قراءة في مشروع موضوعات حزب الإرادة الشعبية حول «القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم»
ازداد وزن القضية الكردية في السنوات الأخيرة كإحدى أهم القضايا وأعقدها في منطقتنا, ومنها تأتي أهمية تحديد موقف واضح ومبدئي ودقيق تجاه قضية شعب ومكون أساسي من مكونات المنطقة والإقليم, وهكذا جاءت هذه الوثيقة الجادة لـ «صياغة موقف وطني وأممي مبدئي يقطع الطريق على الطروحات الاقصائية التمييزية أوالانعزالية أوالتقسيمية.» كما جاء في الوثيقة.
هندسة سياسية
يتوزع الكرد بشكل أساسي ضمن حدود أربع دول وهي تركيا: وإيران والعراق وسورية, بعد اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية بهدف إبقاء بؤر توتر كامنة قابلة للانفجار في أية لحظة, عندما تتطلب مصالح الدول الغربية ذلك. وبهذا المعنى تعتبر القضية الكردية قضية إقليمية بامتياز من حيث النشوء والتكوين، وبمجرد اضطراب الوضع في بلد من البلدان يضطرب الوضع الإقليمي, وبالإضافة إلى الدول الأربع فإن لكل دولة منها تحالفاتها وامتداداتها, فيصبح الكل معني بهذه القضية بشكل أو بآخر الأمر الذي يعني أن حلاً إبداعياً يجمع بين حق الكرد في تقرير مصيرهم مع الحفاظ على وحدة البلدان هو الحل الوحيد الذي يجمع بين الإمكانية والضرورة، وعدا عن ذلك فإن الذهاب إلى أبعد من ذلك، سيحول القضية الكردية إلى عامل توتر جديد في المنطقة، ذلك ما تقوله التجربة التاريخية المتعلقة بالقضية الكردية، وهذا ما يؤكد تأثر أوضاع بلدان المنطقة المباشر على دول الإقليم كلها، مما يعني استثمارها لصالح قوى دولية، لا يجمعها أي جامع مع مصالح شعوب المنطقة والشعب الكردي، وربما نستطيع إيراد مثال اتفاقية الجزائر لعام 1975 بين النظام العراقي ونظام الشاه، في إيران رغم خلافاتهما الكثيرة آنذاك، بوساطة هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا آنذاك لوأد الثورة الكردية في كردستان العراق بقيادة الملا مصطفى البرزاني، بالمناسبة كيسنجر هو القائل أن «ليس هدف أمريكا حل المشاكل في العالم, وإنما الإمساك بخيوط المشاكل والتحكم بها»
ثانياً: بما أنه لم يعد ممكناً المماطلة والتسويف في حل القضية الكردية في المنطقة وفي كل دولة على حدة, أو إنكارها، لابد من أخذ الظروف الموضوعية لهذه القضية بعين الاعتبار, بشكل يحقق الحقوق القومية للكرد بشكل سلمي ضمن التفاهم الطوعي الإرادي لشعوب المنطقة كلها، بما يعمق تآخيها ويوحد نضالها ضد مشاريع التفتيت والفوضى الخلاقة ومقولات صراع الحضارات الامريكية ,والسير باتجاه وحدة مصالح شعوب الشرق العظيم .
وحدة المصير
ثالثاً: يظهر بالملموس أن الأنظمة التي تضطهد الكرد في بلدانها لا تستثني من اضطهادها باقي الفئات الشعبية من المكونات الأخرى والتي يدعي تمثيلها أو ينطق باسمها بشكل تؤمن متلازمة «النهب ـ القمع» حيث النهب يكون مضاعفاً «مزدوجاً» بحكم طبيعة الرأسمالية التابعة للمراكز ال
الإمبريالية في هذه الدول، بمعنى أن شعوب المنطقة جميعها، تدفع ثمن علاقات الإنتاج الرأسمالية السائدة في هذه البلدان، وهو ما يؤكد وحدة مصيرها ومصالحها، لذلك لابد من تضافر جهود القوى كلها من أجل التغيير الجذري الذي يفضي إلى إقامة أنظمة تعبر بحق عن مصالح شعوب تلك البلدان من تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وإرساء دولة المواطنة الحقة بدون أي تمييز (قومي ـ ديني ـ طائفي ـ مذهبي...)
لذلك يجب أن تكون الشعارات مدروسة جيداً لكي يتفادى الإقليم من مؤامرة ضرب المكونات القومية وغيرها ببعضها البعض، وخاصة الكرد بالشعوب المجاورة الأخرى من عرب وترك وفرس، لتدخل المنطقة في دوامة حروب الكل فيها خاسر وخاصة الكرد وبالتالي تتحقق المصالح الاستعمارية ,في إضعاف الجميع في الإقليم ليسهل عليها نهبها واستغلال ثرواتها ,ويحافظ أيضا على مصالح (الكيان الصهيوني ) الذي يغتصب حقوق الشعب الفلسطيني العادلة والذي يحاول إذكاء نار الفتنة بين شعوب المنطقة لتأليبها ضد بعضها البعض بدعوى مشبوهة عن دعمها لحقوق الشعوب. ونحن نذكر جيداً عن تعاونها العسكري مع الأنظمة التركية المتعاقبة المضطهدة للكرد وناكرة حقوقها ,وساهمت مع المخابرات الأمريكية بعملية قرصنة دولية في اختطاف زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان وتسليمه إلى تركيا الذي يقبع في السجن منذ عام 1999.
لهذا كله وبسبب المشتركات الكثيرة بين شعوب المنطقة، وبفعل عوامل الضغط الخارجية وعوامل التجاذب الداخلية، ترى الوثيقة كما أعتقد، بأن هذه المنطقة قابلة (وربما محكومة) بالتقارب والتكامل والتوحد اقتصاديا وحتى سياسياً, خاصة بعد أن وعت البشرية أن زمن الدول القومية قد ولّى وإن البشرية تتجه موضوعياً إلى التكتلات الاقتصادية والبشرية والجغرافية الكبرى، الذي يعبر عنه في منطقة شرق المتوسط بمشروع وحدة شعوب الشرق العظيم، بعيداً عن دغدغة المشاعر القومية العاطفية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
وأخيراً، لابد من التأكيد، بأن الوثيقة تعتبر دراسة قيمة وهامة، جديرة بالدراسة المتمعنة والموضوعية لإغنائها والارتقاء بها.