عن وحدة المصير
تتضمن الوثيقة الكثير من الأفكار الإبداعية، وبعيداً عن الانتقاص من أية فكرة منها، يمكنني الجزم بأن الفكرة الأهم، ومحور الوثيقة، وروحها هي فكرة وحدة المصير، سواء كان ذلك من ناحية اللحظة السياسية الراهنة، أو بناءً على التجربة التاريخية التي مرت بها دول وشعوب المنطقة، أو في الأفق التاريخي.
فعلى الصعيد التاريخي، نجد أن بلدان المنطقة جميعها، هي نتاج خرائط الغرب الاستعماري، التي رسمت عشية وأثناء تفكك الامبراطورية العثمانية، وشعوب المنطقة جميعها ضحية عجز الدولة الوطنية عن إنجاز المهام التاريخية التي كان من المفروض أن تنجزها، فالأنظمة في الدول التي يتوزع فيها الأكراد، طالما كانت تهول بالخطر الكردي، تحت راية الوطنية والحفاظ على وحدة الدولة، تبين أن سياساتها قادت الدولة بمن فيها من القوميات والمذاهب والأديان إلى أفق مسدود، حيث بات الجميع أمام تحد وجودي، وعليه فإن المشترك هنا ليس فقط الخرائط الاستعمارية، بل المخرجات التاريخية لنموذج الدولة الوطنية، التي تكونت بعد مرحلة الاستقلال أيضاً، ومن هنا نتمنى ألا يتوهم أحداً بإمكانية وجود حل خاص بمعزل عن الشعوب الأخرى، في ظل هذا الوضع العالمي والإقليمي المضطرب، كما توهمت نخب أخرى في مراحل تاريخية سابقة بإمكانية إنكار الوجود الكردي، بعبارة أخرى أن فرضية حق تقرير المصير بمعنى الانفصال والاستقلال، وإن كان حقاً مشروعاً بالمعنى القانوني الحقوقي، هو ضمن الشرط التاريخي الراهن، وضمن الخصائص المكونة للقضية الكردية، بمكن أن يكون عامل توتير، وليس أداة حل، ونيل حق مشروع.
وفي سياق آخر، فإن نموذج الدولة الصغيرة في ظل التكتلات الدولية الكبرى، والتحديات التاريخية المائلة أمام دول وشعوب العالم، هي دولة عاجزة بالضرورة عن أداء دورها التاريخي، هي موضوعياً دولة فاشلة.. لماذا؟ إن مثل هذه الدولة كردياً، يعني التموضع ضمن حقل ألغام، فلا هي قادرة على حماية نفسها، ولا هي قادرة على إنجاز مهمتها في التنمية والتقدم الاجتماعي، ولا هي قادرة على لعب دور إقليمي، لأنها موضوعياً، ستكون دولة منهكه في ظرف يستدعي القوة، دولة في حالة حرب فور ولادتها في وقت يجب أن يكون السلم في رأس أولوياتها.
إن فكرة وحدة المصير لا تعني قطعاً استمرار الوضع السابق، من سياسات إنكار الوجود، والإقصاء، بل يعني الاعتراف المتبادل بالحقوق، وتوفير البيئة المناسبة للاندماج الطوعي، الأمر الذي يعتبر مهمة تاريخية، أمام نخب وساسة القوميات الأخرى.