كيف أصبحت شيوعياً
ضيف زاويتنا لهذا العدد الرفيق ياسر حنا كاشي.
الرفيق المحترم أبو حسام، نرحب بك، ونحييك، ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟.
«ولدت عام 1944 في بلدة المشرفة التابعة لمحافظة حمص في عائلة فلاحية، نشأت وترعرعت في خضم الصراع الذي احتدم في الخمسينيات بين الفلاحين وبين الإقطاعيين وأزلامهم، وفي بلدتنا خاض الفلاحون، ومعظمهم من الرفاق وأصدقاء الحزب، معركتهم الطبقية ضد الإقطاع، وكان لكوادر الحزب دورهم المشرف في قيادة نضال الفلاحين من أجل إنهاء استغلال وظلم الإقطاعيين، فقد رفعوا مطالب الفلاحين إلى كل المسؤولين، وبخاصة إلى مجلس النواب (وفود وعرائض)، وقد حدثت صدامات دامية بين الفلاحين والإقطاعيين، واجهت فيها العصي الأسلحة النارية، وأصيب عدد من الفلاحين فيها، وكنت أشاهد ما يجري وتفيض نفسي بشعور الانتماء للكادحين، فأحس بمشاعر الإكبار لهؤلاء المناضلين.
نلت الشهادة الابتدائية من مدرسة القرية عام 1957، ثم انتقلت إلى مدينة حمص وسكنت مع والدي الذي كان متفرغاً للعمل الحزبي (عضو لجنة منطقية)، وتابعت الدراسة في الصف السادس بمدرسة الغسانية. وفي عام 1959 بدأت أجهزة المباحث حملة ضارية ضد الحزب الشيوعي، وكنت حينها في بيت الحزب السري أقوم بتأمين حاجيات الرفاق، وقد ارتأى الرفاق أن وجودي معهم خلال المداهمات قد يشكل نقطة ضعف، ويمكن أن يضر بالوصول إلى هذا البيت، فطلبوا مني العودة إلى القرية، فتركت المدينة والمدرسة ورجعت إلى المشرفة، وما هي إلا أيام قليلة حتى بدأت الاعتقالات في القرية، حيث قام زبانية مباحث عبدو حكيم وعبارة باعتقال العشرات من الرفاق في القرية، كان من بينهم أعمامي، وحوصر بيتنا من رجال المباحث الذين منعوا الدخول والخروج، ومنعوا الفلاحين من العمل في الأرض. وبعد فترة، تم اعتقالي بتهمة جمع التبرعات للمساجين الشيوعيين، ووضعوني في قبو من أقبية المباحث، ثم نقلوني إلى السجن، وهناك أحالوني إلى الطبيب الشرعي كوني صغيراً ليقدر عمري، فقدره بثماني عشرة سنة، وعلى هذا الأساس قدموني إلى المحاكمة التي حكمتني بالحبس لمدة ستة شهور أمضيتها في سجن حمص، وقد كنت أصغر المساجين في محافظة حمص، ثم حدث الانفصال وأفرج عنا، وقد تابعت نشاطي الحزبي حيث كلفت بمهمات متعددة. وحين حدث انقلاب آذار تجددت حملة الاعتقالات، فأوقفت أجهزة الأمن جميع الرفاق في اللجنة الفرعية ومعظم الرفاق في منظمة المشرفة، وقد استطعت التواري عن الأنظار خارج القرية لفترة، ثم عدت للعمل بعد تكليفي بإعادة إحياء المنظمة، فباشرت الاتصالات لجمع الرفاق الذين لم تطلهم يد المخابرات، وتعرضت للاعتقال من جديد، وأدخلت السجن البولوني، وبعد فترة طويلة من التعذيب أحلت مع تسعة من الرفاق إلى المحكمة العسكرية التي كان يرأسها الرائد مصطفى طلاس، وقد حكم علينا بمدد مختلفة، وأودعنا السجن (والرفاق المحكومون هم عبد الإله بريمان من المدينة، وفاضل وذيكان طعمة من العيون، وسمير سعد من قطينة، ومطانس حنا من وريدة، ومشهور غريبة ومنير الأشقر وأنا من المشرفة). وفي العام الذي خرجت فيه من السجن حصلت على الشهادة الإعدادية، وسجلت في ثانوية الغسانية، وعاودت اتصالي بالتنظيم الحزبي، وصرت عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الطلبة، ونشطت في صفوف اتحاد الشباب الديمقراطي. وعندما حدث الانقسام وصدر بيان 3 نيسان وقفت مع الرفاق ظهير عبد الصمد ودانيال نعمة وإبراهيم بكري، وعندما رجعوا إلى التنظيم قررت مع عدد كبير من الرفاق ترك التنظيم، واكتفيت بقراءة صحيفة كل من الفريقين، وظلت الحال هكذا إلى أن صدر ميثاق الشرف للشيوعيين السوريين الذي جاء ملبياً لرغبتي وإيماني بوحدة الشيوعيين، فشاركت في معظم الندوات التي كانت تعقد لتوضيح فكرة الوحدة وسبيلها إلى التحقيق، وقد التزمت بها التزاماً كاملاً، ثم انتخبت عضواًَ في اللجنة المنطقية للحزب، وقد كتبت كتيباً بعنوان: (الشيوعيون داخل سور قطنا العظيم)، تحدثت فيه عن وضع الشيوعيين في المشرفة خلال مرحلة 53-58 ودورهم في قيادة نضال الجماهير الفلاحية المؤمنة بالحزب، والفترة الثانية خلال مرحلة حكم آذار إلى أن وقع الانقسام والانشقاق، حيث كانت الجماهير الفلاحية قد أحرزت مكاسب تسجل لنضالها حين كانت الجمعية الفلاحية بغالبيتها من الرفاق، وتم شراء حصادات ودراسات وجرارات وإقامة محطة للمحروقات وتأمين الأسمدة والبذور والتسويق التعاوني... كل ذلك بسعر التكلفة، وقد تبدل الحال بعد الانقسامات، وانكفأ دور الحزب في القرية، فلم يبق إلا رفيق واحد ممثل للحزب في الجمعية، وكل الآليات الزراعية التي تملكها الجمعية بيعت أو أجّرت، وقد طالبت من خلال الكتيب الذي كتبته بالعودة إلى وحدة الحزب لنرجع كما كنا سابقا بقوتنا وعزيمتنا وبإيمان الجماهير بحزبها. طالبت بعودة الرفاق إلى حزبهم وبعودة الحزب إلى جماهيره..
أقعدني المرض منذ ثلاثة أعوام عن الحركة والعمل، لكنني بقيت مؤمناً أن وحدة جميع الشيوعيين السوريين لا بد ستتحقق، وآمل أن أراها وقد تحققت.
أحيي كل الرفاق في مختلف أماكن تواجدهم، وأقيّم عالياً دور صحيفة قاسيون التي أنا واثق أن جميع الشيوعيين يقرؤونها.
■ إعداد محمد علي طه