التعايش السلمي مع الكيان
أن نسمع من تيار يدعي تمثيل الشارع العربي في ظرف معين عن أطروحات تبشر بتعايش مشترك وسلام دائم عربي-إسرائيلي لهو أمر في غاية الاستهجان حتى لو أصبح الكيان الصهيوني «كيانا مسالماً» ولن يصبح, لكن لربما يخف الاستهجان لو أن تلك الأطروحات صدرت عن أحزاب غير ماركسية - وهذا لا يعني عدم استنكار أطروحات كهذه من هذه الأحزاب - فهي قد تؤمن بإمكانية تعايش سلمي لقصر أيديولوجي أو سياسي.
ولكن أن تصدر تلك الدعوات من تيار ماركسي فهو الأمر المستهجن بشدة، فكما علمتنا الماركسية أنه لا إمكانية أبداً لأي حل سلمي مع هذا الكيان فما هو إلا يد متقدمة للإمبريالية، ووجوده مرهون بالكامل بقوة ووجود الإمبريالية، فأي تنظير لتعايش سلمي مع الكيان هو جزء من أجزاء التنظير لتعايش سلمي مع الإمبريالية وفي التنظير للتعايش السلمي مع الإمبريالية تفريغ للماركسية من جوهر محتواها الثوري .
في أدبيات أحد القوة الماركسية في المنطقة التي تدعي تمثيل الشارع العربي نجد أن الدعوة للسلام العربي الإسرائيلي هو جوهر نضال هذا الحزب، فأحلام التعايش السلمي مع الإمبريالية لا تزال تقبع في أدبيات هذا الحزب.
إن الماركسية في جوهرها هي علم تحرير البروليتاريا، وكما تعلمنا من الماركسية أن تحرير البروليتاريا لن يتم إلا بثورة تهدم علاقات وأسلوب الإنتاج الرأسمالي منهية الظلم من جذوره, وبهذا فإن الثورة ضد الظلم هي إحدى أهم مرتكزات الماركسية، فكيف لمن يرى يرفض زوال إسرائيل وفي أحسن الحالات يرى أن المطالبة بزواله مطلب سلبي وغير واقعي، كيف له الانتماء إلى الماركسية عقيدة وممارسة؟ أليس قيام الكيان المشؤوم في جوهره تأكيد وتثبيت للظلم الذي سببته الإمبريالية الأوروبية حينها ضد حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني صاحب الأرض كاملة.
إن أخطر مفصل من المفاصل التي تناولها برنامج هذا الحزب أنه ورغم أنه يفرق بين إرهاب الدولة المؤسساتي الذي يمثل الجاني «الكيان الصهيوني» وبين إرهاب الأفراد «المقاومة الفلسطينية» إلا أنه يدين طرفي الإرهاب.
والكارثة أن عددا ليس بالقليل من الأحزاب الشيوعية العربية ترى في أطروحات هذا التيار أكثر الأطروحات منطقية بدلا من الطرح الحالم «دولة فلسطين على كل الأرض الفلسطينية».
إذاً، أكثر ما نحتاجه اليوم، وخصوصاً مع كثرة الحديث عن عودة الماركسية إلى الواجهة هو عملية غربلة تزيل السيئ الممسوخ من الفكر الذي أقحم نفسه على الفكر الثوري وهو منه بريء ومنذ فترة قدمت قاسيون لتجربة مصرية فريدة تتمثل في حركة اليسار المصري المقاوم، كذلك في ما وجهت من كلمات لمؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني من أجل برنامج ثوري للحزب.. نعم ما نحتاجه اليوم يسار ماركسي عربي مقاوم.
كاتب سوري مقيم في الأردن
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.