كيف أصبحت شيوعياً؟
التقت قاسيون الرفيق القديم حكمت عبد الله حكيم, وكان معه الحديث التالي:
الرفيق المحترم حكمت.. أهلاً بك ضيفاً على هذه الزاوية, ونود أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟
«أنا من مواليد مشتى عازر _ محافظة حمص عام 1941 في أسرة قليلة الأولاد كثيرة الفقر والحرمان وكنت الابن الأكبر لأب يعمل ليل نهار.. فلاح شققت قبضة يديه المحراث, وحرقت شمس الصيف الحارة جبينه, وكتبت عليه الحياة الشقاء والقهر, بالكاد يحصل على لقمة العيش, وكنت ساعده الأيمن في كده وجده, درست في المدرسة الابتدائية وأنهيتها عام 1953، ثم تابعت المرحلة الإعدادية, وخلال تلك الفترة تعرفت على رفاق في الحزب, اقتربت إثرها من التنظيم، وبعدها انتسبت إلى صفوف الرفاق, وكان انتسابي للحزب ولادة جديدة, وهكذا صرت شيوعيا متمثلا سلوك ونضال الشيوعيين في قريتي, وأخذت اقرأ الأدبيات الماركسية وفي مقدمتها البيان الشيوعي, ومنذ ذلك الحين بدأ نشاطي الحزبي وبالتعاون مع الرفاق صار في القرية عدة فرق, وتشكلت لجنة فرعية رعت وطورت نشاط الرفاق فازداد نفوذنا, وأخذنا نقيم الاحتفالات بمناسبة الجلاء وثورة أكتوبر وعيد العمال العالمي, فنلقي الكلمات الحماسية ونحض على النضال, كما كنا نوزع الحلوى على الحضور. وبقيت الحالة جيدة حتى أواخر الخمسينات, حيث قامت حملات قمع ومطاردة واعتقالات وتعذيب وحتى تصفية جسدية لعدد من الرفاق, وكنت قد تابعت دراستي فنلت شهادة الإجازة في الآداب ـ قسم التاريخ جامعة دمشق, وكان لي شرف نيل وسام الشجاعة من الدرجة الأولى تحت رقم /25225/ ووسام حرب تشرين التحريرية قائداً لفصيلة هندسية برتبة ملازم مجند، ماركسي لينيني ستاليني النزعة شيوعي بامتياز.
في زمن الملاحقات، كان الرفاق يستدعون ويعتقلون ويجلدون, ولعل صغر سني حينها, وحرص رفاقي عليّ قد أبعد عني الشبهات, وخلصني من استجواب وعذاب أجهزة القمع, ولكن ذلك لم يستمر طويلاً, وكنت قد صرت معلما ابتدائياً, ولم أقبل في مسابقة انتقاء المدرسين لأن التقرير السياسي كتب بيد حاقدة، واصفاً إياي بالشيوعي الأحمر الخطير، ولم يشفع لي استبسالي في حرب تشرين ونيلي وسام الشجاعة، فاستدعيت لدوائر الأمن عدة مرات, ونُكّل بي، وجربت عليّ كل وسائل التعذيب النفسية والجسدية، وفي إحدى الاستدعاءات زج بي في الزنزانة الانفرادية سبعة أيام، وذلك يوم قررت المنظمة تعليق لافتة تدعو فيها الجماهير لمساعدة أبطال الحجارة في انتفاضتهم الأولى, وكانت الحجة في ذلك أننا لم نأخذ أذناً للسماح لنا في القرية بدعم الانتفاضة مادياً ومعنوياً. وأخيراً جاء دور الندب والنقل من الوظيفة إلى المحافظات ألأخرى بحجة أنني أقف مع الجماهير ضد السياسة العامة, غير مراعين حرمة للجبهة التي نحن عنصر فاعل من عناصرها..
هذا غيض من فيض, ورغم الانقسامات وتعدد الفصائل والانقسامات، بقيت شيوعياً متجذراً في تربة هذا الوطن كالسنديانة القديمة، مؤمناً أن راية النضال لن تنكس في سماء سورية الأبية، سورية يوسف العظمة.. سورية شهداء السادس من أيار... سورية الجلاء.
وإني أغتنم هذه المناسبة وهذا المنبر الإعلامي لأقول أخيراً: إن هبات وعطايا بعض الكرماء لا تمنع البلاء عن الجنس البشري... فقط دكتاتورية البروليتاريا هي الكفيلة بحل هذه الأمور, وإذا كان حزبنا الشيوعي السوري يعيش اليوم حالة ضعف وانقسام وفرقة... فإنه فلابد أن يأتي يوم قريب أقول فيه كما قال الشاعر:
أصابع كف المرء في العدد خمسة
لكنها في مقبض السيف واحد
إنني أعتبر اللقاءات مع الرفاق القدامى في زاوية «كيف أصبحت شيوعياً» تضخ دماء جديدة في قلوب الشيوعيين, وتظهر ما للشيوعية من دور هام في نقل البشرية من عهود الاضطهاد إلى عهد المساواة والعدالة الاجتماعية. أحيي كل الجهود الصادقة في سبيل وحدة الشيوعيين السوريين، وهذا ما نترقبه ونعمل له»..