عرب.. وأكراد.. واقع وآفاق
لعل أهم ما فعله مقال الكاتب محمد العبد الله المنشور في العدد /365/ من صحيفة قاسيون تحت عنوان (وساطة برسم الاستثمار) أنه نبهنا نحن معشر الشيوعيين، وخاصة الشيوعيين العرب، إلى مدى تقصيرنا في تناول أوضاع أشقائنا الأكراد والدفاع عن حقوقهم ومعالجة واقع الحركة القومية الكردية.
منهجياً
لا يمكن للماركسي أن يتناول قضية سياسية، إلا في سياق رؤية معرفية متكاملة تلتزم بمنطق حديدي محكم. فإن لم يفعل وقع في مستنقع السياسة الإرادوية الشعاراتية البرغماتية المنافقة، التي لن تقدم له سوى ابتلاع منهجه الجذري الثوري.
فلنعد إذن إلى أصول الفكر والمنطق، غير عابئين باستفزاز عقول الحمقى، فلطالما سبَبَ العلم الثوري الماركسي الصداع للبراغماتيين وممارسي السياسة اليومية المتقلبة.
الرؤيا الماركسية للقضية القومية
لئن قَدَّر ماركس كل الفكر السياسي الرزين السابق له، فإنه قليلاً مامدح من سبقه بمثل ما مدح به تشيرنشيفسكي ملهم الثوريين الديمقراطيين الروس، بأن وصفه بـ(الناقد والمفكر العظيم).
تشيرنشفيسكي المغرم بقوميته، وبأمته الروسية، وصف ذات مرة الأمة الروسية بالقول: (أمةٌ وضيعة، أمةُ عبيد، إنهم عبيد من الأعلى إلى الأسفل)، معبراً بهذه العبارة عن أعمق مشاعر الحب والاحترام لشعبه الروسي!!
نعم الحب والاحترام... لأنه قال هذه العبارة، وقد هيمن على الأمة الروسية الوله الذاتي القومي الروسي، إلى حد أن سيطر عليهم شعورهم بالتفوق القومي على القوميات الأخرى، فقاموا بتبرير وتأييد مطامع القيصر في احتلال واستعباد روسيا للشعوب والمستعمرات الضعيفة التي احتلتها آنذاك.. قال هذه العبارة، وهو يترجم عملياً ما نَصَّ عليه البيان الشيوعي من أن (شعباً يستعبد شعوباً أخرى لايمكن أن يكون حراً).
إذاً، فلنقرر بجلاء تام: أن مشاعر استعباد شعب لشعب لايمكن أن تصدر إلا عن شعب مستعبَد بالأصل، وأن الدعوة للتحرر لايمكن أن تكون أصيلة ومتسقة إلا إذا عمت النفس والغير، وأن معيار حرية وكرامة الأمم الكبرى يتحدد بقدر ماتدافع عن حرية وكرامة الأمم الصغرى.
تاريخياً:
لن نضيف جديداً إذا قلنا، إن الفكر القومي في أوربا نشأ في ثنايا نهوض البرجوازية وقضائها على الإقطاع، وهو، وإن سبق النهوض القومي لدى الأمم والشعوب المضطهَدة، فإنه مالبث أن تحول من شعور يهدف لجمع الأمة الواحدة في دولة واحدة إلى شعور بالتفوق على الأمم الأخرى، بل حتى أن الطبقة العاملة الأوربية، ونتاج رخاء العيش الذي قدمته برجوازيتها لها، بسبب تمتعها بفتائت القيمة الزائدة التي تنهبها برجوازيتها من المستعمرات، هذه الطبقة العاملة، لم تستطع أن تقاوم كثيراً محاولات تثقيفها بمشاعر الاحتقار والاستخفاف لعمال الأمم المضطهَدة وكادحي المستعمرات. وبذلك علينا أن نقرر فارقاً كبيراً بين الوعي القومي لدى أمم البلدان المتقدمة والوعي القومي لدى الأمم والشعوب المضطهَدة، إذ بات واضحاً أن الشعور القومي لدى الأمم المتقدمة كان ضرورة للبرجوازية الحاكمة في تبرير ظلمها واضطهادها للأمم الأخرى، بينما نشأ الشعور القومي لدى الأمم المضطهدة والمظلومة كأداة لتوحيد طاقات هذه الأمم في وجه الظلم والاضطهاد الذي تتعرض له.
في هذا السياق لم يكن مُستغرباً على الإطلاق أن تتعهد ثورة أكتوبر الظافرة القوميات بكل رعاية ومساندة، فكانت رسائل لينين المشهورة إلى شعوب وأمم آسيا واستيقاظها ومحاولات بعث الروح القومية لدى هذه الأمم في مواجهة الاستعمار الكولونيالي.
هذه الحقائق كانت واضحة وضوح الشمس أمام قائد الثورة البلشفية، الذي رآها بالأهمية التي تفرض عليه تعديل شعار الحركة الشيوعية العالمية من (يا عمال العالم اتحدوا) إلى (يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا).
لينين المتسق في علميته، المتسق في ثوريته، كان يدرك كل الإدراك الجوهر الطبقي للفكر القومي التحرري، بمقدار إدراكه للجوهر الطبقي للظلم القومي.. لدى لينين الظلم هو الظلم، والاضطهاد هو الاضطهاد، ومهما اتخذ من لبوسات مختلفة، قومية أو غيرها، فإنما هو ناتج عن طبيعة النظام الرأسمالي السائد. وعليه، فإذا كان الفكر القومي الشوفيني الاستعبادي هو أداة من أدوات الدولة الرأسمالية، فإن الفكر القومي التحرري هو الرد على الفكر القومي البرجوازي الشوفيني، ومن أهم أدوات العملية الثورية العالمية في سعيها لزلزلة أركان هذا النظام الرأسمالي الإجرامي العالمي، وبناء نظام أفضل للبشرية جمعاء.
تماماً، مثلما تصبح كل الشعارات الجميلة لدى النظام الإجرامي العالمي، مجرد أدوات في مشروعه للسيطرة الكونية على الأمم والشعوب ومقدراتها، فإن المحور الناظم لكل القضايا الثانوية لدى الثوريين العلميين هو موقعها في سياق العملية الثورية العالمية الهادفة إلى إزالة كل أشكال الظلم والاضطهاد.
عرب وأكراد
من الطبيعي ألا تدعي هذه الدراسة، بسبب ضيق المساحة المتاحة لها، قدرتها على سرد تاريخ العلاقة بين الشعبين الشقيقين، والقيام بعمليات تجريد معرفي لمسار العلاقة، والخروج بالاستنتاجات الكاملة التي لايأتيها الباطل من خلفها ولامن بين يديها، بل ستكتفي هذه الدراسة، بالإشارة إلى الوقائع العامة، التي تسم بميسمها كل التفاصيل التاريخية المندرجة فيها.
فإذا تتبعنا نهوض وتطور ومآل الحركتين القوميتين العربية والكردية نجد توافقاً في:
1 - ظهرت الحركتان في الفترة نفسها، وبالتزامن أيضاً مع ظهور حركات التحرر القومي والوطني العالمي ضد الاستعمار الكولونيالي.
2 - شأنهما شأن كل حركات التحرر الوطني والقومي، كانت طبيعتهما تقدمية تستهدفان القضاء على الاستعمار الكولونيالي، وبناء أوثق العلاقات مع حركات التحرر في العالم أجمع، وأوثق العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وقد تلقتا دعماً واسعاً منه. كلنا نتذكر دعم السوفييت لجمال عبد الناصر، كما نتذكر دعمهم لمصطفى البرزاني وحركته. وقد تطورت وتعمقت العلاقة بين السوفييت وبين البرزاني خلال عشرات السنوات، منذ الأربعينات وحتى منتصف السبعينات، مروراً بالخمسينات والستينات من القرن الماضي. ووصلت الصداقة بين الاتحاد السوفييتي والحركة القومية الكردية، إلى درجة أن قام السوفييت بتدريب عناصر الثورة الكردية المسلحة في أراضي الاتحاد السوفييتي، وحصل الملا مصطفى البرزاني على رتبة جنرال في الجيش الأحمر السوفييتي. ولم يعرف تاريخ الحركة القومية الكردية سوى التحالف مع الشيوعيين والاتحاد السوفييتي، ولانعتقد أن عاقلاً سيتهم الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية بالعمالة للصهيونية.
وتخبرنا مذكرات طالب شبيب أحد قادة النظام الفاشي السابق في العراق، أن انقلاب 8 شباط 1963 لم يكن ليتم لولا الدعم الأمريكي له، وأن النظام الفاشي جاء بقطار أمريكي، وكلنا يعرف المجازر التي قام بها هذا النظام الفاشي الدموي العميل ضد الشيوعيين والوطنيين الأحرار في العراق، فلم يكن أمام الشيوعيين من ملاذ آمن إلا في شمال العراق وحركة البرزاني الذي قدم لهم كل الدعم والحماية.
بل إن حركة البرزاني قد ضمت فصائل مسلحة عربية حاربت الفاشية الدموية جنباً إلى جنب مع شقيقاتها الكردية.
3 - تطورت أساليب النظام الرأسمالي الإجرامي العالمي وانتهى النظام الكولونيالي، وأصبحت حركات التحرر الوطني والقومي أمام استحقاقات السياسة الاقتصادية ـ الاجتماعية وتقديم النموذج التحرري بالبعد الاقتصادي ـ الاجتماعي، وفشلت كلتا الحركتين في استيعاب ضرورات وآليات عمل المرحلة المستجدة، بل أخفقتا في تكوين رؤية معرفية جديدة للواقع المستجد، وبالتالي كانتا تعالجان القضايا المستجدة برؤية قديمة ومهترئة بالقياس إلى ضرورات المرحلة المستجدة.
4 - عبر عشرات السنوات، لم يسجل التاريخ أي صراع شامل بين الحركة القومية العربية والحركة القومية الكردية، بل على العكس من ذلك، نظرت كل واحدة منهما للأخرى على أنها خزان ثوري لها وحليف استراتيجي صادق. ولاأدل على كلامنا هذا من موقف جمال عبد الناصر القومي العربي من الزعيم التاريخي للشعب الكردي الملا مصطفى البرزاني، إذ دعم عبد الناصر حركة البرزاني بكل قوة، ووجد البرزاني في القاهرة ملاذاً آمنا له، ووصلت الصداقة بين الحركتين إلى حد قيام عبد الناصر بفتح إذاعة خاصة للبرزاني وحركته في القاهرة في أواخر الخمسينات، واستمرت بالعمل عشر سنوات.
5 - لم تستطع كلتا الحركتين، بجماهيرهما العريضة وبمثقفيهما وسياسييهما، أن تتعاملا مع الواقع الجديد، مع بعض الاستثناءات القليلة التي تجلت في تحول بعض التنظيمات القومية العربية إلى تبني الفكر الماركسي (الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، الحزب الاشتراكي اليمني) وأداء الشيوعيين الأكراد في شمال العراق، بل وحتى أداء بعض القيادات التاريخية في شمال العراق التي تبنت الماركسية أيضاً وشكلت الملاذ الآمن للنضال المسلح للشيوعيين العراقيين ضد النظام الديكتاتوري الفاشي في بغداد.
تغيير المواقع
تغيرت آليات النظام الرأسمالي الإجرامي العالمي، وتغيرت بنية المجتمعات العربية والكردية، وازدادت مهام حركات التحرر القومية العربية والكردية ضراوة وتعقيداً، وتشكلت طبقات وفئات اجتماعية جديدة أصبحت مصالحها في جيوبها، وحيث تجثم حساباتها البنكية، وانتقلت هذه الفئات والطبقات إلى مواقع العداء للشعبين العربي والكردي حرصاً على مصالحها وحساباتها البنكية، بينما بقيت الحركتان الثوريتان العربية والكردية تعيشان على أمجاد الماضي وتشيحان الوجه عن متطلبات الحاضر، ولم تستطيعا حتى هذه اللحظة إدراك الواقع المستجد واستلهام متطلباته والسعي لتحقيقها، الأمر الذي جعل الكثير من القيادات الحالية للحركة القومية الكردية اليوم تقوم بقطيعة كاملة مع كل التراث الثوري التقدمي للحركة الكردية التاريخية، وهذا من طبيعة الأمور، فلطالما انتقلت الحركات القومية التي عجزت عن تشريب حركتها محتوىً طبقياً من حركة قومية تقدمية إلى حركة قومية رجعية، وأوضح مثال على ذلك الحركة القومية في أريتيريا التي انتقلت من موقع الحركة القومية التقدمية عندما كانت تحارب نظام هيلاسي لاسي في إثيوبيا وتلقى دعم السوفييت وكل أحرار العالم، إلى حركة قومية رجعية لاتلقى الدعم إلا من إسرائيل عندما تغير النظام في إثيوبيا.
وتبلغ المفارقة ذروتها في الوعي القومي التحرري العربي والكردي عندما يصبح سياسيو ومثقفو كلتا الحركتين في موقع التناقض، بل والعداء بين بعضهما البعض!! أية مفارقة!!.
المتسلطون على الشعب الكردي يقومون بقطيعة كاملة مع كل النضال الثوري التحرري للشعب الكردي ضد الظلم والاضطهاد والاحتلال، ويصبحون ممثلين شرعيين ووحيدين للرأسمال الإجرامي العالمي، ويخلطون الأوراق بعضها ببعض فيصبح أعداء الشعب الكردي بالأمس أصدقاءه، وأشقاء الأمس أعداءه، والحركة القومية الثورية الكردية مكسورة الجناح، لاحول لها ولا قوة، تدعو الله أن يكون الزعماء المخضرمون، زعماء كل الأوقات وكل العصور وكل السياسات، على حق.
أما من تبقى من بؤساء التعصب القومي العربي فيجدون أن كل المشكلة أصبحت في الشعب الكردي، وأن مايتم اليوم في شمال العراق ما هو إلا إنشاء إسرائيل ثانية!!. نعم.. هذا هو البؤس بعينه!! وهم بذلك يتناسون، أن الفرق كبير، وكبير جداً بين إسرائيل، وبين أي كيان موجود أو يمكن أن يوجد على ظهر المعمورة، فإسرائيل هي الممثل الشرعي والوحيد للرأسمال المالي الصهيوني العالمي، وللرأسمال الإجرامي العالمي، وستبقى كذلك إلى أن تزال من الخارطة، وهي بطبيعتها عدوة لكل الشعوب المستضعفة في الأرض، وفي مقدمتها الشعبان العربي والكردي. وعندما يصافح الثوري القديم، الرجعي الجديد جلال الطالباني مجرم الحرب إيهود باراك، فإنه لايمثل الشعب الكردي كما أنه لايمثل الشعب العراقي.
فلنكن جريئين مع أنفسنا، إن ما يُكتب حول الماضي يجب ألا يُشتَم منه رائحة تعصب قومي عربي صدّامي، وإلزام الشعب الكردي الشقيق وتاريخه المشرق بمصافحة الطالباني للمجرم باراك، يعني فيما يعني، وإذا استخدمنا آليات التفكير ذاتها، إلزام الشعب العربي بخيانات حكامهم، وإلزام حركة التحرر الوطني الفلسطيني الباسلة بخيانات محمود عباس، فعندما نحكم على الحركة القومية الكردية وتاريخها بالخيانة لأن جلال الطالباني صافح المجرم باراك، فإن منطق الأمور سيجعلنا نحكم على كل تاريخ الثورة الفلسطينية المشرِّف بالخيانة، لأن محمود عباس كان عراب المصافحة. أولا يشكل محمود عباس جزءاً من تاريخ الثورة الفلسطينية، تماماً كما يشكل الطالباني جزءاً من تاريخ الثورة الكردية؟؟؟!! ثم إن اختراق حركات التحرر الوطني والقومي بالعملاء، لايعني بحال أن تصبح هذه الحركات عميلة، وإلا، خرجنا بنتيجة مضحكة مفادها أن جميع حركات التحرر الوطني والقومي التي عرفها التاريخ عميلة، لأن التاريخ لم يعرف حركة لم تُخترق من أعدائها!!.
الثابت والمتحول
لاأظن أننا يمكن أن نفهم وضع الحركة القومية الكردية بشكل صحيح إلا ضمن ثنائية الثابت والمتحول.
حقوق الشعب الكردي حقوق ثابتة، ونضاله من أجلها مشروع ويجب أن يلقى كل الدعم من أشقائه العرب تماماً كما يجب أن تلقى حقوق الشعب العربي كل الدعم من أشقائه الأكراد، وإنّ تخلي العرب عن أشقائهم الأكراد في هذه الفترة العصيبة، لن يقدم للشعب الكردي سوى المزيد من إيجاد التبريرات لقادتهم للغرق أكثر فأكثر في وحل مستنقع التماهي مع المشروع الأمريكي في المنطقة، والذي بجوهره متطابق مع المشروع الصهيوني.
أما المتحول، فهو واقع القيادات الكردية الحالية ومصالحها، فلقد انقلبوا على كل التاريخ المشرِّف للحركة القومية الكردية، وذهبوا إلى الأمريكان بعدما أذاق الأمريكان الشعب الكردي مرارات خيانتهم المتكررة لهم، أولم يوصِ القائد الكردي الكبير مصطفى البرزاني شعبه بالحذر من الأمريكان وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ أولم يحذر شعبه من الثقة بالأمريكان في وصيته الأخيرة؟ أولم يدرك القادة الأكراد حقائق التاريخ بعد؟؟؟ أولم يعرفوا بعد، أن من دعم جمهورية مهاباد في الأربعينات هم الشيوعيون والاتحاد السوفييتي وكل التقدميين في العالم، وأن من جعل جمهورية مهاباد تنهار هم الإنكليز وعميلهم شاه إيران؟؟!!.
وهاهم القادة الأكراد الحاليون، يتحولون أكثر فأكثر وعبر تحالفهم مع الأمريكان إلى موقع العداء للكادحين الكرد، بعد فقدانهم بوصلة الحركة التقدمية الكردية بمصالحهم الطبقية الجديدة، وبدؤوا باضطهاد شعبهم الكردي الكادح، وكلنا يسمع بين الفينة والأخرى عن الاحتجاجات العمالية والإضرابات التي تتم في كردستان العراق. نعم، تماماً مثلما قال القائد الشيوعي العراقي آرا خجادور: الظلم يتحدث اللغة الكردية أيضاً.
موقف أممي
وهنا لابد من نصيحة رفاقية لبعض الإخوة الأكراد: فنحن إذا كنا نتفهم حساسيتهم للتعرض بالسوء للتاريخ النضالي المشرف للشعب الكردي، إلا أن ذلك يجب ألاّ يحول دون فضحهم لبعض القيادات الكردية الحالية التي انتقلت إلى الضفة الأخرى، ضفة العدو، وأصبحت عدواً لشعبها وشعوب المنطقة بمختلف قومياتها، وتاريخ بعض هذه القيادات يجب ألاّ يشفع لها بحال من الأحوال سياساتها التي استمرأت الغوص في وحول التعامل مع المستعمر الظالم والغاصب. إن قيام الثوريين الأكراد بالفضح الجريء والمستمر لمواقف وسياسات بعض القيادات الكردية سيسهل التحالف النضالي بين الشعبين الكردي والعربي لدحر العدو المشترك كما فعلوا خلال كل تاريخهم..
لقد آن الأوان للحركتين القوميتين العربية والكردية لكي تبنيا رؤيا ثورية جديدة إذا كانتا صادقتين مع شعبهما، رؤيا تدرك الواقع الجديد، فتخلق أدوات النضال الجديدة وتتحدان في النضال ضد كل أشكال الظلم القومي والطبقي، ولا يمكن لهذه الرؤيا الجديدة أن تؤسس بالشكل الصحيح، ما لم تكن مبنية على محتوى طبقي علمي، يفهم حركة الواقع الجديد وقوانينه ويسعى للتحكم بهذه القوانين، بما فيه خير الشعبين العربي والكردي. عندها ستتحدد المهام الحقيقية لحركتي التحرر هاتين، وستعرفان من هو العدو الحقيقي والعدو الوهمي...
بذلك لن يصبح شعار الإخوة العربية الكردية مجرد شعار، بل ستصبح الأخوة العربية الكردية حقيقة مادية على الأرض، ستفرم كل قذارات الفكر الليبرالي بنسخته الشوفينية، بدل أن يفرم الشعبان العربي والكردي بعضهما البعض، كما يريد العدو الأمريكي الصهيوني، عبر تحريضه المباشر وغير المباشر لخلق ثنائيات وهمية (عربي – كردي، سني – شيعي) لكي تذبح هذه الشعوب بعضها بعضاً، ولتعم سياسة الفوضى الخلاقة بين شعوب المنطقة، ولتنعم رايس بمشاهد دماء الشعبين الشقيقين العرب والأكراد.
والخطوة الأولى في هذا الاتجاه يجب أن تكون من ممثلي القومية الكبرى، بتمتين الثقة وإبداء حسن النوايا وتتمثل هذه الخطوة في سورية، بمنح الجنسية لجميع المواطنين الأكراد المحرومين من الجنسية نتيجة الإحصاء الاستثنائي الجائر والظالم لحكومة الانفصال عام 1962، وإعطاء كامل الحقوق الثقافية والمدنية للأشقاء الأكراد، عندها يمكن الحديث عن إستراتيجية جديدة لمقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة يعبر عنه مشروع الشرق العظيم، الذي تتحد فيه كل القوى الخيرة في هذه المنطقة، متساوية في الحقوق والواجبات ومدافعة عن شعوبها وقومياتها وكادحيها، ولاأظن أن هنالك عاقلاً يمكن أن يرى خيراً لشعبه في المشروع الأمريكي–الصهيوني للمنطقة، فإذا كانت أداة هذا المشروع هي التفتيت والشرذمة لشعوب المنطقة؛ فإن السلاح الرادع لهذا المشروع هو وحدة نضال هذه الشعوب ضده.
فهل لكادحي شعوبنا من خيار غيره؟!.
* عضو مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين