الافتتاحية: المواجهة الشاملة.. ممانعة.. مقاومة.. تحرير

لا تعيش بلادنا في عزلة عن محيطها الإقليمي، هذا المحيط المستهدف بكامله من المخططات الأمريكية- الصهيونية.. وبالفعل فإن المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى المتوسط، والتي يحدها مضيق باب المندب جنوباً، كما تؤكد الأحداث اليوم، تغلي وتمور مدافعةً عن استقلالها واستقرارها ومصالحها..

وواقعياً، فإن الإمبريالية الأمريكية تتعامل مع هذه المنطقة على أساس أنها مسرح عمليات واحد، وليس مصادفة أنها أنشأت قيادة عسكرية مركزية للتعامل معها، فهي تعي تماماً هذه الحقيقية.. فهذه المنطقة تشكل منذ عمق التاريخ فضاءً جغرافياً- سياسياً واحداً، يستند في الجوهر إلى العوامل الاقتصادية والثقافية المشتركة..

وفي ظروف اليوم التي ازداد فيها الوزن النوعي لهذه المنطقة عالمياً إلى حد كبير بسبب نفطها وإطلالها الكثيف على خطوط نقله الأساسية، أصبحت السيطرة عليها هدفاً لا بديل عنه للإمبريالية العالمية، وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.. وبما أن السيطرة العسكرية المباشرة محفوفة بالمخاطر بعد تجربة احتلال العراق، وبما أن الموارد في تناقص بسبب الأزمة الرأسمالية العالمية، فإن خطة تفجير بؤر مختلفة بآن واحد واستدعاء حروب عسكرية صغيرة متناثرة، ولكن كثيرة، إلى جانب تفعيل التفجيرات الداخلية المستندة إلى عوامل مختلفة، دينيةً كانت أم طائفيةً أم قبليةً، أصبحت الوصفة الوحيدة للتعامل مع ذلك الشرق العظيم الذي يشكل تضامنه واتحاده خطراً كبيراً ليس على مصالح الإمبريالية العالمية فقط، وإنما أيضاً على مستقبل النظام الرأسمالي العالمي..

إن الخط البياني العام للصراع بين قوى الإمبريالية والشعوب منذ أوائل القرن الجديد وحتى اليوم، أصبح واضحاً، فقوى الشعوب في صعود، وقوى العدوان في تراجع من حيث المحصلة العامة للصراع الجاري ونتائجه. ولكن صعود قوى الشعوب لم يبلغ بعد تلك النقطة التي تسمح لها بالهجوم الشامل، كما أن تراجع قوى العدوان لا يعني أنها أصبحت ضعيفةً، وإن كانت قد أصبحت بشكل مؤكد، أقل قوةً من السابق.. إن تطور هذا الخط البياني سيجري تحت ضغط عاملين:

• الأزمة نفسها التي تلقي بكاهلها وظلالها على قوى الإمبريالية وترهقها وتنهكها، وهذه العملية ستزداد حدةً خلال المستقبل المنظور.

• تطور نضال قوى الشعوب التي يرتقي نضالها إلى درجات أعلى يوماً بعد يوم..

وإذا نظرنا من هذه الزاوية إلى الأمور، آخذين بعين الاعتبار التطور اللاحق الممكن موضوعياً، ومن أجل أن نستنتج ونستخرج الدور الفاعل الذي يجب أن تلعبه القوى الوطنية والثورية، يمكن أن نقول ما يلي:

1 ـ إن أجزاء هامة من المنطقة التي تتسم دولها وحكوماتها بمنطق الرضوخ والتبعية للإمبريالية، مرشحة لأن تنتقل إلى مواقع الممانعة مكنسةً في طريقها كل قوى ما يسمى بـ«الاعتدال».

2 ـ وهنا تتحمل قوى الممانعة مسؤوليةً كبيرة في تفعيل هذه العملية عبر التقاط هذه اللحظة التاريخية والانتقال من الممانعة إلى المقاومة..

3 ـ وهذا الأمر بحدوثه على أرض الواقع، سيسمح لقوى المقاومة بالانتقال إلى الهجوم، فالمقاومة التي كانت شرف عصرنا في زمن الانهيارات الكبرى، هي فعل دفاعي عالي المستوى في ظل اختلال موازين القوى، وهي كي تؤدي دورها التاريخي سيطلب منها الانتقال إلى مواقع أكثر تقدماً، جوهرها الانتقال إلى الهجوم والتحول إلى قوى تحرير للمنطقة من مخططات الإمبريالية وقواها وعملائها..

وهكذا نرى أن المنطقة كلها كانت، وما زالت، وستظل تتفاعل بين أجزائها المكونة، وأي تقدم لأحد مكوناتها سيعطي قوة دفع للمكونات الأخرى على خط المواجهة العام، من ممانعة، إلى مقاومة، إلى تحرير..

إن عدم فهم هذا الواقع الملموس وجدلية هذه العلاقة، والركون إلى وصفات التهدئة الخادعة التي تقوم بها السياسة الأمريكية في المنطقة، سيضر بالدرجة الأولى الواهمين أنفسهم، لأن عجلة الحياة والتاريخ في تقدم، ولم يعد هنالك قوة تستطيع إيقافها..

إن المواجهة اليوم أصبحت شاملة بكل معانيها:

الجغرافية: في كل أجزاء شرقنا العظيم الذي ستتحطم فيه آخر وأهم مخططات الإمبريالية الأمريكية التي تستهدف إنقاذ النظام الرأسمالي العالمي.

والنوعية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، وليس أخيراً، العسكرية.

لذلك فإن تطوير المعركة على خط المواجهة الشاملة اليوم وغداً، يتطلب سياسات أكثر جذريةً مما كان يتطلبه الأمر البارحة في المجالات الوطنية العامة في مواجهة المخططات المباشرة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية.

وفي المجالات الاقتصادية- الاجتماعية في مواجهة السياسات الليبرالية التي تضعف الدولة والمجتمع.

وفي ذلك ضمانة لتعزيز كرامة الوطن والمواطن..

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 23:16