحلية وغير المحلية حول نسب النمو المتحققة، إلاّ أن الأكيد أمران:
1 ـ أولهما: أنه إذا كان ولابد هناك نمو متحقق وهو أمر مشكوك فيه، إلا أنه في كل الأحوال لم ينعكس إيجابياً ولو بمقدار «شروى نقير» على مستوى معيشة الغالبية العظمى من الناس، بل يمكن القول إنه انعكس سلبياً، فارتفاعات الأسعار منذ 2006 فقط حتى الآن تجاوزت 70 % من مستوى الأسعار السابق، بينما لم تزدد الأجور إلا بنسبة 25 % مما تسبب بانخفاض شديد بالقدرة الشرائية للمواطن العادي.
2 ـ ثانيهما: الأكيد أن النمو المتحقق لم يجر في قطاعات الاقتصاد الحقيقي، أي الصناعة والزراعة بالدرجة الأولى، وإنما جرى في قطاعات التداول مثل المال والمصارف، بينما حققت الفروع الإنتاجية على مستوى الاقتصاد الوطني تراجعاً عن مستواها السابق، أو راوحت في مكانها في أحسن الأحوال، الأمر الذي أدى إلى اختلال شديد بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية يدفع المواطن البسيط ثمنه في ارتفاعات أسعار جميع مواد الاستهلاك الشعبي الواسع.
■ لم تجر مكافحة جدية للفساد الذي يضغط بنتائجه السلبية بشكل واضح على الاقتصاد الوطني، وهو ما يزال يلعب دوره وخاصة في المستويات العليا والوسطى من إدارة الدولة في كبح التطور الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة الناس.
■ لم تؤد سياسة مكافحة البطالة المعلنة إلى أية نتائج عملية، وهي ما تزال محافظة بأحسن الأحوال على مستوياتها السابقة، مما يؤكد أن السياسات المتبعة لم تثبت جدواها، ولم تكن فعالة، ويتحمل المسؤولية الأساسية في ذلك تخفيض الإنفاق الحكومي الاستثماري على المشاريع الكبرى، مما ساهم في تشويه البنية الهيكلية للاقتصاد السوري الذي انتعشت فيه بالدرجة الأولى التدفقات الاستثمارية نحو الفروع الخدمية غير الإنتاجية.
■ انخفض مستوى معيشة أكثرية الشعب بوتائر لم يشهد لها التاريخ السوري الحديث مثيلاً، كما ازداد تمركز الثروة والإنفاق الترفي في أوساط الأقلية الساحقة للاقتصاد الوطني...
أي باختصار، لقد أثبت المشروع الليبرالي فشله الكامل في الاقتصاد والمجتمع، وعجزه التام بشكل عملي وبالشواهد التي لا تقبل التأويل، هذه النتيجة التي كان من الممكن تجنبها بالممارسة لو استندنا بشكل جدي إلى ما أنجزه العلم حتى وقتنا الحاضر، وكذلك إلى تجارب البلدان والشعوب التي عانت من ويلات الردة الليبرالية الجديدة..
وكما يقال: أن تأتي متأخراً أفضل من ألاّ تأتي أبداً، فالوقت والتاريخ مازالا يتيحان دحر المشروع الليبرالي الاقتصادي وآثاره المجتمعية، والانطلاق إلى رحاب مشروع تنموي حقيقي يضمن النمو الحقيقي والحدود المعقولة للعدالة الاجتماعية..
لقد أصبح واضحاً لكل من يريد الخير للبلاد، أنه لا وقت لدينا لترف تجريب المشروع الليبرالي المنهار عالمياً وتاريخياً.. فاستمراره في ظل الظروف الخطيرة والمعقدة في المنطقة، واستمرار التهديدات للكيان الوطني هو خطر بحد ذاته على الأمن الوطني بما يحمله من أخطار خلخلة التركيبة الاجتماعية وزيادة تراكم الاستياء بين أوساط الشعب، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة الوطنية التي أصبحت نقيضاً مباشراً وعلى طول الخط للمشروع الليبرالي السيئ الصيت.
والخلاصة، إن أي تغيير حكومي إذا لم يأخذ بعين الاعتبار الإخفاقات الكبرى التي تسببت بها السياسة الاقتصادية المتبعة، وإذا لم يكن نتيجة لتغيير شامل وجذري في طريقة التعاطي مع الشأن الاقتصادي والاجتماعي، فهو سيزيد الطين بلة، وسيوصل الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي إلى طريق مسدود ينذر بأخطار شديدة يجب ويمكن تجنبها، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..