سورية تكبر بوحدتها الوطنية ودحر الفساد
شهدت سورية في الخمسينات وحدة وطنية قوية رسخت جذورها على الأرض بإرادة شعبيه حرة، أفشلت وأحبطت مشاريع ومخططات الاستعمار كحلف بغداد والهلال الخصيب والنقطة الرابعة والحشود التركية والإسرائيلية على الحدود. وكانت سورية من أقصاها إلى أقصاها تشتعل حماساً وغضباً، وتضيق رحابها بالمظاهرات في المناسبات الوطنية أو احتجاجاً على زيارة أحد المبعوثين الاستعماريين في المنطقة. وتصدت الحركة الوطنية للأنظمة الديكتاتورية العميلة وأسقطتها، وفجر العمال السوريون أنابيب النفط المارة عبر سورية من العراق تضامناً مع الشقيقة مصر في وقفتها ضد العدوان الثلاثي عام 1956، وبجّل شعبنا العملية الاستشهادية التاريخية التي نفّذها البطل جول جمال الطالب السوري في الكلية البحرية بمصر، بعدما استثارته نخوة الشرف ففجّر بطوربيده وأضلاعه التي تحولت إلى شظايا، السفينة الحربية «جان دارك» القادمة من فرنسا بمهمة عسكرية في المتوسط لضرب مصر، بينما اليوم يسهل الهوان على الحكومة المصرية «المباركة» بإغلاق معبر رفح بوجه الفلسطينيين.
عاشت الحركة الوطنية بكل مكوناتها الحزبية والنقابية والجماهيرية حياة ديمقراطية واسعة، ومارست حراكاً سياسياً بامتياز في ظل الحرية السياسية وحرية الصحافة وحق الإضراب والتظاهر وانتشرت الأندية بكل صفوفها وتطورت الحركة الثقافية والوعي السياسي في الأوساط الشعبية، ووصل الرفيق خالد بكداش إلى المجلس النيابي، إذ انتخبته العاصمة دمشق كأول نائب شيوعي في العالم العربي، وتشكلت جبهة وطنية شملت الشيوعيين والقوميين والتقدميين وفئات من البرجوازية الوطنية وسادت روح التعاون بين الجيش والشعب، وتحولت سورية بسبب الفضاء الديمقراطي الذي عاشته إلى منارة وقوة جذب في قلب حركة التحرر الوطني العربية، وموضع اهتمام لافت في العالم، وانتصرت قضية المواطنة والولاء للوطن على التأثيرات العرقية والطائفية والعشائرية والمناطقية ومظاهر التعصب القومي.
أما اليوم فالتطورات الجارية في البلاد تنذر بالخطر، ولم يعد بإمكان أحد تجاهل الأمر، والسؤال المطروح أمام القوى الوطنية هو إلى أين نسير؟
اقتصادنا يتدهور، والبطالة تستشري، والجريمة بأنواعها تتوسع، ونهب الثروة الوطنية يزداد، وسياسة الخصخصة والليبرالية نافذة بامتياز، والاحتقان يعم الجميع..
وتمعن الحكومة في غض النظر عن هذا الواقع المزري، وتسعى لزيادة الطين بلة بربط وإلحاق اقتصاديات سورية بالرأسمالية العالمية المتوحشة وتهميش دور الدولة وإنهاء وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية وتجويع الشعب وتقوية مواقع ونفوذ الطبقة الرأسمالية المحلية والتحكم بالقرار السياسي، وإضعاف الرصيد الوطني الذي حققه شعبنا بنضاله وتضحياته الطويلة، وتنفيذ مشيئة صندوق النقد والبنك الدوليين برفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية، وإنهاء قطاع الدولة وتحرير التجارة والأسعار وصولاً إلى خلق أرضية هشة لتمرير المشروع الأمريكي الصهيوني، مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتعريض الأمن الوطني للخطر. إن هذه السياسة لم تأت من فراغ، إنما تقف وراءها قوة طبقية رأسمالية موجودة داخل وخارج الحكم تربطها مصالح بالرأسمالية العالمية..
نحن معشر الشيوعيين السوريين لسنا من أنصار التشهير بأحد، ولسنا من دعاة البكاء على الأطلال، فعندما نذكر مرحلة تاريخية متقدمة مرت بها سورية، غرضنا من ذلك أخذ العبر والدروس، وغايتنا من النقد هو وضع الأصبع على الجرح المؤلم ومعالجته، من أجل سورية قوية ومنيعة في وجه الغزاة الذين كلما دق الكوز بالجرة هددوها بالحرب ونعتوها بالمارقة أو الإرهابية، وقد لا يروق نقدنا للمتربصين في الضفة الأخرى من ليبراليين وفاسدين وعملاء الإمبريالية والصهيونية.
ومن أجل إنقاذ البلاد من هذا الواقع الاقتصادي الاجتماعي المتردي، وتوفير حياة كريمة لشعبنا، وتقوية الجبهة الداخلية، لحماية استقلالنا الوطني وإفشال مخططات العدوان الأمريكي الصهيوني وحلفائهما من الدول العربية المعتلة، ومرتكزاتهما من قوى الفساد في الداخل، يجب إحداث انعطاف وطني ديمقراطي اجتماعي شامل في البلاد يشتمل على المهام الأساسية:
بناء وتعزيز الوحدة الوطنية للدفاع عن الوطن ووحدة ترابه، وتحرير الجولان المحتل.
إشاعة ونشر الحريات السياسية والديمقراطية، وممارسة حق التظاهر والإضراب وحرية الصحافة، ورفع الأحكام العرفية وتجميد قانون الطوارئ واحترام سيادة القانون، وعدم التمييز بين المواطنين، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والتوظيف، وإصدار قانون الأحزاب وتعدل قانون الانتخابات، إلغاء نتائج الإحصاء الاستثنائي عام 1962 في الجزيرة.
دحر الفساد ووقف عملية النهب، وتحسين المستوى المعيشي للشعب، وتطبيق العدالة الضريبية، وردم الهوة بين الأجور والأسعار، وتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل، والاهتمام بالزراعة، وإعادة تأهيل قطاع الدولة، وتعبئة كل الإمكانيات المتاحة لمكافحة التلوث والاهتمام بالصحة العامة.
إن تطبيق هذه المهام بإرادة وطنية موحدة كفيل بوضع سورية على طريق التحرر الوطني الديمقراطي، وتعزيز دورها الإقليمي والعالمي.